ذكريات فض رابعة والنهضة
كنت أتابع بمنتهى الدقة والشغف الأحداث التي تجري على أرض مصر عن بُعد أثناء عملي بدوله الإمارات بعد أحداث يناير ٢٠١١.
كلنا كمصريين وحتى أشقاؤنا الإماراتيون كنا نعاني وقلوبنا ترتعد خوفًا على مصر بعد أن خطفت قيادتها الجماعة الإرهابية ولا ندري إلى أين سيذهبون بنا.
جاءت لحظة الفرج والفرح بعد مظاهرات ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وتحديدًا في ٣ يوليو يوم توقف العمل بالدستور وتمت إقالة محمد مرسي رئيس الجماعة الإرهابية وتعيين السيد المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية رئيسًا للبلاد لحين إجراء انتخابات جديدة.
قبل ٣٠ يونيو استشعرت جماعة الإخوان بالخطر القادم للإطاحة بها.. فبدأت يوم ٢٨ يونيو بالدعوه للاعتصام أمام مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر وأمام تمثال نهضة مصر بجوار جامعة القاهرة بالجيزة.
بدأت الخيام تنتشر في شوارع المنطقتين، وتم استقطاب الفقراء بالوجبات الغذائية وبعض المواطنين بالخطب الدينية الحماسية والملتهبة ضد الدولة والنظام الجديد.
قام المعتصمون بوضع المتاريس حول أماكن تواجدهم وفكوا الإنترلوك من الأرصفة وأغلقوا به الطرق ومداخل العمارات دون أي اعتبار لسكان المنطقة بل واعتبروا أن هؤلاء السكان أسرى حرب يدخلون ويخرجون لمساكنهم بعد تفتيش دقيق وبمواعيد محددة.
كان السكان يستيقظون على صوت تدريبات الإخوان باستخدام العصي والهراوات والهتافات.. وأنشأوا دورات مياه خرجت منها خراطيم للاستحمام تحت الشجر وانتشرت الروائح الكريهة والتلوث البيئي بعد ذبح الأغنام والعجول وانتشار الروث في الطرقات.
كانت الحياة داخل خيام المنطقتين مثل الزرائب تمامًا، ورغم أن النظافة من الإيمان (الذين يدعونه) كانت القاذورات تحيط كل الأماكن.
وقام وزير الإعلام الإخواني صلاح عبدالمقصود بإرسال ٤ سيارات تحمل معدات تليفزيونية لنقل الخطب مباشرة على قنوات الجزيرة وبعض قنوات الشر من منصة الاعتصام.
كما قاموا بالقبض على عدد كبير من المواطنين ورجال الشرطة والمخبرين باعتبارهم جواسيس وقتلوهم وتم العثور على جثثهم في أكفان بعد فض الاعتصام.
كما وصلت أفواج من الجماعات بحوالي ٣٠٠٠ جهادي واستشهادي مدرب، وفتحت لهم قاعات كبار الزوار كفاتحين وتوجهوا فورًا لرابعة والنهضة يدعون المعتصمين للثبات وعدم الخروج من الميدان.
استمرت هذه المأساة قرابة الشهر.. إلى أن أصدر النائب العام هشام بركات قرارًا بفض رابعة والنهضة (تم استشهاده في ٢٩ يونيو ٢٠١٥ بعد قيام الجماعة الإرهابية بتفجير سيارته).
في ١٣ أغسطس ٢٠١٣ استشعرت الجماعة الإرهابية اقتراب موعد الفض، فذهب وفد منها لمكتب اللواء عبدالمنعم التراس وطلبوا منه خروج المعتصمين الآمن مقابل معاهدة صلح واعترافهم بالسلطة الجديدة.. وافق اللواء عبدالمنعم على ذلك بعد التشاور مع المشير السيسي.. لكنهم حنثوا بوعدهم وانتظرهم اللواء حتى الخامسة صباحًا دون جدوى.. فأصدر المشير السيسي أوامره بتنفيذ القانون وفض الاعتصام.
وانطلقت طائرات القوات المسلحة فوق الميادين في السادسة صباحًا وألقت بمنشورات للمعتصمين تشرح لهم طرق الخروج من الممر الآمن ووجود أتوبيسات لتوصيلهم مجانًا لمنازلهم مع الوعد بعدم الملاحقة الأمنية، وحددت أولويات الخروج للنساء والأطفال وكبار السن.
في السابعة إلا الربع استجاب المئات وبدأوا في الخروج وقامت الجرافات بإزالة المتاريس
إلا أن قيادات الاعتصام في تمام السابعة صباحًا أمرت بعض المعتصمين بالمقاومة فقاموا بإلقاء الحجارة على قوات الشرطة التي سارعت بإلقاء القنابل المسيلة للدموع ليتراجعوا لكن الأمور تطورت بسرعة، وفوجئت الشرطة في الساعة الحادية عشرة صباحًا بوابل من النيران أسفر عن استشهاد الملازم أول محمد جودة بعد أن تقدم للتهدئة مع الإرهابيين..عندئذ تم تبادل إطلاق النار بعد استنفاد كل الطرق الودية والقانونية.
انتهت المعركة حوالي السادسة مساء بعد هروب قيادات الإخوان.. بعضهم ارتدى ملابس النساء والبعض الآخر ارتدى النقاب وخرجوا ملثمين من الممر الآمن.
في الثامنة والنصف مساء تم فض الميدانين تمامًا وأسفرت المعركة عن
استشهاد ٤٣ من رجال الشرطة، ١٨ ضابطًا (لواء وعقيدين) واختلفت الآراء في عدد قتلى الجماعة الإرهابية، حيث جاء تقرير وزارة الصحة المصرية أن العدد هو ٦٧٠ قتيلًا ونحو ٤٤٠٠ مصاب من الجانبين، في حين وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش الإخوانية مقتل ما بين ٩٠٤ إلى ١٠٠٠ منهم ٨١٧ في ميدان رابعة، و٨٧ في ميدان النهضة.
قامت الجماعة الإرهابية بأعمال انتقامية، حيث اقتحموا ٢١ قسمًا للشرطة وأحرقوا ٧ كنائس ومجمع المحاكم وتمت سرقة عدد ١٤ سيارة لنقل الأموال بحمولاتها.
أحداث رغم مرور ١١ عامًا عليها ما زلت أتذكر أدق تفاصيلها.. أعتذر عن الإطالة رغم أني حاولت جاهدًا اختصار الكثير.