رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرحلة الأخيرة.. "قناص الرءوس" يملأ شباكه من السياسيين بالخارج

هنية يدفع بكرسي أحمد
هنية يدفع بكرسي أحمد ياسين وبجواره الرنتيسي

استيقظ العالم على خبر اغتيال القيادي في حماس إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة الذي أثار نبأ استهدافه تساؤلات كثيرة عن كيفية تحديد مكانه وكيف اخترقت الطائرات المجال الجوي الإيراني رغم تواجده داخل مبنى تابع للحرس الثوري، إضافة إلى التأمين الشديد لحفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وعلى الرغم من أن هنية كان على قائمة الاستهدافات التي حددتها الحكومة الإسرائيلية منذ بداية عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، إلا أن الإعلام الإيراني وصف عملية الاغتيال بـ"مقامرة خطيرة" وأن الحادث "تجاوز الخطوط الحمراء".

وبرؤية إيرانية كشف الإعلام الإيراني أن حادث الاغتيال تم في نحو الساعة الثانية من صباح الأربعاء، نهاية يوليو 2024، بصاروخ موجه نحو جسده مباشرة، وذكر الإعلام الإيراني أيضًا، أن القذيفة أطلقت من الجو أي من طائرة مما أدى إلى فتح تحقيقات موسعة لكشف ملابسات هذه العملية والموقع الذي أطلقت منه القذيفة.

في المقابل ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية منها القناة الـ14 العبرية، أن الصاروخ الذي استهدف هنية انطلق من إيران، مشيرة إلى أن أمين عام حركة الجهاد زياد النخالة كان في طابق آخر بالمبنى ذاته الذي اغتيل به هنية، مما يعني أن عملية الاغتيال تمت من داخل طهران.

وفي عالم السياسة الملىء بالمكائد والمؤامرات، تبرز عمليات اغتيال السياسيين والرؤساء كأحداث مروعة تشد الأنفاس وتثير الفضول "الرحلة الأخيرة" تعبر عن تلك اللحظات الحاسمة التي فقد فيها قادة بارزون حياتهم بعيدًا عن ديارهم، مخلفين ورائها أسئلة بلا إجابات وألغازًا يكتنفها الغموض.

هذه الاغتيالات لم تكن مجرد عمليات قتل عشوائية، بل كانت مخططات جهنمية نُفذت بدقة متناهية وبتنسيق مُحكم من قوى خفية سعت لتحقيق أهدافها بأي ثمن.

من الملك عبد الله الأول بن الحسين الذي اغتيل في القدس أثناء زيارته للمسجد الأقصى، إلى “إسماعيل هنية” رئيس المكتب السياسي بحماس، مرورا بمحمود المبحوح، القيادي في حماس الذي لقي حتفه في عملية معقدة في دبي، كانت هذه الجرائم أشبه بروايات مثيرة خرجت من صفحات الكتب إلى واقعنا المرير.

"رحلة الموت الأخيرة" يلقي الضوء حول السياسيين الذين تم اغتيالهم خارج بلادهم، ويوضح الأسباب والدوافع الحقيقية وراء هذه الاغتيالات؟ ومَن هم الفاعلون الحقيقيون؟ وكيف تمت هذه العمليات بهذه الدقة؟ ونسعى في “الدستور” إلى فك رموز هذه الألغاز، للوقوف على تفاصيل تلك العمليات الدموية التي زلزلت العالم وأثرت على مجريات السياسة الدولية.

العاروري: اغتيال في بيروت

بينما كان صالح العاروري، أحد القادة البارزين في حركة حماس الفلسطينية يتنقل بسيارته في أحد أحياء بيروت في 2 يناير 2024 تم استهدافه بعملية اغتيال دقيقة، والعديد من الشهود سمعوا صوت انفجار قوي، تبين لاحقًا أنه ناتج عن عبوة ناسفة زرعت في سيارته. انفجار مروع أودى بحياة العاروري على الفور، وأثار حالة من الهلع في المنطقة.

سرعان ما انتشرت الأخبار في جميع أنحاء العالم العربي، ومعها تساؤلات حول الجهة المسئولة عن هذا الاغتيال، الشكوك توجهت نحو إسرائيل، التي لها تاريخ طويل في تنفيذ عمليات اغتيال ضد قادة الحركات الفلسطينية، ولكن رغم الاتهامات والتكهنات، لم تعلن أي جهة رسمية مسئوليتها عن العملية.

هذا الاغتيال كان له أثر كبير على حركة حماس، حيث فقدت أحد أبرز قادتها العسكريين والتنظيميين، كما أدى إلى تصعيد التوترات بين حماس وإسرائيل، وزاد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة.

القصة بقيت محفورة في ذاكرة الكثيرين، ليس فقط لأنها تتعلق بفقدان قائد مهم، بل لأنها تلقي الضوء على الواقع المعقد والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، حيث يعتبر الاغتيال أداة سياسية تُستخدم لتحقيق أهداف معينة.

“رئيسي”: شكوك حول الاغتيال

لم تكن عملية اغتيال هنية الأولى في سلسلة عمليات الاغتيالات التي أصابت سياسيين ورؤساء دول، ففي 19 مايو 2024، استيقظ العالم على خبر وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورغم أن وفاته تمت بسقوط بمروحيته، إلا أن الشكوك حول اغتياله هي ما تصدرت المشهد عقب انتشار خبر أن طائرته التي كانت تُقِلُّه مع وزير خارجيته وبقية المسؤولين فُقدت، في حادث وقع لهم قربَ مدينة جلفا على الحدود مع أذربيجان، وبعد أن ظلَّت الطائرة مفقودةً قرابة 12 ساعة، أفادت مجلة ذي إيكونوميست بأنه من المرجح أن الرئيس الإيراني قد توفي، مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، مشيرةً إلى أن الحادث وقع في مِنطقة نائية وأن درجات الحرارة كانت منخفضة في الليل، وهي مِنطقة جبلية كثيفة الضَّباب.

ورغم تدخل دول عديدة في عمليات البحث عن الطائرة المفقودة، في عملية استمرت أكثر من 12 ساعة متواصلة، وإعلان التلفزيون الإيراني في اليوم التالي عن وفاة إبراهيم رئيسي، إلا أن أصابع الاتهام كانت تشير إلى أنها عملية اغتيال وليس حادث عادي، وفتحت على إثره إيران تحقيقات موسعة لكشف حقيقة سقوط طائرة الرئيس الإيراني.

قاسم سليماني في بغداد

كانت ليلة هادئة في بغداد، عاصمة العراق، عندما كانت سيارة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، تسير ببطء نحو المطار، سليماني، الذي كان القائد العسكري الإيراني البارز، كان في زيارة للعراق لبحث قضايا استراتيجية وأمنية مع القيادات العراقية، وكان شخصاً معترفاً به على نطاق واسع في المنطقة، وأحد الشخصيات البارزة في الحرس الثوري الإيراني.

في الثالث من يناير 2020، حدث ما لم يكن متوقعا

، أثناء مرور موكب سليماني بالقرب من مطار بغداد، استهدفته طائرة بدون طيار أمريكية بصواريخ دقيقة، مما أدى إلى مقتل سليماني ومن كان معه، هذه العملية، التي تمت بأوامر من الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، كانت جزءاً من استراتيجية أكبر لمواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة.

عقب الاغتيال، توترت الأوضاع في الشرق الأوسط بشكل كبير، إيران أعلنت الحداد على سليماني، وهددت بالانتقام الشديد من الولايات المتحدة، وفعلاً، لم يمض وقت طويل حتى قامت إيران بقصف قاعدة عسكرية أمريكية في العراق، مما أسفر عن إصابات بين الجنود الأمريكيين، وزاد من حدة التوتر بين البلدين.

هذه الأحداث أثرت بشكل كبير على السياسة الدولية، وأدت إلى تصاعد التوترات بين القوى الكبرى، وخلقت حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، القصة تظل في ذاكرة الكثيرين كتذكير بمدى تعقيد الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، وتأثيرها على السلام العالمي.

المبحوح في دبي

في مساء 19 يناير 2010، كانت دبي تعيش ليلة عادية حتى اكتشاف جريمة اغتيال غامضة هزت العالم، كان محمود المبحوح، أحد قادة حركة حماس، قد وصل إلى دبي قادمًا من دمشق في رحلة عمل، نزل في فندق البستان روتانا، حيث لم يكن يعرف أن هناك من يتعقبه ويخطط لإنهاء حياته بطرق معقدة ومحكمة.

وصل المبحوح إلى الفندق وسجل دخوله بشكل عادي، حيث التقطته كاميرات المراقبة وهو يسير في بهو الفندق، في اليوم التالي، عُثر عليه ميتًا في غرفته، ما أثار الشكوك على الفور.

كشفت التحقيقات أن فريق الاغتيال، الذي يتألف من أكثر من عشرة أشخاص، دخلوا دبي بجوازات سفر أوروبية مزورة. 

راقب الفريق المبحوح بدقة وتنقلوا في الفندق بشكل محترف، حيث سجلت كاميرات المراقبة تحركاتهم الدقيقة، تمكنوا من دخول غرفته باستخدام جهاز إلكتروني متطور لتجاوز قفل الباب.

بمجرد دخولهم، قاموا بحقنه بمواد مخدرة لشل حركته قبل أن يقوموا بخنقه حتى الموت، العملية تمت بسرعة وكفاءة عالية، مما يشير إلى تدريب احترافي وتنفيذ محكم.

لم تكتف السلطات الإماراتية بالإعلان عن الاغتيال، بل قامت بنشر تسجيلات كاميرات المراقبة التي وثقت تحركات فريق الاغتيال، وأظهرت التحقيقات أن بعض أفراد الفريق كانوا يرتدون أزياء رياضية للتنكر وأنهم استخدموا بطاقات ائتمان مزورة للإقامة في فنادق أخرى في دبي.

وجهت أصابع الاتهام بشكل رئيسي إلى جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، على الرغم من عدم اعتراف إسرائيل رسميًا بمسئوليتها عن العملية، أدانت حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى هذا الاغتيال واعتبرته جزءًا من الصراع الطويل مع إسرائيل.

حادثة اغتيال محمود المبحوح في دبي لم تكن مجرد جريمة قتل عادية، بل كانت عملية معقدة أظهرت مدى استخدام التكنولوجيا والتخطيط الدقيق في عمليات الاغتيال السياسي، كما أظهرت أيضًا قدرة دبي على كشف تفاصيل معقدة لهذه العملية، مما أضاف بعدًا جديدًا للعلاقات الدبلوماسية والأمنية في المنطقة.

اغتيال عاهل الأردن في القدس

في صباح يوم الجمعة، 20 يوليو 1951، كانت القدس تعيش يومًا مشمسًا وهادئًا حتى تلك اللحظة التي اهتزت فيها الأجواء بحادثة اغتيال مروعة هزت العالم. كان الملك عبد الله الأول بن الحسين، ملك الأردن، يتوجه إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة كعادته، تلك الرحلة الروحانية إلى قلب القدس سرعان ما تحولت إلى مشهد مأساوي لا يُنسى.

عندما وصل الملك عبد الله إلى ساحة المسجد الأقصى، كان برفقة حفيده، الأمير الحسين بن طلال، الذي كان يبلغ من العمر 15 عامًا آنذاك، وبينما كان الملك يستعد لأداء الصلاة، تقدّم شاب فلسطيني يدعى مصطفى شكري عشو، واقترب من الملك بسرعة، في لحظة فارقة، أخرج المسلح مسدسه وأطلق ثلاث رصاصات باتجاه الملك عبد الله، واحدة منها أصابته في رأسه مباشرة.

انهار الملك عبد الله على الفور في ساحة المسجد الأقصى، حيث فارق الحياة متأثرًا بجراحه قبل أن يتمكن أحد من إنقاذه، تم القبض على منفذ العملية في الحال، وكشفت التحقيقات لاحقًا أن منفذ الاغتيال كان مدفوعًا بمشاعر الغضب والاستياء تجاه الملك عبد الله بسبب سياساته تجاه فلسطين واعتقاده بأنه كان يسعى لعقد اتفاقيات مع إسرائيل.

حادثة اغتيال الملك عبد الله الأول تركت الأردن في حالة من الصدمة والحزن العميق، وأحدثت تغيرات جذرية في السياسة الأردنية وفي مستقبل المملكة، تولى ابنه، الملك طلال بن عبد الله، الحكم لفترة قصيرة قبل أن يخلفه حفيده، الملك حسين بن طلال، الذي شهد الحادثة بأم عينه وأصبح فيما بعد أحد أطول ملوك الأردن حكمًا.

هذا الاغتيال لم يكن مجرد حادثة عابرة في تاريخ المنطقة، بل كان نقطة تحول هامة، فقد أظهر مدى التوتر والصراع الذي كانت تعيشه المنطقة آنذاك، وألقى بظلاله على مستقبل العلاقات السياسية في الشرق الأوسط.

قيادي فتح في اليونان

في 23 يوليو 1982، تعرض سلامة بشير، المعروف أيضًا باسم أبو باسل، لعملية اغتيال مروعة في العاصمة اليونانية أثينا، كان شخصية بارزة في حركة فتح الفلسطينية وأحد القادة الذين لعبوا دورًا مهمًا في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.

في ذلك اليوم، كان سلامة بشير يتواجد في أثينا حيث كان يقيم لفترة قصيرة. بينما كان يستعد للركوب في سيارته، انفجرت قنبلة وضعت فيها، مما أدى إلى مقتله على الفور، القنبلة كانت مزروعة بشكل احترافي، حيث انفجرت بمجرد بدء تشغيل السيارة، الانفجار كان قويًا لدرجة أنه تسبب في دمار كبير للسيارة وألحق أضرارًا بالمباني المجاورة.

وعلى الرغم من عدم اعتراف أي جهة رسمية بمسؤوليتها عن الاغتيال، إلا أن أصابع الاتهام وُجهت نحو جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) نظرًا لتاريخهم في تنفيذ عمليات اغتيال ضد الشخصيات الفلسطينية البارزة خارج فلسطين.

وكان سلامة بشير شخصية مؤثرة في حركة فتح، ولعب دورًا بارزًا في تنظيم العمليات والأنشطة التي تهدف إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لذلك، كان يُعتبر هدفًا رئيسيًا للاغتيال من قبل الجهات التي تسعى لإضعاف المقاومة الفلسطينية.

اغتيال سلامة بشير كان جزءًا من سلسلة من العمليات التي استهدفت القادة الفلسطينيين في الخارج خلال تلك الفترة، هذه العمليات هدفت إلى ضرب قيادة حركة فتح وتشتيت جهودها في تنظيم المقاومة ضد الاحتلال.

الاغتيال ترك أثرًا كبيرًا على حركة فتح وعلى النضال الفلسطيني بشكل عام، حيث فقدت الحركة أحد قادتها البارزين والمؤثرين، كما أثار الاغتيال موجة من الإدانة الدولية والتوترات في المنطقة، مؤكدًا على استمرار الصراع المعقد والمتشابك بين الفلسطينيين والإسرائيليين

أبو جهاد في تونس

تعد عملية اغتيال خليل الوزير المعروف بـ"أبوجهاد" نائب القائد العام لحركة فتح وأحد مؤسسي الحركة، بمثابة طعنة لحركة المقاومة في فلسطين، حيث كان يُعتبر العقل المدبر للعديد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكان له دور كبير في توجيه وتنظيم المقاومة الفلسطينية.

في ليلة 16 أبريل 1988، نفذت وحدة كوماندوز إسرائيلية عملية اغتيال معقدة استهدفت منزل أبو جهاد في حي سيدي بوسعيد بتونس.

بدأت عملية التخطيط والتنفيذ بوصول فريق الاغتيال الإسرائيلي إلى تونس عن طريق البحر، مستخدمين زوارق مطاطية للوصول إلى الشاطئ التونسي في سرية تامة.

وتسلل الفريق إلى العاصمة التونسية وقام بمراقبة منزل أبو جهاد بدقة، مستخدمين سيارات مستأجرة للتحرك في المدينة دون إثارة الشكوك.

وفي ليلة الاغتيال، قام فريق الكوماندوز بمداهمة منزل أبو جهاد بعد منتصف الليل، واقتحموا المنزل بسرعة، حيث كان أبو جهاد في غرفة مكتبه يعمل على بعض الوثائق.

أطلقوا النار على أبو جهاد بشكل مباشر، فأردوه قتيلًا على الفور، كما قتلوا أحد حراسه الشخصيين وأصابوا آخرين، العملية نُفذت من قبل وحدة كوماندوز إسرائيلية تابعة للموساد، وكانت بتوجيهات من أعلى المستويات في الحكومة الإسرائيلية.

وكان أبو جهاد يُعتبر هدفًا رئيسيًا لإسرائيل بسبب دوره الكبير في التخطيط للعمليات الفدائية وتنظيم الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في ديسمبر 1987، أرادت إسرائيل من خلال اغتياله توجيه ضربة قوية لحركة فتح وتقويض القيادة الفلسطينية.

محليًا ودوليًا أثار اغتيال أبو جهاد غضبًا واسعًا في العالم العربي والمجتمع الدولي، ونددت العديد من الدول والمنظمات الدولية بالعملية واعتبرتها انتهاكًا لسيادة تونس وخرقًا للقوانين الدولية.

شكل اغتيال أبو جهاد داخل حركة فتح خسارة كبيرة لحركة فتح وللمقاومة الفلسطينية، كان أبو جهاد يُعتبر رمزًا للصمود والمقاومة، واغتياله أثر بشكل كبير على معنويات الحركة.

رغم اغتياله، ظل إرث أبو جهاد حيًا في ذاكرة الفلسطينيين كأحد الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل قضيتهم، استمرت حركة فتح في النضال تحت قيادة جديدة، واستمر الفلسطينيون في تذكر أبو جهاد كرمز للنضال والمقاومة ضد الاحتلال.

عياش: القتل بـ"زر هاتف"

رغم أن عملية اغتيال يحيى عياش، قائد الجناح العسكري لحركة حماس والمعروف بلقب "المهندس"، تمت في غزة وليس خارج دياره إلا أنها كانت محورا فاصلا في تاريخ المقاومة الفلسطينية.

يحيى عياش كان شخصية بارزة في حركة حماس وأحد أبرز مهندسي العمليات الاستشهادية ضد إسرائيل، كان يُلقب بـ"المهندس" نظرًا لمهاراته العالية في تصنيع المتفجرات وتخطيط العمليات العسكرية.

وبعد سلسلة من العمليات الاستشهادية التي نُسبت إلى يحيى عياش والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الإسرائيليين، وضعت إسرائيل عياش على رأس قائمة المطلوبين، كان عياش مختبئًا ويتنقل بشكل مستمر لتجنب القبض عليه أو اغتياله.

بدأت عملية التخطيط والتنفيذ، بالمراقبة حيث تمكن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك) من تتبع تحركات يحيى عياش وجمع معلومات حول الأشخاص الذين يتواصل معهم.

واستخدمت المخابرات الإسرائيلية جهاز هاتف محمول مُفخخ كوسيلة للاغتيال، تم تجهيز الهاتف بكمية صغيرة من المتفجرات، وكان الهدف هو تفجير الجهاز عندما يجيب عياش على المكالمة.

في 5 يناير 1996، تلقى يحيى عياش اتصالًا عبر الهاتف المحمول المفخخ أثناء وجوده في شقة أحد أصدقائه في بيت لاهيا بقطاع غزة، عندما أجاب على المكالمة، تم تفجير الهاتف عن بعد، مما أدى إلى مقتله على الفور.

جهاز المخابرات الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) هو الذي خطط ونفذ عملية الاغتيال باستخدام التكنولوجيا المتقدمة والعمليات الاستخباراتية الدقيقة.

وكانت دوافع الاغتيال أن يحيى عياش كان مسؤولًا عن العديد من العمليات الاستشهادية التي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الإسرائيليين، رأت إسرائيل في اغتياله وسيلة لتقويض القدرات العسكرية لحركة حماس وتقليل خطر العمليات الاستشهادية.

وشكل اغتيال يحيى عياش ضربة قوية لحركة حماس، ولكنه في نفس الوقت زاد من تصميم الحركة على مواصلة المقاومة.

أما محليًا ودوليًا أثار اغتيال عياش ردود فعل غاضبة في الأوساط الفلسطينية، وأدت إلى تصعيد التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. نفذت حماس سلسلة من العمليات الانتقامية ردًا على اغتياله.

رغم اغتياله، ظل يحيى عياش رمزًا للمقاومة والتحدي بالنسبة للفلسطينيين، يُعتبر حتى اليوم أحد أبرز الشخصيات في تاريخ النضال الفلسطيني.

عمليات الاغتيال كانت جزءًا من الصراع الطويل والمعقد بين إسرائيل والمقاومة في العالم، وأظهر مدى استخدام التكنولوجيا المتقدمة في العمليات الاستخباراتية والاغتيالات السياسية، كما أظهر تصميم الطرفين على الاستمرار في المواجهة رغم التكلفة البشرية العالية، كما تمثل هذه العمليات جزءا من التاريخ الدومي للصراع السياسي على مستوى العالم حيث كانت تتم عمليات الاغتيال بطريقة معقدة ومدروسة بعناية لتحقيق أهداف سياسية وأمنية مختلفة.