رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وتركيا والتاريخ

العلاقات المصرية- التركية من أغرب العلاقات على مر التاريخ.. تماوجت كثيرًا ومرت بمراحل متناقضة بين الاندماج الكامل، إبان الاحتلال العثمانى إلى العداء وطرد السفراء مرتين.. ثم إلى استعادة العلاقات وتبادل المحبة والأمنيات الطيبة.
احتلت الإمبراطورية العثمانية مصر فى 1517م فى أعقاب الحرب العثمانية المملوكية «1516-1517»م، وكان السلطان طومان باى هو الضحية الأولى لهذا الغزو؛ إذ أُعدم وعلق رأسه على باب زويلة بعد هزيمته فى موقعة الريدانية أمام السلطان سليم الأول العثمانى، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت مصر ولاية عثمانية، طيلة 281 عامًا «1517- 1798».
ظلت مصر ولاية عثمانية حتى بدأ حكم محمد على، حيث تمتعت مصر فى عهده وباقى الولاة من أسرته بقدر من الاستقلال، وبعد الاحتلال البريطانى تحولت السيادة العثمانية إلى مجرد مسمى حتى عام ١٩١٤، عندما أعلنت بريطانيا الحماية على مصر وزوال الحكم العثمانى..
توطدت العلاقات المصرية التركية بعد ذلك فترة من الزمن إلى أن قامت مصر بطرد السفير التركى من القاهرة عام ١٩٥٤.
‏‎ففى الرابع من يناير 1954 أصدرت الحكومة المصرية قرارًا نص على رفع الحصانة الدبلوماسية عن فؤاد طوغاى، سفير تركيا فى القاهرة، واعتباره شخصًا عاديًا مع طرده من مصر وإبلاغ هذا القرار للحكومة التركية.
ونشرت جريدة «الأهرام»، فى عدد 5 يناير 1954، الخبر على صدر صفحتها الأولى تحت عنوان بالبنط العريض «طرد سفير تركيا من مصر، لحملاته المستمرة على سياسة قادة الثورة وتوجيهه ألفاظًا نابية لجمال عبدالناصر».
‏‎ففى مساء 2 يناير بمناسبة افتتاح وزارة الإرشاد لموسم دار الأوبرا دخل البكباشى جمال عبدالناصر فصافح سفير الهند، ثم أبصر السيد طوغاى فى أحد أركان الغرفة فحياه بكلمة هالو، ولكن السيد طوغاى بدلًا من أن يرد التحية وجه إلى البكباشى جمال بصوت عال عبارات، أقل ما توصف به، أنها لا يمكن أن تصدر من شخص مسئول، فضلًا عن ممثل دبلوماسى مفروض فيه الكياسة التامة فى الحديث وأول واجباته التزام الحدود.
وتابع خبر «الأهرام» سرد الوقائع «قال السيد طوغاى للبكباشى جمال عبدالناصر: إن تصرفاتكم ليست تصرفات جنتلمان، ولن تكون هناك أى صداقة بيننا وبينكم».
وتكرر أيضًا موضوع طرد السفير التركى من مصر عام ٢٠١٣، عندما أعلن المتحدث باسم الخارجية المصرية، السفير بدر عبدالعاطى سحب السفير المصرى من أنقرة نهائيًا، وتخفيض التمثيل الدبلوماسى مع تركيا، وطلب من السفير التركى فى القاهرة المغادرة بسرعة، باعتباره شخصًا غير مرغوب فيه من الحكومة المصرية، كما قررت مصر تخفيض التمثيل الدبلوماسى؛  ردًا على تصريحات رئيس الوزراء التركى آنذاك رجب طيب أردوغان، والتى تدخل فيها فى الشئون الداخلية المصرية دون وجه حق، وطالب فيها بإطلاق سراح الرئيس المصرى المعزول  مرسى، كما صرح بأن علامة «رابعة» أصبحت إشارة دولية للتنديد بالظلم على حد تعبيره.
كما قامت تركيا بعد ثورة ٣٠ يونيو وعزل محمد مرسى بفتح ذراعيها لكل المعارضين لمصر وتأسست عدة قنوات هدفها الأوحد الهجوم على مصر وقائدها، إلا أنه بعد المصالحة تم إبعاد كثير من المعارضين، وتم إيقاف معظم القنوات المعارضة لمصر ونظامها.
تدور الأيام ويصرح الرئيس السيسى بأن الرد على التصريحات التركية سيكون له أوانه ومكانه.. وبالفعل رأينا السياسات تتغير من الجانب التركى تمامًا ومن نفس الأشخاص، بل وتسعى جاهدة لكسب ود مصر واستعادة العلاقات الطيبة بين البلدين.. ورأينا الرئيس الجديد رجب طيب أردوغان بعد مصافحته الرئيس السيسى فى بطولة العالم لكرة القدم بدولة قطر يزور مصر ويلتقى الرئيس السيسى، الذى قبل بدوره دعوة أردوغان له لزيارة تركيا، وهو ما تم بالفعل مؤخرًا؛ لتنتشر صور تصافح وتعانق الرئيسين فى كل وكالات الأنباء العالمية لنبدأ عهدًا جديدًا من العلاقات المصرية التركية، قائمًا على الود والاحترام لمصلحة البلدين، خاصة وأن الترابط المصرى التركى هام جدًا فى الوقت الراهن، فى ضوء المشكلات الإقليمية وخصوصًا الحرب على غزة والوضع فى سوريا وليبيا والعراق وإثيوبيا.