جمال القصاص: وقفت في منطقة رمادية من شعر "فريد أبوسعدة"
تحدث الشاعر جمال القصاص، عن ذكرياته مع الشاعر محمد فريد أبوسعدة، ضمن مناقشات الدورة الثامنة لمؤتمر قصيدة النثر المصرية، والتي تعقد في مؤسسة الدستور الصحفية.
جمال القصاص: وقفت في منطقة رمادية من شعر "أبوسعدة"
وقال القصاص في الجلسة البحثية الأولي للمؤتمر، والتي تعقد بعنوان "قليل من المحبة: في بداية تعارفنا"، ونحن لم نزل نخفي في حقائبنا المتربة أحلامنا الكاسرة، وجدتني أقف من شعره في منطقة رمادية محيرة ومربكة، فلا أنا مع ولا أنا ضد، لكن سرعان ما انقلبت الأمور رأسا على عقب، أصبحت متحمسا لكل تشابكات المع والضد في شعره.
وتابع القصاص: لم يكن من شأني أن أبحث عن السعادة أو المرح أو الغموض في قصائده، كنت أبحث عن ما يصدمني في كل هذا، أريد أن أتحرر بعذوبة من نفسي، أحس بأن جزءا من أحلامي العصية تحققه قصائد الآخرين، وأنني أستطيع أن أستعيد هذه الأحلام بخفّة وعلى نحو خاص في شعري، بعدما اختبرتْ وجودها في تربة خصبة أخرى.. كان فريد أبوسعدة، أحد الشعراء القليلين من جيلي الذين استدرجوا هذه الأحلام، ومنحوني فرصة تـأملها وإعادة النظر والقراءة في كل ما يفيض عنها، من حقائق ورؤى وأفكار، أعرف أنها ستتبدل كثيرا، ما دمنا نشك في حداثة حيواتنا ووجودنا، بحثا عن دم جديد وأحلام أكثر طزاجة ـفي دروب الشعر والحياة.
وأوضح القصاص: امتد المشهد إلى أقصى رقته حين جعلته مدار قصيدة طويلة لي سميتها "الكائن يراود خفّته"، وأهديتها له، إلى شاعر أعرف أنني حين أقول باسمه أنصت في اللحظة نفسها إلى نفسي، بعيدا عن صخب الآخرين.. هكذا خاطبته بضمير الشعر في تلك القصيدة، كنت أظن أن الحماسة تولد من قوة الأشياء، لكن ها هي تولد من ضعفها أيضا، بولعه الإنساني الرائق النبيل: "لملمَ ملامحَهُ من زوايا الحوائطِ.. وعلى وجهه انطبعت كوابيسُ من أحبهم وطاردهم طويلًا.
حسية ترى اللغة في جسدانيتها
واستكمل جمال القصاص حديثه عن الشاعر محمد فريد أبو سعدة: بيد أنني كنت وما زلت أسأل نفسي حينما أندمج مع شعره عن هذه الحسية الرهيفة، التي تنفر من السكنى في الأشياء، رغم أنه مولع بالتفاصيل، خاصة حين تخرج حارةً من مخزن الذكريات والزمان، وتشكل فضاء المشهد الشعري، وكأنها تحدث للتو.
أتصور أنها حسية مشغولة بما هو أبعد من تخوم الجسد ونزق الحواس، أبعد من ربكة التفاصيل، ومتعة التنزه في أجوائها الخاطفة، إنها حسية ترى اللغة في جسدانيتها، وكذلك ترى العالم والعناصر والأشياء.. فالحلم بالطبيعة، الحلم بالحب، بالحرية لا يقل متعة عن وجودها المادي الغريزي.. إذن حسية الجسد ليست في كونه كائنا لطيفا وأليفا، وإنما في صيرورته وغرابته، في كونه بيت الطبيعة واللغة والحلم. ثم أن هذه الحسية تصفو لذاتها كلما مسها خفق صوفي شفيف.. وهو ما يطالعنا على نحو لافت وشيق في أغلب أعمال فريد أبو سعدة، خاصة ديوانه" وردة الطواسين"، حيث يتحول الحلاج إلى كوة مشعة في رحم الكون، بين جدرانها يمكنك أن تحلم وتسافر وتحب وتعشق، بل تنسى الكون نفسه، وربما تخرج له لسانك على سبيل الدعابة والسخرية.. ومن الديوان يقول فريد:
“الفلاةُ تماحكنى عنكَ ياسيدي
والمفازاتُ تمسكُ بى كالخلاخيلِ
لكنه النخلُ يأخذُنى من يدي
جئتُ كيما أراك.