رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أذرع الإنترنت الوحشية والأطفال!

جربت أنا معاناة الكبار مع الإنترنت، وما زلت أجربها، معاناة بالغة طبعًا؛ فهو عالم شاسع ملىء بالوديان المظلمة، لكننى خفت جدًا عندما صارت ابنتاى الطفلتان مقبلتين عليه. سألت نفسى: ما العمل؟ الحرمان قاتل لا ريب، بل قد يدفعهما للتعلق الأكبر به، لا سيما وفى المدرسة والحضانة أطفال لديهم هواتف، والأطفال يتشاركون فى الفرجة على «يوتيوب» و«تيك توك» و«إنستجرام» وغيرها... الكبار يعطونهم الهواتف بدون احتياطات ضرورية للأسف، ويتركونهم للسباحة فى البحور العميقة، البحور التى ربما كان آخرها الغرق «لا قدر الله».
الغاية... نظمت لهما يومًا واحدًا فى الأسبوع للمشاهدة «الكبيرة حوالى 8 سنوات والصغيرة قرابة الخمس»، مع عدد ساعات محددة، وقررت أن أكون بالقرب، وأوصيت أمهما أن تكون بالقرب، رضيتا على مضض، لكنهما فى كل يوم، خلاف المحدد، تبديان أشواقًا لاهبة إلى الإنترنت، وتظهران لهفتهما عليه، وهو ما يشير إلى ارتباط وثيق نشأ بينهما وبين المواد الضارة المقدمة هناك والألعاب على تنوعها واختلافها وشرورها أيضًا!
الإنترنت بمثابة إخطبوط عملاق ذى أذرع وحشية، والأطفال عنوان البراءة طبعًا؛ فلا يملكون اكتناه حقيقته، ومن المصائب التى تضاعف معضلته أنه جذاب ومدهش، تدفع جاذبيته وإدهاشه إليه دفعًا قويًا حميمًا، فإذا بلغناه عميقًا مد الأذرع واختطفنا، والله أعلم أننجو أم لا؟، والله أعلم لو نجونا، ظاهريًا، ونحن ننجو كذلك بالفعل، أتكون دواخلنا نجت أم لا؟
حصر الخبراء والمتخصصون سبعة أخطار أساسية يواجهها الأطفال على الإنترنت، نشروها بالشرح، ضمن ما نشروها، عليه هو نفسه، ورأيتها الأدق فى هذا الإطار على كثرة ما رأيت:
- التنمر الإلكترونى.
- المتحرشون الإلكترونيون.
- نشر معلومات خاصة.
- التصيد الاحتيالى.
- الوقوع فى فخ عمليات النصب.
- تنزيل البرامج الضارة من دون قصد.
- منشورات تعود لتطارد الطفل فى حياته لاحقًا.
يجب أن يقرأ الأوصياء على الأطفال هذه النقاط السبع جيدًا، ثم يجتهدون فى شرحها للصغار جادين، وأظنها يسيرة الشرح تمامًا «كل نقطة تتضمن شرحها تقريبًا فى اختصارها بذاته»، ويجب أن يحرص هؤلاء على اللطف مع الأطفال وعدم القهر؛ فعواقب اللطف آمنة فى الأغلب، لكننا لا يمكن أن نصف عواقب القهر بهذا الوصف المطمئن!
يمكن أن نفقد أطفالنا إلى الأبد لو رفعنا أيدينا عنهم بشأن الإنترنت، وأسمينا علاقتهم به تسلية أو ملء فراغ أو شيئًا من هذا القبيل، هو أفظع من أن يكون هكذا، فى ما بينت، ولكنه صار ضروريًا للغاية مع ذلك، ولا يصح أن يجدك أطفالك لصيقًا به ليل نهار، وهم مبعدون عنه بلا مبررات كافية، والأحسن أن تتخفف منه أنت أولًا، ثم تخلق المبررات المقنعة التى تجعلهم يتخففون مثلك.
لا ننسى، أخيرًا، منافع الإنترنت، وهى هائلة، لعل أبرزها التعلم والحصول على المعلومات، وليتنا ننصح أطفالنا بالتركيز عليهما، ولو فعلوا استفادوا وأفادوا، وأما أن نغادرهم، فى قبضة الوحش، بلا نصح يمثل المدد الحارس؛ فهذاك يعنى أننا نضحى بهم، ومن ثم نضحى بالمستقبل الذى هم أساسه، وعلى هذا يكون الخراب الذى يتحتم تجنب وقوعه لأبنائنا وبلادنا حتى نسلم ولو نسبيًا.