انتفاضة مصر الإفريقية مشروعة قانونًا وتاريخًا.. سلمية طريقًا وهدفًا
«أطماع صهيونية.. خطايا نظام مبارك.. انتفاضة مصر الإفريقية»
الدولة المصرية تجنح للأمن والسلام واحترام القوانين والنظم الدولية فى سياستها الخارجية. لا تفرط فى حقوق شعبها.. ولا تعتدى على أحد أو تتدخل فى نزاعات بينية بين الدول.. كانت هذه شخصيتها التاريخية عبر أكثر من اثنين وخمسين قرنًا من التاريخ المكتوب.. وفى فترات تاريخية قديمة كانت تملك القوة العسكرية القادرة على الاعتداء، لكن حسمت اختياراتِها حضارتُها ومجموعة القيم الأخلاقية والدينية التى صاغتها لنفسها، ففضلت السلام والعلاقات التجارية مع جيرانها، تلك العلاقات القائمة على احترام حقوق الآخرين. ومن وقتٍ لآخر عانت من محاولات البعض التنكر لتلك العلاقات أو محاولة الجور على حقوقها فردت بما توجبه متطلبات كل اختبار دون تفريطٍ أو خروجٍ عما اختارته لنفسها من سماتٍ سطرتها وثائق التاريخ.
وما تقوم به الآن من تحركات فى محيطها الإفريقى لم يخرج عن تلك السمات، فكل ما تقوم به مشروع تماما كدولة تنتمى لقارة إفريقية، ومتسق كليًا مع قوانين الشرعية الدولية. وكل فعلٍ تقوم به مصر جاء التزامًا بمقررات مؤسسات إفريقية أممية وتنفيذًا لتعاقدات ثنائية مشروعة بينها وبين بعض دول الجوار الإفريقى. هذا ما يجب أن يدركه المصريون المعاصرون، وما ينبغى أن يتسم به تعبيرهم عن أفكارهم عبر وسائل التواصل الإجتماعى التى تخضع دون شكٍ لتحليل دقيق من قبل قوى مُعادية متربصة بمصر.
«1»
أى دولة من دول العالم لها مساحة مشروعة من الوجود الاقتصادى والثقافى والعسكرى فى محيطها الجغرافى يطلق عليها إجمالًا مصطلح «الأمن القومى» الذى تصوغه الدولة عبر تجاربها التاريخية الممتدة وعبر ما يجد على الساحة الإقليمية الخاصة بها وأيضًا الساحة الدولية. ومصر دولة محورية فى العالم تشكل بوابة إفريقية الشمالية الشرقية وأيضًا بوابة قارة آسيا الغربية. وهى جزء جغرافى وسياسى من إقليم الشرق الأوسط وما يسمى بالعالم العربى. فلها كدولة – كما لغيرها من الدول – أن تحدد مساحة أمنها القومى بما يحفظ لها حقوقها ويدفع عنها مهددات هذا الأمن. لذلك فالوجود المصرى بمختلف صوره وأشكاله ومفرداته فى قارة إفريقية هو أمرٌ طبيعى جدًا. بل أزعم أنه أمرٌ وجوبى وجودى حتمى لا مفر منه، وهو من الأركان القائمة عليها الدولة المصرية منذ آلاف السنوات.
والحديث عن هذا الوجود الحتمى يثير لدى البعض – وأنا منهم – شجونًا كبرى يمكننى اختصارها فى هذه الفقرة التى أقتطعها من كتابى عن منطقة بحيرة ناصر والصادر صيف 2010م «لقد فطن حكام مصر دائمًا إلى ضرورة تأمين منابع النيل ومنهم محمد على باشا.. واتخذ الاستعمار البريطانى من مياه النيل أداة للضغط والمساومة، وكانت خطط تخزين مياه النيل الأزرق والأبيض فى السودان توضع تحت تصرف اللورد كتشنر شخصيًا.. لقد كان الوجود المصرى القوى فى إفريقيا هو الحافظ لحقوق مصر التاريخية فى مياه نهر النيل.. وبنت مصر شرعية دورها فى المرحلة الأولى من 1952 وحتى 1970 على دعم حركات التحرر الإفريقى وأوكلت إلى أحد رجالها – محمد فائق – القيام بهذا الدور. أما المرحلة الثانية التى تلت حرب أكتوبر فكانت امتدادًا ناجحا للمرحلة الأولى وشهدت تعيين وزير دولة للشئون الخارجية – بطرس غالى – كانت مهمته الأولى الملف الإفريقى.. ثم بدأ هذا الدور فى التراجع.. فقد كانت شركة النصر للتصدير والاستيراد تقوم بنشاط تجارى وصناعى كبير فى دول المنبع وكانت تقوم بدور مهم لتطوير العلاقات المصرية مع دول حوض النيل.. لكن تم تصفيتها فى مطلع الثمانينيات مما سبب فجوة كبيرة فى تلك العلاقات».
وفى طبعة محدثة من نفس الكتاب صدرت 2019 وبمتابعة ما قامت به مصر فى محاولة استدراك تلك الخطيئة الكبرى جاءت هذه الفقرة.. «انتبهت إدارة مصر الحالية لما وقع فيه السابقون من إهمال العلاقات المصرية الإفريقية وما ترتب على ذلك من تهديد لمصالح مصر المصيرية وترك الساحة الإفريقية لأعداء مصر التاريخيين للعبث بها ومحاولة تطويق مصر من الجنوب.. حيث قام الرئيس السيسى ووزير الخارجية المصرى سامح شكرى بمجهودات ضخمة وجولات مكوكية فى دول القارة وخاصة دول حوض النيل واستطاعت مصر بالفعل استعادة الكثير من دورها الإفريقى الطبيعى فى وقتٍ قصير جدًا..».
«2»
على الرغم من أن تعامل نظام مبارك فى ملف المياه - ومنذ انضمام مصر لمبادرة دول حوض النيل قبل عشر سنوات من خروج مبارك من الحكم - كان قويًا وطنيًا، ولم ترضخ الدولة المصرية لكل الضغوط لمحاولة إجبارها على تغيير اتفاقيات دول حوض النيل، لكن للرواية جوانب أخرى قاتمة تخص قضية أشمل وهى الوجود المصرى فى عمقها الإفريقى. إننى – ومن خلال ما هو متاح معلوماتيًا – أدين نظام مبارك بشكلٍ واضح وصريح وأتهمه بارتكاب خطيئة وطنية استراتيجية كبرى، ترتب عليها ما حدث بعد سقوطه، وتحديدًا فى السنوات الثلاث منذ تنحيه فبراير 2011م وحتى إعادة إحياء الدولة المصرية بعد انتخاب الرئيس السيسى بعد عام من ثورة يونيو وتحديدا يونيو 2014م.
فلدينا واقعة تاريخية هامة لم يتم الحديث عنها أو تبريرها أو شرح ملابساتها، وهى قيام مبارك فى بدايات سنوات حكمه باتخاذ قرار ترتب عليه الانسحاب أو التخفيف المخل جدًا بالوجود المصرى فى دول منابع النيل وهو قرار تصفية شركة النصر.
ولدينا خاصة فى السنوات الأخيرة من حكمه سياسة خارجية غلب عليها الاستخفاف بهذا الوجود ومن أهم ملامحها – حسبما ذكرت شخصيات دبلوماسية رسمية – تعيين سفراء فى هذه الدول من غير ذوى الخبرة الكافية بثقافات الدول الإفريقية، وتصدير فكرة فى منتهى السوء للدول الإفريقية - التى كانت تشعر بالامتنان لدولة مصر لما سبق من مواقفها فى عهدى ناصر والسادات – وهى عدم اكتراث مصر لتلك العلاقات مما جعل من هذه الدول صيدًا ثمينًا لتلك القوى المعادية لمصر كما سأوضح.
«3»
يؤيد هذا الاتهام ما ذكره بعض المختصين وقمتُ بنشره فى هذا الكتاب بنسخيته، فلدينا شخصيتان رسميتان - أحدهما هو السفير المصرى روبير إسكندر سفير مصر الأسبق فى إثيوبيا، والشخصية الأخرى دكتور بطرس غالى - قدمتا رؤيتهما الخاصة بملف العلاقات المصرية الإفريقية. ففى حوار مع د. بطرس غالى – قبل يناير 2011م - أشار إلى ما يجب أن تقوم به مصر فى سياستها الخارجية الإفريقية. ولقد أوردت ما ذكره تفصيلا ويمكن اختصاره فى «تعاون عسكرى وحضور شخصيات مصرية عسكرية بعض الاحتفالات بتلك الدول. مشروعات مشتركة فى المجالات التجارية والصناعية كالربط البرى وإقامة مشروعات كهربائية. الاهتمام بتعليم اللغات الإفريقية بين الدلوماسيين والخبراء المشتغلين بهذا الملف.. » وهذا هو ما تبنته إدارة السيسى حرفيًا بعد انتخابه مباشرة ورأينا ثماره مؤخرًا.
أما السفير روبير إسكندر فله حوار منشور 12 يناير 2016م بجريدة «المصرى اليوم» يذكر فيه ما يمكن اعتباره تسليطًا للضوء على خطايا تعامل نظام مبارك مع قصة الوجود المصرى فى إفريقيا.
لذلك وتوثيقًا لما حدث ولا يعرفه كثيرون أقول إن نظام مبارك قد ترك لمصر كارثة كبرى فى ملف من ملفات أمنها القومى، وقد تم استغلال ذلك بعد أيامٍ قليلة من تنحيه عن الحكم وتحديدًا 30 مارس 2011م فى مؤتمر إثيوبيا الصحفى الذى أعلنت فيه رسميًا عن المشروع بالاتفاق مع شركة سالينى الإيطالية. ولو لم يقم مبارك بخطوات الانسحاب المصرى من دول المنبع، فلقامت تلك الكوادر المصرية بدورها بعد سقوط نظام الحكم فى مصر سواء بوقف إثيوبيا أو على أقل تقدير بتعطيلها حتى استقرار مؤسسة الحكم فى مصر، أو لقامت باقى دول حوض النيل باتخاذ موقفٍ مساند لمصر، لكن الذى حدث أن الساحة كانت شبه خالية من القوى المصرية الفاعلة. ومن تمام توثيق التاريخ أن أقول إن السيسى قد ورث هذه الكارثة الكبرى، ومنذ بدء انتخابه شرع فى محاولة احتوائها مع المؤسسات المصرية المختلفة. والذى لا يدركه كثيرون أن مصر كان يلزمها القيام بخطوات على الأرض حتى تستعيد توازنها الإفريقى الذى استخف به الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك. وبمراجعة سلسلة زيارات السيسى الرسمية فى السنوات الأولى بعد توليه الحكم سيدرك السر خلف تلك الزيارات سواء لدول إفريقية، أو أوروبية مثل إيطاليا، أو دولة عظمى مثل الصين.
«4»
فى الظروف الطبيعية العادية، وكما أثبتت حوادث التاريخ، يكون الوجود المصرى فى دول عمقها الإفريقى طبيعيًا ومنطقيًا، ليس فقط من أجل مياه النيل، ولكن حفاظًا على مساحة أمنها القومى، ولسبب آخر أن انتماء مصر الجغرافى الإفريقى يمكنه ببساطة أن يكون بوابة مصر التجارية لتصدير المنتجات المصرية التى تحتاجها تلك الدول كما فعل دائمًا حكام مصر القدامى. لكن فى القرن العشرين خُلق عنصرٌ جديد جعل من هذا الوجود واجبًا حتميًا وجوديًا على كل من يتولى حكم مصر أن يدركه ويضعه كأولوية قصوى لا تقل فى خطورتها عن أولوية تأمين الحدود بشكلها التقليدى. هذا العنصر هو الدولة الصهيونية التى يعتقد بعضنا أن اهتمامها بإقامة علاقات مع دول إفريقية - قريبة من مساحة الأمن القومى المصرى أو تنتمى بشكل مباشر لدول حوض النيل - هو شأنٌ حديث جدًا بدأ مثلًا بعد انهيار دولة مبارك.
تفاجئنا وثائق التاريخ بأن أطماع الصهيونية فى ثروات إفريقيا بدأت حتى قبل قيام دولتها الاستعمارية. فقد قدم شمبرلين عضو حزب المحافظين البريطانى للحكومة مشروعًا لإنشاء وطن قومى يهودى فى أوغندا، ورغم تسميته بذلك فإن المنطقة المقترحة كانت تقع فى نطاق الأراضى الكينية لأهميتها الاستراتيجية لموقعها المتميز على المحيط الهندى. وبعد رفض المشروع قرر قادة الصهيونية تبنى خطة لاستعمار الكونغو عام 1903م بجانب فلسطين.
بعد قيام دولتهم 1948م تبنى ساستها التاريخيون مبدأ التغلغل فى القارة الإفريقية وخاصة دول حوض النيل. وعبّر عن ذلك بن جوريون قائلًا.. «إن الطريق للسلام فى المنطقة يمكن أن يتم بطريق غير مباشر بتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع شعوب إفريقيا.» ثم حدد بشكل واضح رؤيته «إن العلاقات مع إفريقية تحتل المرتبة الثانية فى علاقات إسرائيل مع العالم نظرًا لقرب موقعها الجغرافى ولما تكتنزه هذه القارة من مواد خام تحتاج إليها إسرائيل، ولما تتميز به من أسواق كبيرة تحتاجها لتصريف منتجاتها».
وبدأت بالفعل فى وضع هذه السياسة موضع التنفيذ بمجرد قيام الدولة. واستفادت من حقيقة أن نسبة 15% من المهاجرين إليها كانوا أفارقة. فمن خلالهم عملت أجهزتها المعلوماتية والأمنية على جمع معلومات تفصيلية عن كل دولة وظروفها الاقتصادية، وثقافتها، وخريطة صراعاتها القبلية، وعن هويات الشخصيات من ذوى القوة فى كل قبيلة وفى كل دولة، وأى العرقيات أكثر نفوذًا، وأى العرقيات يمكنها التعاون مع الدولة الصهيونية. وبدأت فى مرحلة مبكرة فى تقديم منح دراسية لعدد قليل للدراسة العسكرية فى إسرائيل.. قدمت نفسها للدول ذات الغالبية المسلمة أو المسيحية كدولة يدين أهلها بكتاب مقدس، وقدمت نفسها للدول الغارقة فى الصراعات القبلية كمصدر تسليح وهكذا.
تداخلت فى الصراعات العرقية فى كل دولة، فعلى سبيل المثال قدمت مساعدات قبائل التوتسى الحاكمة فى دول منطقة البحيرات الكبرى فى رواندا وبورندى وأوغندا تحت زعم أنها ذات أصول يهودية وهدفت لخلق دولة كبرى للتوتسى تسيطر من خلالها على منطقة البحيرات الكبرى. وساعدت نظام الباجندا فى أوغندا خاصة قوات عيدى أمين، وفى كينيا أقامت علاقات متميزة مع قبائل الكامبا والكيكويو اللتان تعتبران من أهم قبائل كينيا وأكثرها تميزًا اقتصاديًا وسياسيًا. وفى حالات وجود مشاعر عدائية لإسرائيل فقد كانت تساعد الجماعات الإثنية ذات الثقل السياسى خارج السلطة لنشر الفوضى وعدم الاستقرار فى تلك الدولة والمثال الأقوى هو مساعدتها لقبائل الدنكا منذ الخمسينيات خاصة فترة تولى عبود السلطة عام 1958م حيث دعمت متمردى جنوب السودان وقتها.
«5»
حددت إسرائيل أهدافها فى ملف علاقاتها الإفريقية فى بنود واضحة.. أولها الاقتراب من المجرى الملاحى للبحر الأحمر. محاولة استغلال ثروات إفريقية الطبيعية ككل القوى الاستعمارية. الالتفاف حول مصر من الجنوب طمعًا فى تحقيق حلمها القديم فى توصيل مياه النيل إليها. وهو الحلم الذى رفضه اللورد كرومر خوفًا من إغضاب الساسة المصريين وإشعال الموقف الشعبى فى بدء القرن العشرين «1903م» حيث يشير هرتزل إلى موافقة بريطانيا على منح إسرائيل مستعمرة يهودية تتمتع بالحكم الذاتى فى الزاوية الجنوبية الشرقية من البحر المتوسط فى سيناء وصحراء النقب، على أن يتم توصيل مياه النيل إلى الصحراء لاستصلاحها، لكن جاء رفض كرومر ليفشل الفكرة.
ومنذ ذلك الوقت لم تنس إسرائيل هذا الحلم، ومن وقتٍ لآخر كانت هناك مشاريع إسرائيلية رسمية مثل مشروع «اليشع كالى» 1974م لنقل 1% من مياه الميل لتزويد المستوطنات اليهودية فى النقب والضفة الغربية وقطاع غزة بواسطة أنابيب تمر أسفل قناة السويس يصل طولها 200كم من السويس وحتى حدود فلسطين.
ومشروع «شاؤول أرلوزوروف» عام 1977م الذى يشمل خطة شق قنوات من ترعة الإسماعيلية تمر تحت قناة السويس لدفع المياه العذبة لنقطة سحب رئيسية وبعدها يتم ضخ المياه لارتفاع عشرة أمتار نحو ساحل سيناء وعبر قوات فرعية إلى صحراء النقب. وإغراءً لمصر شمل المشروع 2مليار مترمكعب من المياه، تستغل مصرُ منها واحد ونصف مليار، وينقل الباقى إلى صحراء النقب.
ونظريًا كانت إسرائيل قريبة جدًا من تقنين حلمها هذا فيما يسمى باتفاقية عنتيبى الموقعة صيف 2010 بين دول حوض النيل دون مصر والسودان. وفيها جاء ملحق «المشاطأة» وهو منح الحق لأى دولة من دول حوض النيل أن تنقل جزءًا من مياهه لدولة مجاورة لها متشاركة معها فى شواطئ بحرية. أى أن مصر تنقل مياه النيل لإسرائيل. تم توقيع الاتفاقية كمرحلة أولى فى سبيل الوصول لوضعها موضع التنفيذ.
«6»
ثم كان مؤتمر باندونج 1955م نقطة فاصلة فى تاريخ سعى إسرائيل لهذه العلاقات مع دول إفريقية، فبعد رفض طلبها بأن تكون عضوًا فى المؤتمر ونجاح مصر فى إصدار قرارات عن المؤتمر تدين إسرائيل وتؤيد الحق الفلسطينى، فقد قررت إعادة تقييم استراتيجيتها تجاه القارة وبدء السعى بصورة أكثر لإقامة علاقات مباشرة مع دول القارة عن طريق التسلل لدولة دولة وإقامة مصالح تجارية أولًا قبل أن تتحول لعلاقات سياسية معلنة.. وفى الفترة الممتددة من هذا التاريخ وحتى عدوان 1967م نجحت إسرائيل بالفعل فى إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية واتفاقات عسكرية مع عدد من الدول بينها دول فى حوض النيل «كينيا. الكونغو. أوغندا. بوروندى. إثيوبيا. تنزانيا. رواندا». لكن هذه العلاقات كانت تقابلها مصر بوجود قوى أشبه ما يكون بالمواجهة أو المطاردة السياسية. وفى هذه الفترة تخرج بالفعل طلاب أفارقة من كليات عسكرية إسرائيلية. وأصبح لإسرائيل جماعات مصالح إفريقية.
جددت إسرائيل أهدافها الاستراتيجية فى تلك المرحلة وتلخصت أيضًا فى «التبادل التجارى. الوجود العسكرى القريب من سواحل البحر الأحمر. محاولة تطويق مصر جنوبا والضغط عليها فى ملف المياه».
بعد عدوان 67م قطعت بعض دول القارة علاقاتها مع إسرائيل مما يعد دليلًا قويًا على قوة حضور مصر الإفريقى وقتها، ومن هذه الدول «أوغندا. بوروندى. الكونغو. رواندا. تنزانيا. إثيوبيا. كينيا» فمصر قطعًا لا يمكنها أن تمنع دولة من إقامة علاقات ثنائية مع دولة أخرى، لكنها تستطيع أن تُضعف هذه العلاقات بما تقوم به من أنشطة مع الدولة الإفريقية أو ما يسمى بالمواجهة الدبلوماسية والاقتصادية.
قررت إسرائيل بعدها تركيز نشاطها على دول معينة خاصة مع إثيوبيا التى كانت وقتها تطل على البحر الأحمر قبل استقلال إريتريا. كانت سنوات ما بعد عدوان يونيو هى أسوأ سنوات إسرائيل فى علاقاتها الإفريقية وألغت دول إفريقية تعاقدات صناعية وتجارية بالفعل معها بعد فشل إسرائيل فى تنفيذ بعض المشاريع مثل مطار أكرا عاصمة غانا الذى تم بناؤه مرتين من قبل شركات إسرائيلية لسوء التنفيذ وساعدت سياسة التقارب العربى الإفريقى التى انتهجها عبد الناصر فى إبعاد إسرائيل عن بعض الدول الإفريقية، بينما بقيت علاقاتها مع إثيوبيا والكونغو وكينيا.
«7»
بعد توقيع اتفاقية السلام تغيرت السياسات الدولية فى المنطقة تمامًا، وأعادت دول إفريقية علاقاتها مع إسرائيل. وهنا يجب توضيح نقطة بالغة الأهمية، حيث يروق للبعض توجيه الاتهامات للدولة المصرية نتيجة توقيع هذه الاتفاقية، ويعتبرون أن الاتفاقية مسئولة عن عودة النفوذ الإسرائيلى المتمثل فى العلاقات التجارية والعسكرية مع دول إفريقيا التى كانت قد قطعت علاقاتها مع إسرائيل بعد عدوان يونيو. وهذه رؤية غريبة تمامًا تعتمد على افتراض أن تبقى مصر دائمًا فى حالة حرب ومواجهة أو هزيمة أو أن يبقى جزء من أرضها تحت الاحتلال كضمان لاستمرار تعاطف الدول الإفريقية ومنع عودة هذه العلاقات الإسرائيلية الإفريقية. هذه فرضية عبثية، لأن كل حرب لا بد أن تصل لنقطة اتفاق أو تفاهامات سياسية أو هدنة أو تعايش، ولأن مصر بعد استعادة أرضها كان أمامها تحديات اقتصادية كبرى وواجبات تجاه مواطنيها.
لكن ما يتجاهله أو يجهله أصحاب هذه الرؤية هو أن للسلام استراتجيته وخططه لضمان استمرار الحفاظ على حقوق الدولة ومصالحها، كما للحرب استراتيجيتها أثناء المواجهة العسكرية. بمعنى أن توقيع اتفاقية سلام لم يكن يعنى أن يتبع ذلك أن تنسحب مصر من محيطها الإفريقى، أو أن يعتقد ساسُتها أن صراعها مع الكيان قد انتهى بوضع نهاية للمواجهات العسكرية، ففى مرحلة ما قبل يونيو أقامت إسرائيل علاقاتها مع دول إفريقية بالفعل، وكانت مصر حاضرة بقوة ودافعت عن مصالح مصر، وظهر هذا الحضور فى موقف نفس هذه الدول بعد عدوان يونيو حين قطع معظمها علاقاتها مع الكيان الصهيونى.
كان هذا هو المفترض أن يحدث بعد توقيع اتفاقية السلام. أن يكون لدى الإدارة المصرية الخطة السياسية البديلة لحالة الحرب.. خطة استراتيجية السلام فى القارة الإفريقية بما يحافظ على المصالح المصرية القومية الكبرى التى لا تتغير بمجرد الانتقال من حالة مواجهة الكيان عسكريا إلى حالة توقيع اتفاقية سلام معه، ببساطة لأن الكيان لم يقم – نتيجة هذه الاتفاقية – بتغيير خططه فى التغلغل إفريقيا، بل على العكس فقد استغل الحدث أحسن استغلالٍ ممكن فسارع بتدشين علاقات علنية مع كثير من دول القارة وانتقل رجال أعماله وخبراؤه بصورة مكثفة للعمل فى هذه الدول.
فماذا فعلت مصر فى الثمانينيات والتسعينيات فى مواجهة هذا النشاط الصهيونى المكثف؟.
مرة أخرى نعود لنقطة سياسية مصر فيما بعد توقيع هذه الاتفاقية أو بمعنى أوضح فى عهد مبارك. توقيع اتفاقيات دولية بهذه الخطورة يلزم معه دراسة كل الآثار السياسية المترتبة عليها، ومن ذلك موقف الدول الإفريقية – التى لم تعد ترى سببًا لاستمرار مقاطعتها للكيان - والدولة المصرية كانت تعلم يقينًا مدى شراهة الكيان لالتهام خيرات هذه الدول والسيطرة على قراراتها السياسية وأيضًا استغلال بعضها فى جولات الصراع المستمرة ضد مصر. لكن مما يعلمه الباحثون وقاموا بنشره عن سياسة مصر فى عقود الثمانينيات والتسعينيات، يبدو أن الدولة المصرية لم تقم بما كان يتوجب عليها القيام به، وهذه هى كلمة السر الكبرى فيما واجهته مصر بعد تنحى مبارك عن الحكم فيما يخص أزمة المياه كمثال صارخ على تراجع الوجود المصرى فى إفريقيا عما كان سابقا فى العقود منذ قيام دولة الكيان وحتى توقيع اتفاقية السلام. قرار السلام برىءٌ تماما من هذا الاتهام غير المنطقى. إنما ما تبعه من توجه للدبلوماسية المصرية – تنفيذًا لتوجه سياسى - أو النشاط المصرى العسكرى والتجارى والثقافى فى دول العمق الإفريقى هو المسئول تمامًا.
ويمكننا بسهولة مقارنة موقفين، الأول هو ما بعد عدوان يونيو وقيام الدول الإفريقية بمساندة الدولة المصرية رسميًا نتيجة أداء مصر السياسى السابق للعدوان، والموقف الآخر ما حدث بعد أحداث يناير 2011م وتعامل دولة إفريقية مع أخطر قضايا مصر بمنطق انتهازى سياسى خالص، ثم ما حدث بعد ثورة يونيو وموقف أفريقية وانضمامها لأبواق القوى الاستعمارية التى أرادات إجهاض إرادة المصريين. وأى مقارنة عادلة سوف تضع الحقيقة كاملة أمام من يريد أن يعرفها.
«8»
إن بعض المشاهد والأخبار التى تابعناها بعد تنحى مبارك، وأشهرها خبر وصور «برطعة» مجموعة من وزراء الكيان بصحبة رجال أعمال يهود كبار فى بعض دول حوض النيل وتوقيع اتفاقيات شراكة زراعية وتجارية لم يكن بمنطق إن مصر قد سقطت، فهيا الآن لنحصل على ما نستطيع الحصول عليه. لكن هذه المشاهد كانت تتويجًا لسياسات استمرت خلال العقود الماضية وتحديدًا منذ نصر أكتوبر ثم توقيع اتفاقية السلام وما ذكرته عن كلٍ من الأداء المصرى المتراجع فى مقابلة الأداء الصهيونى. لقد كان بالفعل لإسرائيل مصالح تجارية وشراكات صناعية وزراعية وعسكرية فى بعض دول حوض النيل، وغالبيتها تم تدشينها فى عقدى الثمانينيات والتسعينيات. فى الوقت الذى انكبت فيه مصر وانغمست سياسيًا فى ملهاة الشرق الأوسط.. وفى نفس الوقت الذى كان المصريون يتمايلون طربًا لأغنية شعبان عبدالرحيم الذى يتغزل فيها فى وزير الخارجية المخضرم. كنا غارقين فى هذا المشهد العبثى وخصصنا له غالبية دبلوماسيينا الكبار من ذوى الخبرة والقدرة، بينما تركنا عمقنا الإفريقى شبه خالٍ ترتع فيه الذئاب.
إن أكبر انتصارات القوى المعادية لمصر فى ملف أزمة المياه قد حققته فى العامين اللذين انشغلت فيهما مصر فى تخليص نفسها من براثن جماعة الإخوان. وإن إنهاك مصر فى الأعوام الأولى من حكم السيسى اقتصاديًا ومخابراتيًا وعسكريًا فى حرب سيناء ضد ميليشيات الجماعة قد أجهض كثيرًا من جهد مصر فى محاولة إدراك ما خسرته مصر إفريقيا. إننى أكره جماعة الإخوان كراهية شديدة، ليس فقط لأنها جماعة شبت منذ نشأتها وطعمت وأطعمت رجالها ونساءها وأطفالها من حرام خيانة البلاد رسميا وبشكلٍ معلن ومارست الخيانة طوال العقود السابقة ولم تترك أى لحظة محنة مصرية دون أن تمارس أحط سلوك الخيانة ولم تخجل من توثيق ذلك، وليس فقط لأنها جماعة إفك فكرى وامتطاء لأسمى ما أودعه الله على الأرض وهو رسالاته السماوية، ولكن أيضًا ولسبب ثالث أدركتُه وهو يحدث يوما بيوم، وهو أنها كانت فى الفترة من 2011م وحتى 2018 تتخندق فى خندقٍ واحد مع قوى تحارب مصر فى أخطر ملفات الحياة والأمن القومى وهو ملف النيل. فى العامين من 2011م وحتى وصولها للحكم أنهكت أجهزة مصر وشغلتها وهيأت الظروف كاملة لتلك القوى لتحقق على الأرض ما عجزت عن تحقيقه فى وجود الدولة المصرية حتى فى أوهن حالاتها. وفى ذروة انشغال مصر فى حرب تحرير أرضها من ميليشيات الجماعة كان على مصر أيضًا أن تخوض مواجهة ضد الدولة الإفريقية المستخدمة، لكن مصر خاضت المواجهة وهى متأخرة جولة كاملة. ولن أنسَ ما حييتُ ذروة مشهد الخيانة.. مؤتمر محمد مرسى على الهواء مباشرة.. رئيس دولة يخون بلاده ويذيع خيانته على الهواء مباشرة. ولأن دماءهم وعقولهم وأوراحهم ملوثة بفيروس الخيانة منذ إرضاع الجماعة الحرام لهم، فهم حتى وإن وصلوا لحكم البلاد فلا يأنفون من ممارستهالا وعلى أعلى مستويات القيادة.
كما أكره نظام مبارك كراهية مماثلة لما قرأته وتابعته مما اقترفه فى حق مصر فى الملف الإفريقى، ونظام مبارك وجماعة الإخوان – من وجهة نظر معلوماتية خالصة – شريكان فى أخطر ما واجهته مصر عبر تاريخها فيما يخص نهر النيل بعد تنحيه عن الحكم.
وأدين كثيرًا من الوجوه التى قدم أصحابُها أنفسهم للمصريين قبل يناير 2011م على أنهم من نخبة مصر السياسية والمثقفة.. وحين وُضِعوا موضع الاختبار العملى الحقيقى ثبت تهافتهم معلوماتيًا وسياسيًا وعدم جدارتهم بأن يتبوأوا الصفوف الأولى فى أى مشهدٍ عام.. وأقصد هؤلاء الذين كونوا ما يسمى بوفد الدبلوماسية الشعبية وتوجهوا لزيارة تلك الدولة وهم لم يستعدوا ويتسلحوا حتى بالحد الأدنى من ملعومات الملف الذى قرروا التصدى له. لم يقرأوا تاريخ الأزمة ولم يقرأوا موقف مصر القانونى والتاريخى المشروع، لأنهم لو قرأوا لما وقفوا هذا الموقف.. أدانوا دولتهم وسياستها فى ملف السد، وربما يكون أداء مبارك فى هذه النقطة تحديدًا هو أصوب ما فعل فى القضايا الإفريقية كما أوضحت.. صمتوا ورئيس وزراء الدولة المارقة يسخر مما يحدث فى مصر ويطمئن هلعهم بأنه حين يكون فى مصر رئيس منتخب فسوف أتفاوض معه على طريقة مشهد الفيلم الشهير.. لما أحب أخاطب المصريين أكلم مين؟. تحدثوا نيابة عن وطن هم أقل كثيرًا جدًا من تمثيله، لأن كل واحدٍ من الثلاثة الكبار فيهم كان له أهدافه الشخصية.. رجل أعمال وسياحة قرر فجأة ارتداء ثوب السياسى بصورة هزلية لا ترقى لما كانت مصر تواجهه، وسياسى عاطل يتحرق شوقًا ليتبوأ أى منصب وهو خاوٍ تماما من أى قدرات حتى على إدارة فرن خبز بلدى مع كامل الاحترام لكل من يعمل بهذه المهنة الشريفة.. وأستاذ أكاديمى كنت أتمنى لو نأى بنفسه عما لا يستطيع فعله ويحتفظ بوقاره الأكاديمى وقاوم شهوة ممارسة السياسة وبريق الأضواء.. بعد سنوات قدم هذا الأستاذ الأكاديمى اعتذارًا منشورًا عن المشهد كشف فيه كم كانوا صغارًا.. لكنه اعتذارٌ غير مقبول ومردود على صاحبه.
«9»
هذه هى التركة الملتهبة التى ورثها السيسى حين تصدى للمشهد وهو يدرك جيدًا ما وراء هذا المشهد. أدركه بشكلٍ حقيقى واقعى دون الغرق فى الأوهام، وأيضًا دون اليأس من محاولة إدراك ما خسرته مصر. وهذا هو معنى كلمة الرئيس أنه كان يدرس معنى كلمة دولة لعقودٍ طويلة. حين تولى السيسى حكم مصر اعتقد كثيرٌ من المصريين أن أزمة مصر فقط فى الخلاص من جماعة الإفك والدم وإدراك الاقتصاد قبل أن ينهار، لكن الرجل كان يدرك أن مأساتنا أكبر وأعمق من هذا بكثير. فلكى ننتقل من شبه الدولة إلى دولة أو إلى مصر تحديدا وبالحد الأدنى من مقوماتها التاريخية، كانت تنتظره كتل كبرى من اللهب والجمر، وإحداها كانت محنة مصر الإفريقية التى تركها لنا نظام مبارك.
وكان هذا الإدراك هو محرك سياسة مصر الخارجية منذ الأيام الأولى من أول ولاية للرئيس السيسى. بدأت جولاته المكوكية فى دول لم تطأها أقدام رئيس مصرى منذ عصر عبد الناصر. وزارة الخارجية المصرية صوبت خطايا السابقين بأن تولى وزير الخارجية المخضرم سامح شكرى ملف العلاقات المصرية الإفريقية. نجحت مصر فى غضون سنوات قليلة فى تصويب المشهد السياسى فتحول موقف المؤسسات الإفريقية من مطالبات بفرض عقوبات على مصر بعد ثورة يونيو مباشرة ونقل مقرات إفريقية خارج مصر، إلى ترؤس مصر لفعاليات رئاسية إفريقية، وصولًا إلى توقيع اتفاقيات تبادل تجارية وعسكرية لم يرَ المصريون أثرها إلا مؤخرًا جدًا، بينما يعرفها تمامًا كل المتابعين والباحثين.
علينا أن ندرك أن تحركات مصر أو انتفاضة مصر الإفريقية الحالية هى ليست إلا تصويبًا لأخطاء وخطايا سابقة، وأنها انتفاضة مشروعة بحق الجغرافيا لانتماء مصر الجغرافى، وبحق التاريخ المكتوب، وأخيرًا بحق شريان المياه والحياة الذى لن تتنازل مصر قطعًا عن حقها فيه لأنه الحق فى الحياة. هى انتفاضة مشروعة وسلمية تمامًا. مصر تتحرك طبقًا للقوانين الدولية. وعلينا أيضًا أن ندرك أن ما قامت به مصر من جهدٍ فى السنوات القليلة الماضية لا يتعاطى فقط مع قضية واحدة بذاتها أو قضية المياه، وأنه بالوصول لنقطة توافق حول هذه النقطة تنتفى الحاجة إلى هذه التحركات. فالوجود المصرى والتفاعل المصرى فى دول القارة وخاصة دول حوض النيل ينبغى أن يكون أحد أركان السياسة المصرية الخارجية الدائمة. هناك طرف آخر قام بالفعل باستغلال تراجعنا فى عقودٍ بعينها، ولا نريد أن نكرر أخطاءنا مرة أخرى. علينا أن ندرس تاريخنا الإفريقى جيدًا وأن نسلح به كل من يتولى موقعًا أو منصبًا دبلوماسيًا مصريًا فى دولة إفريقية. ربما تكون هذه فرصة مناسبة لبدء تاريخ مصرى جديد يتناسب مع طموحات الدولة المصرية ويحمى أمنها القومى لعقودٍ أو قرونٍ قادمة وأتمنى ألا تضيع هذه الفرصة من أيدينا فربما يكون من الصعب تكرارها فى ظل ما تتعرض له مصر من مؤامرات وتهديدات من حدودها الأربعة. كلمة نهاية لوجه الحق والحقيقة.. على المصريين أن يدركوا أن هذا الرجل ستتم محاربته فى الفترة المقبلة بشكلٍ هستيرى من خونة الجماعة بالداخل بالتزامن مع القوى الخارجية التى أزعجها بالفعل هذه الانتفاضة المصرية الإفريقية الحالية. هى ليست حربه الخاصة، لكنها حربنا نحن.. حرب مصر.. على نخبتنا الحقيقية توعية المصريين بحقائق القصة ليدركوا ما نواجهه الآن تحديدًا. هذه التحركات وهذه الانتفاضة ليست رفاهية أو طموح قيادى شخصى، لكنها مفردة من مفردات وجود الدولة المصرية ذاتها!