أسرار وخواطر.. الشاعر محمد الدش: مظاليم الشعر والأدب كثر (حوار)
بعد أكثر من أربعة عقود مع الشعر والكتابة للصبية والفتيان وكتابة قصص وشعر الأطفال، تتضح التجليات الثقافية والإبداعية للشاعر محمد عبدالستار الدش، والذي قدم للمكتبة العربية الصوت الشعري المغاير وكذاك سحرية الاشتباك مع عالم البراءة والطفولة عبر أكثر من عشرين عملاً للطفل وأكثر من سبعة عشر ديوانًا وعشرات التكريمات من مصر والوطن العربي، بالإضافة لترجمة أشعاره لأكثر من لغة.
بعد أكثر من أربعة عقود مع الشعر.. أين أنت من الساحتين الثقافية والشعرية في مصر؟
أنا موجود في الساحتين الثقافية والشعرية منذ بدأت التفاعل مع الحياة الثقافية عبر قصر ثقافة المحلة الكبرى، وقصر ثقافة غزل المحلة الكبرى ــ المتوقف فيه النشاط الأدبي حاليًا وأدعو الله أن يعود مرة أخرى ــ وكان ذلك في منتصف الثمانينيات، ثم نشر قصائدي عبر صفحات في جرائد مهمة مثل صفحة قضايا أدبية بجريدة المساء التي يشرف عليها مبدعنا الكبير محمد جبريل أو مجلات أدبية وعلى رأسها إبداع بقيادة الكبير دكتور عبدالقادر القط وتواصل التواجد الفاعل بعد ذلك لليوم بمشاركاتي الشعرية المتعددة في مواقع وفعاليات كثيرة مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، وقصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة، وبعض الجمعيات والنقابات مثل النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، وكذلك بعض الصالونات الأدبية، ومن خلال لقاءاتي التليفزيونية، والإذاعية وإن كانت قليلة،ومن خلال مانشرت في مجلات وصحف متعددة ومتنوعة للكبار وللأطفال، ومن خلال دواويني الثمانية التي نشرت، وبمشاركاتي في تحكيم بعض الجوائز المهمة مثل جائزة الدولة للمبدع الصغير في دوراتها الثلاث الأولى،ولاأزال أواصل ودائمًا أقول: يارب لعل القادم أفضل.
ما رأيك في مسألة الجيل الشعري ؟ وبعض المحاكمات التي طرحت مؤخرًا،وظلمت كثيرًا من الشعراء؟
• لست مع هذه التسمية لأنها ظالمة، وتختزل الشعراء في فترة ما للأسف الشديد في مجموعة قليلة جدًا، فعلى سبيل المثال عندما نقول شعراء السبعينيات يحضر أمامنا فورًا جماعتا إضاءة وأصوات، ومَنْ في فلكهم ولا يُذْكر مثلا الذين سبقوهم ومازالوا يكتبون الشعر في فترة السبعينيات وما بعدها، وهكذا في كل الأجيال، وكل ذلك قلة أما الآخرون فيدخلون في ثلاجة النسيان؛ فمظاليم الشعر والأدب كثر، وربما بعضهم أجود فنيًا من كثير من المشاهير في نفس الجيل.
أما ما طرح مؤخرًا من محاكمات شعرية وخاصة في جريدة أخبار الأدب، وأحيانا على مواقع التواصل الاجتماعي مرهون بأصحابه الذين كتبوه، فهل هم من الذين يعتد بقولهم ؟ هل هم مجرد كلام إنشائي بلا دليل يعتد به ؟أرى أنها مسألة تؤكد على غياب العقل الناقد الواعي المنتمي الحقيقي، وليس العقل المنتفخ بقلم في موقع ما ومعه مريدوه.ولن تؤثر مقالة هنا أو هناك بالسلب في مسيرة شاعر حقيقي.
هل ثمة شاعر مصري أو عربي أو عالمي كان له استحواذ عليك فدفعك للشعر ؟
-الذي دفعني للشعر أم كلثوم بقصائد الفصحى التي قامت بغنائها وكنت أحفظها منها فالفضل لها، ولشعرائها، وكنت صغيرًا في المرحلة الإبتدائية بل ماقبلها بقليل، ولكنني لم أكتب الشعر إلا في نهاية دراستي الجامعية بقسم اللغة العربية في كلية التربية جامعة طنطا بعدما درست أكاديميا، وقرأت الشعر في مختلف العصور، وكذلك بعضا من الشعر الأجنبي.
وربما التأخير يرجع لاكتشافي لموهبتي بنفسي ؛ فللأسف الشديد طوال سنين دراستي ماقبل الجامعية لم يكتشف موهبتي أحد من المدرسين أو غيرهم على الرغم من مشاركتي في النشاط الفني في المراحل التعليمية.
كيف ترى مستقبل الأدب والشعر والفن في ظل الحروب بالإنابة عبر الهوية والمعتقد الديني والسياسي ؟
-الحروب عامة باختلاف مسمياتها مع اختلاف الهوية عبر المعتقدات الدينية والسياسية وغير ذلك مغذيات الأدب والشعر والفن للنمو والازدهار؛ لأن هناك أممًا تدافع عن أوطانها، وهنا أدب المقاومة يزدهر بكل فنون الإبداع، وكذلك الأدب الوطني ولابد أن يصاحب ذلك جوانب إنسانية شديدة الشفافية والرهافة في نفس التجارب مثال أدب المقاومة الفلسطيني المزدهر دائما بسبب القضية الأم في العالم فالحقيقة الواضحة المحزنة أن الشعب الفلسطيني لايقاوم إسرائيل وحدها بعدوانها الوحشي فهي تنوب عن أمريكا وكل الدول الداعمة لها في الغرب؛ لأنهم أقاموها في هذا المكان على جسد فلسطين،ويريدونها تستمر وتتوحش، ولا يعنيهم أيموت الفلسطينيون بأي وسيلة أم لا؟ المهم بقاء هذا المرض اللعين في جسد الأمة العربية.
كيف ترى الشعر وأنت مقيم في قريتك مُجُول محافظة الغربية في ظل النشاطات الثقافية والإبداعية بالغربية ؟
-شجرة الشعر في محافظة الغربية مزدهرة بثمارها المتنوعة فصحى وعامية، بالموزون المقفى والتفعيلي والنثري أو غير ذلك من ألوان الشعر المتعددة، وغنية بأجيال الشعراء المتحققين، ومنهم المعروف على امتداد الوطن العربي.والحقيقة أن البيئة في الغربية خصبة تساعد على الإبداع بكل أنواعه حيث تجمع بين الأرض الخلابة،والمصانع الدوارة الجذابة، والتاريخ بكل مراحله، والموروث الشعبي الصوفي وغيره.
وتوجد حركة ثقافية نشطة وفي أجندتها الشعر بأمسياته يحمل هذا النشاط مواقع رسمية من خلال قصور الثقافة وبيوتها والمركز الثقافي بالمحافظة، وكذلك جامعة طنطا، والنقابات لها دور في هذا النشاط وعلى رأسها النقابة الفرعية لاتحاد كتاب مصر بوسط الدلتا، وأيضا المواقع الأهلية وتتمثل في الجمعيات مثل جمعية شعر بطنطا برئاسة الشاعرمحمود شرف وقد أقامت مهرجان طنطا الدولي للشعر ثماني دورات شارك فيه كثير من شعراء مصر والعالم، وأيضًا الجمعية الخيرية بقرية مُجُول من خلال الصالون الثقافي بها الذي أشرف عليه حيث تقيم أكثر من أمسية شعرية على مدار العام مع تنوع الشعراء، واختلاف رؤاهم،وصالون الحضرة بالمحلة الكبرى الذي يشرف عليه الشاعر الشاب محمد الشهاوي.
هل لايزال عندك إيمان مطلق بمركزية القاهرة، وما اصطلح على تسميته بأدباء الأقاليم ؟
• لاتزال القاهرة تحتفظ ببريقها الثقافي والإبداعي مع سطوتها، فلو أن أحدًا من المبدعين في أي محافظة في مصر بقي في محافظته دون الحج في القاهرة ما حقق شيئا من شهرة، وما نال غير أصوات بعض المحيطين به، فالقاهرة تعني الإعلام بكل أذرعه المقروءة والمسموعة والمرئية،وهذا الإعلام يدخل كل بيت، ولايحقق الإعلام المحلي في المحافظة أي منافسة مع الإعلام في العاصمة.إلى جانب اللقاءت الثقافية والأدبية المتنوعة والكثيرة لكثرة المؤسسات التي تقام فيها الفعاليات، وكذلك دور النشر الرسمية التي لاتحمل المبدع أي أعباء بل تعطيعه مكافأة مالية على عمله حتى ولو كانت هزيلة. أما مصطلح أدباء الأقاليم فهو مرفوض تماما، وقد تم تغيير هذه التسمية المرتبطة بالمؤتمر السنوي منذ سنوات بعيدة إلى مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم.
كيف ترى جدوى أنشطة قصور الثقافة وبيوتها في ظل السوشيال ميديا واستسهال النشر؟
-قصور الثقافة وبيوتها لابد من وجودها،والعمل على تطويرآدائها باستمرار بما يواكب العصر فهي عصب وزارة الثقافة، ومنتشرة في كل ربوع مصر تقريبا، ولا يمكن الاستغناء عن أنشطتها المتنوعة التي تتواصل مع الجماهير باستمرار،وغالبا من خلالها يظهر المبدعون الحقيقيون لما يمرون به من متابعة وتدريب ورعاية من الأجيال السابقة المتحققين المتواجدين في الأنشطة.أما السوشيال ميديا مهما بلغت من إمتاع فتفتقد للتواصل الروحي الحي المباشر الذي له تأثيره القوي على المتلقي، فضلاً عن أنها ساعدت في وجود أسماء لم تنضج بعد ؛بل منها الكثير ليس له علاقة بالإبداع وخدعته الميديا التي يستسهل النشر عليها باللايكات والتعليقات الجوفاء التي تنم عن ضعف اللاعب والمشجع. أما مسألة استسهال النشر الخاص بالكتب على حساب المؤلف فقضية أخرى نظرا ؛لصعوبة النشر في الدور الرسمية لوجود قائمة انتظارطويلة،ولكننا للأسف الشديد نجد أعمالا كثيرة تنشر على نفقة أصحابها وهي لاتصلح تمامًا للنشر، وهذا الأمر يشكك في قيمة ومصداقية دار النشر التي طبعت هذه الأعمال مهما كان الإغراء المالي لها ؛لأن هذه الدور التي تنشر هذه الأعمال الضعيفة تكون بمثابة معول هدم في عقل ووجدان الشعب المصري والعربي،وتكون جنديا في صفوف أعداء الوطن.
من هم الشعراء الذين اهتم بهم الشاعر محمد الدش؟
-الحقيقة كل شعر جيد يلفتني ويأخذني من نفسي وقتا سواء أكان الشاعر معروفا أم مجهولا. وفي كل عصر لي شيوخي وهم كثر وفي المقدمة شعراء الصوفية مثل ابن الفارض والحلاج وبن عربي،وشعراء المقاومة والرفض مثل محمود درويش وسميح القاسم وأمل دنقل، وشعراء التجديد في كل العصور عربيا وعالميا.
كيف تعاملت الأطروحات النقدية مصريا وعربيا مع عالمك الشعري ؟
-على مستوى الدراسات والمقالات النقدية التي تناولت شعري فما أعلمه يقترب من الثلاثين عملا نشرت في دوريات أدبية،أو في كتب جامعية، أو في كتب لمؤتمرات، أو في كتب نقدية لأصحابها. وقد تناول شعري بالدراسة شعراء معروفون مثل: عبد المنعم عواد يوسف - محمد فريد أبو سعدة- د. يسري العزب –أحمد زرزور-أحمد فضل شبلول- عبده الزراع وكوكبة كبيرة من شعرائنا المتميزين لايتسع المجال لذكرهم جميعا،ومن النقاد:الدكتور محمد زيدان – الدكتورنادر عبد الخالق- الدكتور عهدي السيسي – الدكتور محمد عبد الله الخولي – الدكتور أحمد كرماني وأساتذة آخرون تفضلوا بدراسة أشعاري التي نشرت سواء للكبار أو للأطفال.أما عن الأطروحات الجامعية فهناك رسالة ماجستير مسجلة في كلية الآداب جامعة طنطا عن أعمالي الشعرية ولم تناقش بعد.
أين الشاعر محمد الدش من جوائز الدولة المصرية؟
• لم أتقدم لأي جائزة من جوائز الدولة إلا مرة واحدة وكانت لجائزة الدولة التشجيعية، وكما علمت بعد ذلك أنني كنت مرشحًا لنيلها عن ديواني رائحة للوطن، ولكنها ذهبت لأول مرة في تاريخ الجائزة لديوان من شعر العامية.
ويكفيني كما يقولون جائزة الحب الكبرى التي حصلت عليها من كثيرين من الزملاء المبدعين، والمثقفين، وكثير من الذين قرأوا أشعاري، أو تابعوا نشاطي الأدبي والثقافي.ولا أعرف كيف تدار جوائز الدولة فكل عام يدور حولها لغط كثير.لكنها في النهاية تقدير الدولة لمبدعيها فلابد أن يكون لها آليات تناسب العصر،واسم الدولة ؛حتى تذهب لمستحقيها تماما بلا أي مبررات خارج الفن.
حدثنا عن رؤيتك لمفهوم الخلاص الوجودي، وعلاقته بكافة مسارات الإبداع.
-الخلاص الوجودي يعني ببساطة حماية الإنسان من ضعفه البشري، وإنقاذه من أخطائه وذلك من خلال بناء نفسه إيمانيا، عن طريق عقيدة يؤمن بها،ويتفاعل معها،وثقافيا بالقراءة والإبداع في جميع المجالات ليرتقي بنفسه ؛فتتحقق له النشوة، والسلوى بالاستمتاع برحلة البناء والصعود. وهنا نؤكد على أهمية الأعمال الإبداعية الجادة المتميزة في كافة المجالات ؛لأنها ضرورة في حماية الإنسان وإنقاذه، إلى جانب الكتب الفكرية الأخرى الجادة والتي تعد إبداعا في مجالها.أما الكتب الرديئة مثل الخطيئة المتكررة التي لايفارقها صاحبها تهدم لاتبني.
هل ينتهي حلم الشاعر بخلاصه الوجودي عقب انتهائه من قصيدته؟
-طبعا لاينتهي الحلم بكتابة قصيدة، وإنما يبدأ حلم جديد لقصيدة جديدة وهكذا، فالمبدع الجيد دائم الحلم بقصيدته العظيمة،ودائما هي التي لم يكتبها بعد ؛ فلذلك يكتب بحثا عنها. وهذا يعد خلاصا مرحليا، أما الخلاص الوجودي النهائي يكون بموت المبدع.
كيف ترى الآن جدوى رحلتك الإبداعية، ونشاطك الثقافي المتنوع؟
-أرى أنني استطعت أن أغرس فسيلة قبل قيام ساعتي، وأدعو الله أن تكون نافعة.