الخرق الأمنى المفاجئ المذهل فى لبنان!
يبدو أن الكاتب «توماس ريد» لم يكن دقيقًا فى مقال شهير له نشرته مجلة الدراسات الاستراتيجية فى أكتوبر 2011، وهى مجلة رائدة فى المجال السيبرانى وما إليه، قال فيه: «إنه من غير المحتمل أن تحدث حروب إلكترونية فى المستقبل»!
تعرض لبنان لهجوم إلكترونى، بدأ فى يوم الثلاثاء الفائت من هذا الشهر «الموافق 17 سبتمبر»، حيث تم تفجير أجهزة الـ«بيجر»، التى تستخدمها قوات حزب الله، وفى الأربعاء «يوم 18» فجر الهجوم أجهزة اتصالات لاسلكية يحملها أعضاء من الحزب، امتدت الانفجارات إلى مناطق مختلفة من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، سقط عدد من القتلى وأعداد كبيرة من المصابين، لا يزال الحذر سيد الموقف فى لبنان بأسره بالطبع، ولقد مثل الهجوم خرقًا أمنيًا مفاجئًا ومذهلاً فى الداخل اللبنانى، ونقل الحرب التى بين إسرائيل وحزب الله نقلة نوعية؛ فوصلت الأمور إلى نقطة شديدة العمق والخطورة، العمق لأنه لا أحد يدرى شيئًا عن ما يمكن أن يحدث فى اللحظة التالية؛ فالأبعاد يستحيل إدراكها تقريبًا، والخطورة لأن الاختراق سيادى، يمس رفعة البلد وسلطته ومجده، ويتسبب فى خسائر بشرية بين المقاتلين والمدنيين على حد سواء، لا يعلم حجمها إلا الله.
قد يختلف مسار الحرب بين الأطراف المتصارعة بعد أن حقق الهجوم الغادر أغراضه فى زعزعة الاستقرار وخلخلة المجتمع، لا حاجة بالمتصارعين إلى الآلة الثقيلة بعد ذلك؛ ما دام التحكم القصى فى أجهزة الآخرين يؤتى ثماره المرجوة، أو بالأحرى لا حاجة لإسرائيل إلى استنزاف آلتها العسكرية التقليدية، وقد ملكت ما يؤدى المهمات بطريقة أيسر، وأكثر أمانًا لجيشها ومقاتليها، وحفاظًا على اقتصادها، الذى كادت الحرب أن تعصف به لولا الإمدادات الصديقة!
قد يتضح لاحقًا أن حزب الله يملك التكنولوجيا نفسها، تكنولوجيا التدمير عن بعد، وإن كنا لا نتصور الحكاية هكذا البتة، موقنين بالتفوق العلمى والتكنولوجى لدى العدو المدعوم من أمريكا بالغة التفوق وسيدة العالم، ومن قوى أوروبية وافرة الغنى والتقدم.
شعر الناس بالقلق فى كل البلاد العربية، وربما كثير من غير العربية، شعروا به
لأن بلوغ الأهداف صار صادمًا تمامًا، لا صوت طائرة فى السماء ولا دبيب مجنزرة على الأرض، هى رنة جهاز بسيط فى اليد، ومع الضغط على زر الاستجابة تنفتح بوابة الجحيم!
أصبحت فكرة إنهاء الحرب فى لبنان، ومن قبلها حرب فلسطين التاريخية التى لا تريد إسرائيل إيقافها، ولا رفع يدها الباطشة عن غزة وجميع الأراضى المحتلة حتى الساعة، أصبحت الفكرة الآن، بعد حدوث هذا الجديد المروع غير المتوقع، حتمية، وإن كان لا أحد يعرف كيف يمكن إجبار الإسرائيليين على وقف عملياتهم البشعة، التى لا تنتهى ضد العزل والأبرياء وأوجه الحياة جميعًا، ووقف أطماعها ابتداء.
لا يجب أن نتهيب الموقف أيًا كان، بل يجب أن نكون مستعدين لجميع الاحتمالات، ولسنا فى بلادنا ببعيدين عن النار المتقدة الملاصقة لحدودنا الشمالية الشرقية، ولا غيرنا من الأمم ببعيد عنها حتى من كانت جغرافيته بعيدة!