عمر أفندي.. السيناريست مصطفى حمدى: شاهدت كل أفلام الريحانى لأتعرف على مفردات اللغة وتفاصيل الحياة فى الأربعينيات
قال الكاتب والسيناريست مصطفى حمدى إن كتابة مسلسل «عمر أفندى»، الذى حقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا فور عرضه، استغرقت الكثير من الوقت والجهد، حتى إنه كتب ٧ نسخ مختلفة من السيناريو، الذى كان فى الأصل مخصصًا لفيلم، قبل أن يستقر على شكله النهائى.
وأوضح، خلال حديثه لـ«الدستور»، أن كتابة الحوار على لسان شخصيات فى أربعينيات القرن الماضى كان التحدى الأكبر الذى واجهه خلال العمل، خاصة أن التناقض الزمنى بين الماضى والحاضر أضاف بعدًا كوميديًا للعمل، مشيدًا بالشركة «المتحدة» للخدمات الإعلامية، التى أسهمت فى تحديث المشهد الفنى ككل، وفتحت الباب أمام المبدعين الشباب لتجسيد أعمالهم على الشاشة.
■ بداية.. كيف جاءت فكرة مسلسل «عمر أفندى»؟
- الفكرة جاءت فى فترة الحجر الصحى خلال جائحة كورونا، فقد كان لدىّ مثل آخرين فى ذلك الوقت كثير من وقت الفراغ، فبدأت أشاهد أفلامًا متنوعة بشكل مكثف، وحينها بدأت أفكر فى كيفية طرح فكرة السفر عبر الزمن بأسلوب مختلف، خاصة أن الفكرة ليست جديدة، وسبق أن عرضت فى أفلام ومسلسلات كثيرة، سواءً عربية أو أجنبية.
وكان التحدى أمامى هو تقديم هذه الفكرة بشكل بسيط وسهل، وكان هدفى أن أصنع عملًا اجتماعيًا أشبه بفيلم قديم بالأبيض والأسود، دون الدخول فى تعقيدات فلسفية، وأن تكون القصة واضحة وسلسة، ويستطيع أى مشاهد من أى فئة أن يفهمها ويتفاعل معها بسهولة.
والمزج بين الزمنين فى السيناريو كان جزءًا من رؤية العمل منذ البداية، لأن بطل المسلسل يسافر من الزمن الحديث إلى أربعينيات القرن الماضى، وكان من الطبيعى أن تكون هناك اختلافات فى طريقة الكلام والأسلوب والتصرفات، وأن يستخدم البطل مصطلحات حديثة لا يفهمها أهل الماضى، ما أضاف جانبًا كوميديًا للمسلسل.
وأتصور أن هذا التناقض كان من العناصر التى أضفت نكهة خاصة للعمل، لأننا رأينا البطل يحاول التكيف مع ثقافة ولغة مختلفة، وهذا التفاعل خلق الكثير من المواقف الطريفة.
■ نجاح «عمر أفندى» كان كبيرًا.. فهل توقعت هذا النجاح؟
- النجاح من عند ربنا، فلا أحد يمكنه أن يتوقع النجاح أو يدعى أنه كان السبب فيه، فهناك عوامل كثيرة تسهم فى نجاح أى عمل فنى، لكن فى النهاية يظل التوفيق من عند الله.
وقد تكون الحبكة الدرامية أو الشخصيات التى قدمناها قريبة من الجمهور، ولكن ليست هذه هى النقطة الأساسية، فالنجاح فى الفن، كما فى أى مجال، مسألة نصيب، وفى بعض الأحيان نجد أعمالًا قوية جدًا لكنها لا تحقق نجاحًا، وفى أحيان أخرى يحقق عمل بسيط نجاحًا كبيرًا، ففى النهاية يظل هذا النجاح الكبير كرمًا من عند ربنا.
■ فى رأيك.. ما أكثر ما ميز المسلسل وجذب إليه الجمهور؟
- أعتقد أن ما ميز مسلسل «عمر أفندى» هو المزج بين الحاضر والماضى بأسلوب سلس وممتع، فأنا لم أحاول فرض أى تعقيدات زمنية على المشاهد، بل سعيت إلى تقديم قصة يستطيع الجميع التفاعل معها، فالقصة كانت بسيطة ومفهومة، والهدف منها كان خلق عمل يجمع بين الضحك والتفكير، ويجعل المشاهد يعيش رحلة عبر الزمن.
وأظن أن بساطة القصة والشخصيات هى ما جعل المسلسل قريبًا من الناس، وكان جزءًا كبيرًا من النجاح، وجعل الجمهور يتابعه ويستمتع به، بالإضافة إلى فكرة المزج بين الزمنين بشكل كوميدى واجتماعى، فهذا ما جعل المسلسل مختلفًا واستطاع أن يلمس وجدان الناس.
■ هل استعنت بمصحح لغوى أو استشارى متخصص فى التاريخ أثناء كتابة الحوار للعمل؟
- كتابة الحوار لشخصيات فى الأربعينيات كان التحدى الأكبر بالنسبة لى، فالرجوع لزمن مختلف يتطلب دراسة دقيقة واطلاعًا على المراجع والأرشيف، وقد قضيت وقتًا طويلًا فى مشاهدة أفلام الأبيض والأسود فى هذا الزمن، وكل أفلام أستاذنا الراحل نجيب الريحانى، وحاولت التعرف على تفاصيل الحياة اليومية والكلام المستخدم وقتها، وساعدتنى المراجع كثيرًا فى صياغة حوار قريب من الواقع، وفى نفس الوقت سهل الفهم بالنسبة للمشاهد.
لكنى فى الحقيقة لم ألجأ لمصحح لغوى، لأن هدفى الأساسى هو أن يكون الحوار طبيعيًا وعفويًا، وليس أكاديميًا، وكنت أقرأ الحوار لأتأكد من أنه يوصل المعنى المطلوب بطريقة تتماشى مع الزمن الذى تدور فيه الأحداث، دون فقدان الاتصال بالحاضر.
■ ما أكبر التحديات التى واجهتها أثناء كتابة المسلسل؟
- بصراحة، فترة التحضير كانت واحدة من أصعب المراحل، فقد قضيت ما بين ٦ و٧ أشهر فى دراسة دقيقة لفترة الأربعينيات، كما قلت، وركزت كثيرًا على مشاهدة أفلام الأبيض والأسود التى تم إنتاجها فى تلك الحقبة، وأيضًا قرأت الكثير من الوثائق، والإنترنت ساعدنى بالطبع لكنه لم يكن كافيًا، فكان لا بد من الرجوع إلى مراجع أدبية وسينمائية، لأضمن أن التفاصيل المقدمة فى المسلسل ستكون دقيقة وواقعية.
أما بالنسبة لكتابة السيناريو فكانت عملية طويلة جدًا، فقد كتبت ٧ نسخ مختلفة من القصة قبل الوصول للشكل النهائى لها، وكنت كلما أنهيت معالجة أتركها فترة قبل أن أعود لقراءتها مرة أخرى لأرى إن كنت لا أزال راضيًا عنها، وفى أوقات كثيرة شعرت بأن النص لا يزال غير قوى، لذا كنت أحذفه وأبدأ من جديد.
وطبعًا هذه العملية كانت مرهقة، لكن كان من المهم بالنسبة لى أن أكون مقتنعًا تمامًا بما أقدمه.
■ ما حقيقة أن سيناريو «عمر أفندى» كتب فى الأساس لفيلم لا لمسلسل؟
- فكرة «عمر أفندى» كانت فى البداية مشروعًا لفيلم، وكان النجم أحمد حاتم هو أيضًا البطل، وقد عملنا على المشروع وذهبنا بالفعل إلى شركتى إنتاج، لكن العمل لم يكتمل.
وفى الحقيقة كنت أنا من أوقف المشروع، لأنى شعرت ببعض التدخلات من بعض الأشخاص فى الإنتاج من الذين لم يتوافقوا مع رؤيتى الفنية، وبعد ذلك جاء صديقى المخرج عبدالرحمن أبوغزالة وعرض علىّ تحويل الفكرة لمسلسل، وهو ما حدث بالفعل، وخرج مسلسل «عمر أفندى» للنور.
■ تفاعل الجمهور كثيرًا مع قصة العمل ونهايته وبعض جمله مثل «حاجة ١٣».. فهل ترى أن هذا مؤشر على أن المسلسل أحدث تغييرًا فى المشهد الدرامى المصرى؟
- تفاعل الجمهور بهذا الشكل مع العمل يفرح أى كاتب، لأن دخول الناس فى تفاصيل العمل والبدء فى تحليله وتخمين أحداثه هو النجاح الحقيقى لأى عمل فنى.
ولكن، كما قلت سابقًا، فالدراما المصرية بها كثير من الأعمال العظيمة عبر التاريخ، ودائمًا سيكون فيها تطور وتجديد، و«عمر أفندى» كان خطوة على الطريق، لكن لا أستطيع القول إنه سيغير الدراما، لأن كل عمل فنى يضيف بصمته الخاصة.
ومن الصعب طبعًا الحديث عن تأثير مسلسل واحد على الدراما المصرية وروائعها طوال السنين الماضية، فليس من السهل على أى عمل أن يغير المشهد كله.
و«عمر أفندى» استطاع أن يجذب الناس وجعلهم يتابعون بشغف وينتظرون حلقاته، وهذا شىء مهم فى حد ذاته، لكن لا أعرف بصراحة إن كان سيترك تأثيرًا أم لا.
■ تقديم أغنية «لولاش» بشكل مختلف أحدث تفاعلًا كبيرًا من الجمهور.. فمن أين جاءت فكرة اختيار الأغنية وتطويرها؟
- فكرة اختيار هذه الأغنية جاءت من المخرج عبدالرحمن أبوغزالة، الذى كانت لديه رغبة قوية فى تقديمها بأداء جديد، وكنا فى الأصل نخطط لأغنية جديدة بالكامل، لكنه قرر استخدامها، وكانت فكرته بالكامل ولم يكن لدىّ أى اعتراض، وبعدها رأينا أنها تجربة ممتعة، واستفاد منها العمل ككل.
■ كيف كان تعاونك الأول مع المخرج عبدالرحمن أبوغزالة؟
- «عبدالرحمن» صديقى منذ أكثر من ١٠ سنوات، وأثناء عمله كمساعد مخرج كان ملتزمًا بالتدقيق فى كل التفاصيل فى موقع التصوير، وكان حريصًا على كل جوانب العمل، حتى تلك التى لا تتعلق مباشرة بدوره، ودائمًا ما كنت أرى فيه المخرج الموهوب الذى يستحق فرصة كبيرة، وكنت ألح عليه كثيرًا فى البداية ليأخذ خطوته الأولى كمخرج، لأن لديه قدرة رائعة على فهم التفاصيل وإدارتها بكفاءة، وهذا ما يجعله مخرجًا «شاطر جدًا».
ونجاح تجربة عبدالرحمن أبوغزالة تؤكد أهمية دعم المواهب الجديدة، فالعمل مع مبدعين جدد يسهم فى إثراء صناعة الدراما، وتقديم محتوى متميز، لتجديد المشهد الفنى وإدخال أفكار متميزة إليه، وأنا سعيد جدًا لأنه بدأ مسيرته كمخرج بعمل حقق نجاحًا كبيرًا.
■ كيف ترى دور الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ومنصة «watch it» فى دعم المبدعين الشباب وتطوير المشهد الفنى؟
- «المتحدة»، والمنصات الإلكترونية عمومًا، تلعب دورًا مهمًا فى دعم المبدعين الشباب، وتقديم الفرص أمامهم لتطوير مهاراتهم وإبراز مواهبهم، وبفضل دعمها يمكن للشباب أن يحصلوا على الفرصة للعمل فى مشاريع ذات جودة عالية، ما يساعد على خلق بيئة إبداعية ملهمة، وهذا الدعم لا يعزز فقط من دخول وجوه جديدة إلى المجال، بل يسهم أيضًا فى تقديم محتوى متنوع ومبتكر للجمهور.
و«المتحدة» أسهمت فى تحديث المشهد الفنى ككل وتقديم محتوى جديد ومختلف، بفتحها أبواب الفرص أمام المبدعين، لأن هناك العديد من الكُتاب والمخرجين الذين يمتلكون أفكارًا خارج الصندوق، لكن كثيرًا ما تبقى هذه الأفكار حبيسة الأدراج بسبب نقص الدعم، لكن مع وجود شركات مثل «المتحدة»، التى تقدم الدعم للمشاريع الجديدة وتغامر بتقديم مواهب شابة يمكن أن يتغير الوضع، بعد أن فتحت أبوابًا جديدة تتيح للشباب والمبدعين الفرصة لطرح أفكارهم وتجسيدها على الشاشة.
ما مشاريعك الفنية فى الفترة المقبلة؟
- أعمل حاليًا على فيلم سينمائى جديد، لم أستقر على اسمه النهائى بعد، وما زلت منشغلًا بكتابته، ومن المقرر أن يبدأ تصويره قريبًا، وبسببه اعتذرت عن عدم المشاركة فى الموسم الدرامى الرمضانى هذا العام، لأن رمضان يتطلب تقديم ٣٠ حلقة، وهو أمر يتطلب جهدًا كبيرًا، ويعنى أيضًا احتمال الوقوع فى فخ التكرار والملل، أو تقديم العمل بشكل يخالف ما أطمح إليه، لذا فضلت الاعتذار هذا الموسم.