رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفاوضات منع اندلاع الحرب الإقليمية

يمكننا التأكيد على أن المفاوضات الجارية الآن بين حماس وإسرائيل، هى مفاوضات لمنع اندلاع حرب إقليمية، قد يدخل فيها لاعبون جدد، وليست من أجل وقف إطلاق النار فى قطاع غزة والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين فقط، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلى، يوآف جالانت، بقوله إن «المداولات حول الصفقة لها أهمية واسعة، وتتجاوز حتى مسألة شروط عودة الرهائن، وتمتد إلى احتمال الانزلاق إلى حرب إقليمية»، مؤكدًا أن «إسرائيل تقف على مفترق طرق استراتيجى.. وفى حال لم يكن هناك اتفاق، فهناك خطر متزايد من التصعيد العسكرى، ما يؤدى فى النهاية إلى حرب إقليمية لا يمكن وقفها، تشمل حزب الله وإيران، وبالتالى فإن المسئولية على كيفية سير المفاوضات، يجب أن تقع على عاتق مجلس الوزراء بكامل هيئته»، لذلك، فإن جالانت يطالب نتنياهو بإجراء المناقشات بحضور كل أعضاء الحكومة، «بسبب التداعيات المحتملة»، لكن نتنياهو لم يوافق حتى الآن!
وقد حذّر وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، الذى وصل إسرائيل، أمس، فى زيارته التاسعة، منذ اندلاع الحرب فى قطاع غزة، فى السابع من أكتوبر الماضى»، حيث التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو من أن المفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار فى قطاع غزة «قد تكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق وإعادة الأسرى الإسرائيليين.. وفى لقاء مع رئيس الاحتلال الإسرائيلى، إسحاق هرتسوج، فى تل أبيب، أكد بلينكن أن «هذه لحظة حاسمة والفرصة الأفضل» من أجل عقد اتفاق، مضيفًا أن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، «أرسله إلى المنطقة من أجل إيصال الاتفاق إلى خواتيمه، لا بل أبعد من ذلك»، فى إشارة إلى توجه أمريكى بإنهاء الحرب، والحديث عن اليوم التالى لها، خصوصًا أن بايدن أعلن أنه «ما زال هناك أمل للوصول إلى اتفاق»!.. وقد ذكرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أن بلينكن وجه خلال حديثه «رسالة حادةً»، على حد وصفها، إلى إسرائيل، مفادها أن «الوقت قد حان ليقول الجميع نعم، وألا يبحثوا عن مبررات لقول لا»، فى الوقت التى تعمل فيه واشنطن «للتأكد من عدم حصول أى تصعيد أو استفزازات أو أعمال، يمكن أن تبعد إنجاز هذا الاتفاق، أو تؤدى إلى تصعيد الحرب وتوسعها إلى أماكن أخرى».
ولا تزال إدارة بايدن تتوقع أن تستأنف فرق التفاوض المحادثات فى وقت لاحق من هذا الأسبوع، على الرغم من الانتقادات الحادة لاقتراح وقف إطلاق النار الأمريكى من قبل حماس، والموقف العام المتشدد لنتنياهو، الذى فرض شروطًا جديدة تعوّق التوصل إلى اتفاق، بينما يؤكد هرتسوج أن الإسرائيليين «يريدون عودة الأسرى من قطاع غزة فى أسرع وقت ممكن».. وقد علَّق زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، على تصريحات بلينكن، بقوله إن «هذه قد تكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق»، إن ذلك بمنزلة نداء لنتنياهو، (لا تضيع هذه الفرصة، فقد تخليت عن الأسرى، ومن واجبكم إعادتهم).
إضافةً إلى ذلك، هاجم وزير الأمن الإسرائيلى الأسبق، موشيه يعلون، نتنياهو ووزير الأمن القومى الإسرائيلى، إيتمار بن جفير، ووزير المالية، بتسليئيل سموتريتش، بسبب رفض عقد اتفاق وقف إطلاق النار، قائلًا، إن رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، يحيى السنوار، والولايات المتحدة «يريدان وقف إطلاق النار.. نحن فقط لا نريد ذلك، ونريد النصر المطلق.. مع أن تحقيق النصر المطلق وهم لا يمكن تصديقه.. والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار فى غزة، يعنى الأمر نفسه فى الشمال مع حزب الله)، مذكرًا بما قاله الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، مرارًا بهذا الشأن، وقد أثبت الحزب ذلك فى السابق، خلال الهدنة التى تم عقدها فى نوفمبر الماضى، التى صوّت بن جفير وسموتريتش ضدّها، واشترطا أن تكون مدتها عشرة أيام فقط، «السكان فى الشمال والجنوب لن يعودوا إلى منازلهم، إلا فى حال قبول هذه الحكومة العمل بالمقترح الأمريكى».
ادّعى نتنياهو المرونة فى المفاوضات بهدف «طمأنة الأمريكيين والرأى العام وكسب الوقت، بينما لا يملك الأسرى فى قطاع غزة مزيدًا من الوقت»، لكن محلل الشئون العسكرية، فى صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئل، أكد أن التسريبات حول «التفاؤل الحذر تهدف إلى الإقناع بأنّ كل الخيارات لا تزال مفتوحة.. هذا الأمر يطمئن الأمريكيين، وربما يكبح الاحتجاجات ضدّ نتنياهو، ويتيح له كسب الوقت».. ويرى عاموس، أنّ إحدى أهم الأوراق الأساسية فى يد بايدن «هى خوف نتنياهو من أن يلومه الرئيس علنًا على فشل المحادثات»، وهو ما لم يحدث منذ بداية الحرب، خصوصًا أن «الكثير من الصراعات التى يخوضها نتنياهو، هى فى الأساس معارك مماطلة، وهدفها أن تضمن له مساحة أكبر للمناورة والمزيد من الوقت، على أمل أن تظهر له خيارات أفضل». 
وقد جدّدت حركة حماس، مساء الأحد، التزامها بما وافقت عليه فى الثانى من يوليو الماضى، المبنى على ما أعلنه الرئيس الأمريكى وقرار مجلس الأمن، حاثةً الوسطاء على تحمل مسئولياتهم وإلزام الاحتلال بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.. كما حمّلت رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، «كامل المسئولية عن إفشال جهود الوسطاء، وتعطيل التوصل إلى اتفاق».. كذلك، حمّلته المسئولية الكاملة عن حياة الأسرى الإسرائيليين، الذين يتعرّضون للخطر نفسه الذى يتعرّض له الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، جرّاء مواصلة العدوان والاستهداف الممنهج لكل مظاهر الحياة فى القطاع.
إذًا، أين نقف الآن، وينتظر العالم، فيما يخص هذه المفاوضات؟
يشير المحللون إلى أن هناك «تباينًا فى الأهداف»، بين رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ورئيس حركة حماس، يحيى السنوار، حيث يسعى كل منهما لتحقيق أهداف مختلفة من الصفقة، وهو ما يشكل «جوهر النقاط الخلافية» بين الطرفين.. يسعى نتنياهو إلى التوصل إلى «صفقة غير مشروطة»، ويؤكد عدم قبول أى شروط قد تعتبر هزيمة لإسرائيل فى حربها ضد غزة.. ولذا، فإن «النقاط الخلافية» فى المفاوضات بين الجانبين، تشمل عدة قضايا رئيسية، من أبرزها موقف القوات الإسرائيلية من البقاء فى قطاع غزة بعد انتهاء القتال، خصوصًا على الحدود مع مصر، بالإضافة إلى عمليات التفتيش التى تجريها إسرائيل على الأشخاص المتجهين من جنوب غزة إلى شمالها، التى تعتبرها إسرائيل ضرورية لمنع تسلل المسلحين إلى الشمال.. ومن جهة أخرى، تسعى حماس إلى أن يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار إنهاء الحرب بشكل كامل، بينما تميل إسرائيل إلى قبول هدنة مؤقتة فقط.. وفى هذا السياق، يرى مراقبون أن المحادثات قد تؤدى إلى «تسوية قصيرة الأمد»، ولذلك تعتبر حماس أن احتفاظها ببعض الأسرى الإسرائيليين «أمر حاسم» لتحقيق مكاسب مستقبلية.
ويرى المحللون أن «النقاط الخلافية» الرئيسية تتعلق بثلاث قضايا، لكنها قد تكون «قابلة للحل».. تتعلق النقطة الأولى بـ«السيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح»، حيث تطالب حماس بـ«انسحاب إسرائيلى كامل»، فى حين تصر إسرائيل على «البقاء فى المنطقة» لمنع حماس من إعادة التسلح.. أما النقطة الثانية، فتتعلق بـ«السيطرة على محور نتساريم»، الذى أقامه الجيش الإسرائيلى للفصل بين شمال القطاع وجنوبه، وهو ما يُعتبر أيضًا نقطة خلافية رئيسية.. فى حين أن النقطة الثالثة تتعلق بـ«أسماء وعدد السجناء الفلسطينيين» الذين سيتم الإفراج عنهم كجزء من الصفقة.
كما يوضح المحللون أن نتنياهو وضع «خمسة شروط» تشكل معظمها «نقاطًا خلافية» بين إسرائيل وحماس.. وتشمل هذه الشروط، السيطرة على محورى فيلادلفيا ونتساريم، والحصول على معلومات مسبقة حول الأسرى الإسرائيليين «الأحياء»، بالإضافة إلى نفى معظم السجناء الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم إلى خارج الأراضى الفلسطينية.. كما اشترط نتنياهو «إمكانية استئناف إسرائيل للحرب على قطاع غزة»، فى حال عدم التزام حماس بما سيتم الاتفاق عليه خلال المرحلة الأولى من الخطة، ما يعزز من تعقيد التوصل إلى وقف إطلاق النار.. لهذا يرى مراقبون أن هذه الشروط تهدف إلى «عرقلة» جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة.
لذلك، أكدت صحيفة «هآرتس» العبرية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، سيكون مسئولًا عن مقتل الأسرى إذا لم يحسم صفقة التبادل.. وهى ترى، أن نتنياهو يفضّل بقاء حكومته على حياة الأسرى، رغم دعم مسئولين لاتمام الصفقة، وتقديم زعيم المعارضة يائير لابيد لشبكة أمان فى هذه القضية، قائلة إن «وقت الأسرى ينفد، وحياتهم فى خطر حقيقى.. إذا لم يحسم نتنياهو الأمر لصالحهم، فقد يكون مسئولًا عن مقتلهم».. لأن نتنياهو وائتلافه الحكومى، ينظرون إلى «الاعتبارات الأخلاقية، وحتى الأمنية على أنها هامشية»، وينظرون إلى «الاعتبار السياسى، أى البقاء فى الحكم، على أنه أهم اعتبار على الإطلاق وربما الوحيد».
«الحقيقة المرة»، فى نظر الصحيفة، تتمثل فى أن الأسرى «يعانون وبعضهم يموتون، وإذا لم يكن هناك اتفاق سيستمرون فى المعاناة والموت»، وبالنسبة لشركاء نتنياهو المتطرفين، وخصوصًا وزير الأمن القومى، إيتمار بن جفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، فإن «الحياة البشرية ثانوية بالنسبة إليهم»، متهمة إياهما بمعارضة أى صفقة، وتهديدهما بإسقاط الحكومة إذا وردت تقارير عن إحراز تقدم فى المفاوضات.. ومع ذلك، مازال وزير الدفاع، يوآف جالانت، يكرر موقفه، بأنه ما زال «هناك فرصة محدودة لحسم صفقة الأسرى».
■■ وبعد..
ففى حوار مع مجلة «تايم» الأمريكية، نُشر يوم الثامن من الشهر الحالى، قال المحاور، إريك كورتيليسا، لنتنياهو، إن العديد من الأمريكيين يريدون منكم إنهاء الحرب.. فهل يمكنكم أن تشرحوا لهم، لماذا من الضروري، فى نظركم، أن تكون نتيجة السابع من أكتوبر خسارة حماس لقطاع غزة؟.. أجابه نتنياهو، «أريد أن أنهى الحرب.. سأنهى الحرب غدًا، لو كان بوسعى.. وبالمناسبة، إذا ألقت حماس سلاحها، واستسلمت، وذهبت إلى المنفى، فإن الحرب ستنتهى على الفور».. فعاد المحاور وسأله: هل تستطيع إسرائيل استعادة قدرتها الرادعة دون تحقيق هذه النتيجة؟.. قال نتنياهو، لا، أعتقد أنه من المهم تحقيق ذلك، ليس فقط من أجل القضاء على تلك الجبهة القريبة من مركز بلدنا، ومن كل المرافق الاستراتيجية التى نمتلكها، ولكن أيضًا لإرسال رسالة إلى العناصر الأخرى فى محور الإرهاب الإيرانى: «إذا ارتكبتم هذه الوحشية الرهيبة، أسوأ هجوم على الشعب اليهودى منذ الهولوكوست، فسنتخذ إجراءات قوية ضدكم، ولن تكونوا موجودين لمحاولة تكرارها». 
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.