يوسف شمعون يكشف أسرار "عبد الوهاب" بحارة "قواديس" ومهنته التى خجل منها
محمد عبد الوهاب، مطرب السلاطين والملوك، غني للملكية والملك فاروق، كما غني لثورة 23 يوليو، ولمبارك، ورغم ما أحيط به ونسج حوله من حكايات وأساطير، تبقي هناك حكايات مجهولة وأسرار لم يكشف عنها بعد، وهو ما حاول التنقيب عنه الباحث محمد دياب، في كتابه "مذكرات محمد عبد الوهاب" من خلال الأرشيف الصحفي والمنشورة في مجلة "الإثنين" في أعداد العام 1938، ومجلة الكواكب أعداد العام 1954، ورصد خبايا وخفايا جديدة عن حياة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
يوسف شمعون الجندي المجهول وراء عبد الوهاب
يورد "دياب" ما نشرته مجلة الكواكب في عددها التذكاري الصادر في 14 إبريل 1964، بعنوان "أنا مكتشف عبد الوهاب"، في حوار مع الجندي المجهول الذي اكتشف محمد عبد الوهاب ودربه على الغناء ووضع له لحن أول أغنية في مسيرته، وقدمه لفوزي الجزايرلي.
وفي شهادته الواردة بحواره المنشور بالكواكب، يقول يوسف شمعون: “كنت أعمل ترزيا في الصباح، وفنانا في المساء، فقد كان على كل مشتغل بالفن أن يبحث له عن عمل آخر، وكنت أعمل في محل أخي محمود يوسف، في حارة (قواديس) رقم 8 بعابدين، وذات يوم جاء شخص اسمه علي عبد السلام ومعه صبي صغير اسمه محمد عبد الوهاب، ليلحقه بالعمل بالمحل، وقال: إن هذا الصبي هو شقيق زوج أختي، وكانت أخته زوجة الشيخ حسن شقيق محمد عبد الوهاب، وانضم الصبي الصغير إلى العمل في المحل، وبدأ يلفت أنظار الجميع بحلاوة صوته وهو يرتل آيات القرآن، كان شقيقي محمود صاحب المحل يخص الصبي بعنايته ويمنحه كل يوم خمسة مليمات لأنه يقرأ، دخلت عليه فسمعته يغني أغنية كانت أيامها تجري على كل لسان، هي أغنية ”البحر بيضحك ليه وأنا نازلة أتدلع أملا القلل"، وأعجبت بصوته وقررت أن أصحبه معي إلى فرقة فوزي الجزايرلي في المساء، حيث كنت أعمل رئيسا للملحنين وقدمته لفوزي الذي أعجب بصوته وقرر أن يقدمه ليغني بين الفصول.
أنا عندي مانجا وصوتي كمنجة أولي أغنيات عبد الوهاب
وأضاف: بدأت أدربه على أغنية من تأليف يونس القاضي مطلعها "أنا عندي مانجة وصوتي كمنجة أبيع وأدندن وآكل مانجا"، وما كاد عبد الوهاب يظهر بهذه الأغنية حتى أعجب به الجمهور منذ الليلة الأولى إعجابا كبيرا، واستعاده عدة مرات، مما شجعني على أن أحفظه أغنية أخرى مطلعها "عشنا وشفنا شيطان ببريزة والفكة عزيزة يا أبو عبدة" وكان سبب تأليف هذه الأغنية عام 1917 أن السلطات البريطانية طبعت نقودا من الورق لتشتري بها ما تحتاجه، وحدث تضخم مالي بسبب هذه الشيكات المطبوعة بفئات مختلفة.
ولم تكن أسرة عبد الوهاب تعلم بأنه يعمل مع فرقة فوزي الجزايرلي، واكتشف ذلك شقيقه الشيخ حسن عبد الوهاب وكان وقت عمله مقرئا للقرآن، فثار وغضب وجاء إلى رفقة الجزايرلي وطلب أن يتركوا شقيقه فورا وأخذه، وعلمت أنا بالأمر فخرجت أجري وراءهما من حي الحسين إلى باب الشعرية، وحاولت إقناعه بأن يترك محمد يغني، لكن الشيخ حسن رفض وكان يهوي على وجه أخيه بالضرب حتى وصلنا إلى مسجد "سيدي الشعراني"، حيث كان يعمل والد محمد عبد الوهاب مشرفا على صندوق النذور بالمسجد، وما كاد الأب يعلم حتى ثار هو الآخر وانضم إلى صف الشيخ حسن وغضب، وظللت أكثر من ساعتين أحاول إقناعهما بعد أن شرحت لهما مزايا العمل بالفن وأخيرا وافق الشيخ عبد الوهاب بشرط أن أكون أنا مشرفى عليه، ومندوبا عنهما في رعايته.
لماذا أخفي عبد الوهاب اشتغاله “صبي ترزي”
ويذهب الباحث محمد دياب في تعقيبه علي شهادة يوسف شمعون مكتشف محمد عبد الوهاب الأول، إلى أن: للأسف لم يعامل عبد الوهاب يوسف شمعون بالشكل الذي يليق بمعروفه وجميله عليه، ربما لأن عبد الوهاب كان يخجل من أن يذكر أنه كان يعمل صبي ترزي في محل متواضع لقاء خمسة مليمات يوميا ليساعد أسرته في معاشها، وهذا أمر يشرف محمد عبد الوهاب ولا ينقص من قدره، فلم تكن أم كلثوم الفنانة العصامية مثلا تخجل من ذكر أنها كانت تعمل طفلة في جمع القطن لقاء مليمات معدودة لمساعدة أسرتها.