العدل والجنائية والخيبة الأممية!
لا جديد فى الإهانات، التى تلقتها المحكمة الجنائية الدولية، ولا تزال تتلقاها، منذ صدور مذكرتى اعتقال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، ووزير دفاعه السابق، يوآف جالانت، إذ سبق أن وجّهت الولايات المتحدة وحلفاؤها إهانات أكثر قسوة وحدة، قولًا وفعلًا، لمحكمة العدل الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، وهيئاتها، وكل المؤسسات الدولية، دون أن يترتب على تلك الإهانات، أو على القرارات، التى تسببت فيها، أى شىء!.
فى دعوى منفصلة عن تلك التى أقامتها دولة جنوب إفريقيا الشقيقة، والتى تنظرها محكمة العدل الدولية، منذ يناير الماضى، وتتهم دولة الاحتلال بـ«الإبادة الجماعية» للفلسطينيين- استجابت المحكمة نفسها لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الصادر نهاية ديسمبر ٢٠٢٢، وأبدت فى ١٩ يوليو الماضى، رأيها الاستشارى بشأن الآثار القانونية للسياسات والممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
الرأى، الذى قرأه رئيس المحكمة فى ساعة تقريبًا، جاء بعد خمسة أشهر من جلسات استماع، استمع خلالها الجهاز القضائى الرئيسى لمنظمة الأمم المتحدة إلى مرافعات أكثر من ٥٠ دولة، من بينها مصر، التى سبق أن أكدت، فى يوليو وأكتوبر ٢٠٢٣، عدم شرعية الممارسات الإسرائيلية الممنهجة ضد حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة وغير القابلة للتصرف، فى مذكرتين مكتوبتين، قدمتهما للمحكمة نفسها، ثم جاءت مرافعتها الشفهية، فى فبراير الماضى، لتنسف كل مزاعم الضرورة الأمنية أو العسكرية لجرائم دولة الاحتلال، وأكدت، بشكل واضح، مستفيض وفاضح، أن الاحتلال الإسرائيلى، الذى طال أمده، خالف قواعد لاهاى الخاصة بقانون وأعراف الحرب والمبادئ التى تحكم مشروعية استخدام القوة.
عناصر عديدة مهمة، وبديهية، أكدها رأى المحكمة الاستشارى، كان أبرزها عدم قانونية استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، لما يمثله من انتهاك لحق تقرير المصير للشعب الفلسطينى، ولمخالفته المادتين ٥٣ و٦٤ من اتفاقية جنيف، ومبدأ عدم جواز الاستيلاء على الإقليم الواقع تحت الاحتلال بالقوة. إضافة إلى مطالبة المحكمة بإنهاء هذا الاحتلال غير القانونى فى أقرب وقت ممكن، والوقف الفورى لأى نشاط استيطانى جديد، وإخلاء كل المستوطنات من الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار المادية والمعنوية الناتجة عن سياسات وممارسات دولة الاحتلال غير القانونية.
الكلام، كما ترى، جميل ومعقول، غير أن الأهم كان تأكيد المحكمة التزام كل الدول والمنظمات الدولية بعدم الاعتراف بالوضع الناتج عن وجود دولة الاحتلال الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وطالبت الجمعية العامة ومجلس الأمن بوضع التدابير اللازمة لإنهاء هذا الوجود الإسرائيلى. وعليه، رحبت مصر بما تضمنه رأى المحكمة، وطالبت فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، جميع الأطراف الدولية باحترامه وتنفيذه، والمساعدة فى تمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقه الشرعى فى تقرير مصيره، والعمل على إنهاء المعاناة الإنسانية التى يتعرض لها، مشددة على المسئولية الجماعية لكل الدول فى إنهاء تلك المعاناة، خاصة من خلال وقف الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، والعمل على إدخال المساعدات الإنسانية لمواجهة الكارثة الإنسانية المتفاقمة فى القطاع.
طالبت مصر، أيضًا، الأطراف الفاعلة والمؤثرة فى المجتمع الدولى بالتدخل لإلزام إسرائيل بالامتثال واحترام أحكام القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، مؤكدةً استمرارها فى بذل كل الجهود من أجل تمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وإحلال السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الأمم المتحدة أصدرت أكثر من ٨٠٠ قرار بشأن الصراع العربى الإسرائيلى أو الفلسطينى الإسرائيلى، وتم انتهاك تلك القرارات إسرائيليًا برعاية أمريكية. وعليه، نرى أنك تظلم المحكمتين الدوليتين «العدل والجنائية» لو انتظرت منهما دورًا أكبر، أو أداءً أفضل، من «مجلس الأمن»، الذى يعانى من شلل وظيفى، أو من «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، التى ثبت أنها مجرد مؤسسة رمزية.