هل هو بالفعل تطوير للتعليم؟!
أبدأ بهذا الموقف، رغم أنه قد يبدو ظاهريًا بعيدًا عن الموضوع الذى أكتب عنه، وهو تطوير التعليم.. والقرارات الأخيرة.
أما الموقف الذى أقصده، فقد حدث خلال اتصال هاتفى تلقيته، قبل خمس سنوات، من عميدة كلية الألسن، تشجع قرارى وقرار ابنتى بأن نسقت للدراسة بالكلية فى جامعة عين شمس بدلًا من أن تذهب لكلية الإعلام. وقالت لى إنها من الممكن أن تدرس اللغات فى الألسن ثم تتخصص مثلى فى الإعلام بعد التخرج. وأخذت العميدة فى سرد قائمة محدودة جدًا من الإعلاميين خريجى كلية الألسن، وأتذكر أن تامر أمين كان على رأسهم. الآن فى منشورات خريجى الكلية وطلابها يتجنبون تامر ويتبرأون من زمالته، كما أن الغالبية العظمى من الإعلاميين يرفضون ما قاله عن عدم جدوى دراسة المواد الأدبية أو اللغات. صدى ما قاله تامر واستنكاره، تجاوز المحلية وصار مادة للتقارير فى المواقع والفضائيات الدولية. والمشكلة أن ما قاله تامر، وأعتقد أنه جاء بالمصادفة البحتة، قد سبق قرارات وزير التعليم حول تطوير أو تخفيف المناهج بأيام معدودة، والتى كانت ضمنها التقليل من قدر اللغة الأجنبية الثانية والفلسفة وعلم النفس والجيولوجيا.
أعتقد أن الحكومة أخطأت فى ترويجها لخططها مثلما أخطأ تامر، تمامًا. ولقد انشغلت كغيرى من المصريين بالقرارات. ورغم مرور أسبوعين على هذه الحالة، ما زلت مترددًا بقبولها أو رفضها: هل ما يجرى تطوير وتحسين حقيقى واستلهام لتجارب دول متقدمة علميًا.. والهدف الأساسى هو التخفيف على الأسر المصرية، أم أنه كما تقول دعايات وسائل التواصل الاجتماعى وكثير من الخبراء والمدرسين المتعطلين المتضررين من القرارات، إنها قرارات متسرعة وغير مدروسة، وإن الحكومة استهدفت بها القفز فوق أزماتها المزمنة وخاصة عجز المدرسين وكثافات الفصول، ولذلك اختزلت المواد بالحذف أو الدمج.. مع تغيير مواصفات الأسبوع الدراسى؟
على كُلٍ، فإننى أتوقع جوانب إيجابية فى القرارات.. قد تتضح خلال الفترة المقبلة. والمشكلة الأكبر أن الجهاز الدعائى الحكومى لم ينجح فى كسب الرأى العام لصفه فى التمهيد لعملية التطوير، كما أن بقية مؤسسات الدولة الفاعلة، خاصة البرلمان والمجتمع المدنى والإعلام الرسمى والمستقل، قد فوجئت جميعًا بالقرارات.. ولذلك لم تقف فى ظهر الحكومة. وبعد ذلك طُلب من بعضها الدخول للمساندة دون أن تتسلح بالمعلومات والحجج المقنعة. هناك خطأ إجرائى فى قضية تطوير التعليم. لنعترف بذلك. ومن ناحية المبدأ، فإن تخفيف الحمل الدراسى على الطلبة والتركيز على المحتوى وكفاءة تدريسه عملية حيوية وضرورية. ولكن لا بد من العمل على استدامة التطوير وألا يكون مرتبطًا بتغيير وزارى، فتصبح سياسة وزير بعينه، وتنتهى أو تتبدل مع قدوم حكومة جديدة ووزير آخر للتعليم. وهنا يأتى أهم اقتراح سمعته هذا الأسبوع حول أهمية وجود مجلس أعلى للتعليم، وهو الذى أكدت عليه رؤية التعليم ٢٠٣٠ ليكون ضامنًا لاستدامة التطوير بنهج علمى ومتابعًا لمؤشرات متفق عليها لمعايير نجاح أى نظام. على أن يتبع هذا المجلس الأعلى والدائم لرئيس الجمهورية، ويختص أساسًا بوضع السياسات التعليمية ومتابعتها. وأعتقد مخلصًا أنه لو تم ذلك، فسنتجنب الكثير من المشاكل والأزمات والثغرات. استمعت أيضًا لبعض التحليلات الفنية والمعلومات المهمة حول التسرع والاستعجال لإصدار القرارات. المساحة الزمنية للمناقشات كانت قصيرة جدًا، لم تسبقها حوارات مجتمعية. سألت خبراء يتمتعون بالثقة، ووزراء سابقين للتعليم وقيادات حزبية عما إذا كانوا قد تمت الاستعانة برؤيتهم قبل اعتماد هذه القرارات فنفوا ذلك. قيل لى إنه حتى النخبة فى المجتمع التعليمى الذين تثق فيهم القيادة العليا، مثل الدكتور حسام بدراوى، وهو المسئول الذى أصدر رؤية مصر ٢٠٣٠، وأيضًا، مستشار الحوار الوطنى لرؤية التعليم، لم يُدع لحوار يسبق هذه القرارات. ولم يشترك فى صياغة رؤية الوزارة.
وعندما سألت بعض الخبراء حول عدم عرض القرارات على البرلمان، فقيل لى إنها لم تتضمن تعديلات حيوية، وإنها من سلطة الوزير المسئول، لكن المؤكد أن التعديل الحقيقى للثانوية العامة قد انطلق من بداية المرحلة الإعدادية.. وأمامه مسافة حتى يصل للتنفيذ الفعلى، وهذا هو ما يستوجب تدخل البرلمان للحصول على موافقته. بقيت الإشارة هنا إلى أن هناك حالة من الارتباك الواضح. ما قاله الوزير فى مجلس الوزراء مختلف عما شرحه بعد ذلك.. حتى محررو التعليم المخضرمون، عندما نسألهم عن مصير الجيولوجيا وعلم النفس والحاسب الآلى، على سبيل المثال، يقولون إنهم ينتظرون توضيحات أكثر من الوزير. الارتباك كذلك طال أيام الدراسة، فالوزير أوضح أن الدراسة يوم السبت ستكون اختيارية، حسب الكثافات. وهناك مديريات مثل دمياط وشمال سيناء وجنوب سيناء والوادى الجديد، دون كثافات، لكنه أعادها فى كل المحافظات. وهناك عبء جديد على الأهالى، انتقل من الثانوية العامة للمرحلة الابتدائية، خاصة مع إقرار امتحانات نهاية العام للصف الثالث الابتدائى، وزيادة درجات أعمال السنة فى المرحلة الابتدائية. وهذا من شأنه أن يشجع الدروس الخصوصية فى هذه السن المبكرة