حياة تحت الرماد.. مأساة النزوح في غزة بين الدمار وانتشار الفشل الكلوي
في قلب صراع غزة المروع، حيث تتلاشى حدود الإنسانية تحت وطأة الحرب، تروي "الدستور" في السطور التالية، قصتين من قلب المأساة في غزة.
الأولى لصحفي تحدى الانهيار للحفاظ على كرامة أسرته وسط الخراب الذي م أنحاء القطاع، ليجد نفسه محاصرًا بين أنقاض الحرب مجبرًا على ترك مهنته لمواجهة قسوة الحياة؛ وتوفير احتياجات أفراد أسرته المكلومة التي تعاني في خيمة تفتقر لأبسط المقومات.
والثانية لمزارع هي شهادة على الأمل البشري الذي لا ينطفئ حتى في أعتى الأوقات المظلمة، ونداء للضمير العالمي لمد يد العون لأولئك الذين يقاومون في خيمهم العاجزة.
معين الضبة.. صرخات الألم والتجاهل في خيمة مع مرضى الفشل الكلوى
في ظل حرب دامية وصراع مستمر، يعيش معين تيسير الضبة، وعائلته في ظروف إنسانية صعبة تفوق التصور.
“معين” صحفي حر من غزة الشجاعية، كان يعمل بنظام القطعة وعضوًا في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، اضطر إلى وقف عمله الميداني ليكرس وقته لرعاية أشقائه المرضى ووالدته المسنّة وأولاده.
ومنذ بداية الحرب في أكتوبر 2023، نزح معين إلى خانيونس جنوب قطاع غزة، هربًا من القصف العشوائي. عائلته، التي تعاني من الفشل الكلوي، واجهت أزمة خانقة.
أخوانه، أحدهما توفي في 2020 بعد عشر سنوات من العلاج بالغسيل الكلوي، والآخر لا يزال يعاني منذ ست سنوات، وتدهورت حالتهم الصحية في ظل النزوح إلى خيمة مهترئة في مواصي خانيونس، حيث تفتقر للخدمات الأساسية.
معين يصف معاناة أسرته مع قلة الإمدادات الطبية. المستشفيات في قطاع غزة، مثل مستشفى ناصر، هي الوحيدة التي توفر العلاج، لكنها تعاني من نقص حاد في الأدوية والأجهزة بسبب الحصار. حتى وسائل النقل من وإلى المستشفى أصبحت تحديًا كبيرًا، حيث يضطر المرضى إلى استخدام عربات تجرها حيوانات بسبب عدم توفر الوقود.
الأزمات تفاقمت مع التلوث الذي أصاب مياه الشرب خلال النزوح، ما أدى إلى إصابة شقيقته بالفشل الكلوي.
حالة المرضى ازدادت سوءًا بعد قصف مركز الإيواء في خانيونس، مما أسفر عن استشهاد 16 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين.
وفي ظل قصف متواصل، نُقل معين وأسرته إلى خيمة أخرى في محررة ميراج، ثم إلى شاطئ بحر خانيونس، حيث عانوا من نقص المياه النظيفة والأدوات الصحية.
النزوح المتكرر أجبرهم على الانتقال إلى رفح، حيث كانت الحياة هناك صعبة، خصوصًا لمرضى الفشل الكلوي الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة. بعد تلقي أوامر جديدة من الطائرات الإسرائيلية بمغادرة رفح، انتقلوا مجددًا إلى خانيونس، حيث عايشوا وضعًا إنسانيًا كارثيًا.
وفي خضم هذه الكارثة، يعاني معين وعائلته من نقص حاد في الطعام والمياه النظيفة والأدوية، ويجدون صعوبة في الحصول على العلاج، إذ يضطرون إلى استخدام وسائل بدائية في التنقل ونقل المرضى. إنهم يتمنون العون من الخارج، في ظل تجاهل واضح من الجهات الصحية والإنسانية. في هذا الواقع المأساوي، يبقى معين وأسرته يتشبثون بالأمل في تحسين ظروفهم، بينما يواجهون أسوأ الظروف التي يمكن أن يعيشها إنسان.
"خالد قديح".. من زارع الأرض إلى نازح تحت الخيام
خالد قديح، من سكان محافظة خانيونس بقطاع غزة، يعيش في خيمة نازحين في منطقة المواصي بعد أن دمرت الحرب الأخيرة كل ما يملكه.
خالد، الذي نشأ في بلدة خزاعة شرق المحافظة، كان يعمل في الزراعة والعمل التطوعي، وتمتع بحياة مستقرة رغم الانتهاكات الإسرائيلية السابقة. لكن الحرب الأخيرة التي بدأت في عام 2023 غيرت كل شيء.
فقد دمر القصف الإسرائيلي منزله وأرضه، بينما فقد عائلته بشكل مأساوي. استشهد والده، وأخوه وأسرته المكونة من أربعة أفراد، إلى جانب زوج أختيه وابنته الطفلة، جراء قصف منزلهم. الآن، يعيش خالد في خيمة ضيقة مع ثلاث أيتام يعانون من احتياجات خاصة، إضافة إلى والدته المصابة بمرض السكري وأمراض القلب.
تؤثر الأوضاع المعيشية القاسية بشكل كبير على عائلته، حيث يعانون من نقص حاد في مواد التنظيف والغذاء والرعاية الصحية. وارتفاع الأسعار يجعل الوضع أكثر سوءًا، بينما لا تتوفر أي وسائل للعلاج أو المساعدة المناسبة.
يشعر خالد بمرارة عميقة لفقدان نصف عائلته وتدمير منزله، ويعيش في حالة من القلق المستمر بشأن كيفية تأمين حياة كريمة لأطفاله. يطالب خالد منظمات حقوق الإنسان بالتدخل لنقل معاناة أهل غزة إلى العالم، ووقف الهجمات، وفتح المعابر لتوفير العلاج اللازم للمرضى، وتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين. في ظل هذه الظروف، يتمنى خالد أن تنتهي الحرب ويستعيد وطنه، ليعيش بكرامة فوق أنقاض الماضي المدمرة.