مصر وتركيا.. اتِّفَاق لا شِقَاق
الذى يعرف السياسة يعرف تقلباتها جيدًا، أتحدث هنا عن العلاقات السياسية بين البلدان، والمهم أن يكون يعرف متى يجب أن يكون بعيدًا ومتى يجب أن يكون قريبًا، وكيف يكون بعيدًا بدون عقد تمكنه من الاقتراب فى الوقت المطلوب وكيف يكون قريبًا محافظًا على مسافة بينه وبين الآخر لا تجعله يفقد استقلاله الشخصى ولا تميز آراءه ولا قدرًا، ولو ضئيلًا، من ثقله الإقليمى والدولى.
العاديون لا يعرفون طبعًا، أعنى ملايين المواطنين الذين لا يملكون خبرات سياسية تؤهلهم للتعامل وفق حسابات دقيقة هكذا؛ ولذا قد تتطرف رؤى بعضهم بشأن ما بين بلادهم والبلاد الأخرى، لأنهم يعتبرون الخلاف بين البلاد أبديًا، أو لا بد أن يكون كذلك، فى حين أن السياسيين، لا سيما المحنكين، يعرفون حق المعرفة ما لهم وما عليهم فى هذا الإطار؛ ولذا تتسم رؤاهم بالعقل والاتزان، فكل خلاف قابل للأخذ والرد أيًا كان، وقابل للذوبان بتجديد الثقة وتقوية الأواصر، بالطريقة التى تحقق المصالح المشتركة وتردع الأخطار المحتملة!
الزيارة المصرية لتركيا هى الثانية، منذ 12 عامًا، على المستوى الرفيع الذى تجرى عليه الآن، دعوة من الرئيس التركى يلبيها الرئيس المصرى، تشهد الزيارة مباحثات معمقة بين الرئيسين، وتشهد أيضًا رئاستهما لمجلس التعاون الاستراتيجى بين مصر وتركيا، ولا ريب ستبحث الاجتماعات المنعقدة فى أنقرة كل ما من شأنه تعزيز صداقة البلدين وتعاونهما على كل الأصعدة، وسيدلى كل وفد بدلوه فى القضايا الإقليمية والدولية التى تهم الكيانين معًا، وعلى الرأس من ذلك محاولة الإسراع إلى تهدئة الشرق الأوسط، من خلال وقف إطلاق النار فى القطاع الغزى، وإنهاء المأساة الإنسانية المتفاقمة به.
بدأت العلاقات السياسية بين البلدين الكبيرين فى التحسن التدريجى منذ عام 2020، مع تبادل الزيارات بين مسئولين كبار، إلى أن بلغت القمة بزيارة كلًا من رأسى البلدين إلى البلد الثانى، والمؤكد أن صفاء الأجواء بين البلدين وتطور روابطهما، بما لهما من الاعتبار لدى الجميع، سينعكس خيره الوفير عليهما وعلى محيطهما كله.
لم يكن ممكنًا أن يحدث تقدم فى الأفق السياسى ويظل الاقتصاد راكدًا، إنما تقدم
الاقتصاد بتقدم السياسة طبعًا؛ زاد التبادى التجارى بين البلدين، وأحجام الصادرات والاستثمارات بينهما، وقيم تحويلات المصريين العاملين فى تركيا والعكس «يمكن الرجوع إلى الأرقام الموجودة والمثبتة، بالمواقع الإخبارية والمتخصصة، التى تقارن بين اقتصاديات اليوم واليوم السابق».
..
مصر وتركيا قوتان هائلتان بمنطقتهما الملتهبة والعالم كله، العالم الذى صار مضطربًا حاليًا، وهما يجاهدان لتحجيم اضطرابه وإرجاعه إلى الصواب الذى يفتح للناس أبواب الآمال الجديدة فى الحياة، بعد أن طغى اليأس والإحباط، ولم يعد لون إلا الأسود يلقى بظلاله على الأيام. بالأمس كانت تركيا عندنا واليوم نحن عندها، كلانا سيستمر، وعدونا خاسر وازدهارنا متوقع.