رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحبس الاحتياطى.. ما له وما عليه

كثر‭ ‬الحديث‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عن‭ ‬إشكالية‭ ‬قضية‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطى‭ ‬ومناقشتها‭ ‬فى‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬وفى‭ ‬الحوار‭ ‬الوطنى،‭ ‬بحسبانها‭ ‬قضية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحريات‭ ‬العامة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬حقيقية‭ ‬لإنفاذ‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬التى‭ ‬أطلقها‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى،‭ ‬لتأمين‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الحريات‭ ‬والحقوق‭ ‬للمواطن،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬يستلزم‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬مواد‭ ‬قانون‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجنائية،‭ ‬والتى‭ ‬تتناول‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطى‭ ‬والفترات‭ ‬الزمنية‭ ‬التى‭ ‬يمكن‭ ‬فيها‭ ‬التحفظ‭ ‬على‭ ‬المتهم‭ ‬لحين‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬التحقيق‭ ‬وصدور‭ ‬حكم‭ ‬نهائى‭ ‬بشأنه‭.‬

الحبس‭ ‬الاحتياطى‭ ‬هو‭ ‬إجراء‭ ‬احترازى‭ ‬يتم‭ ‬حيال‭ ‬المتهمين‭ ‬فى‭ ‬القضايا‭ ‬التى‭ ‬تمثل‭ ‬جنحًا‭ ‬أو‭ ‬جنايات،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬احتجازه‭ ‬لفترات‭ ‬زمنية‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬لحين‭ ‬الفصل‭ ‬النهائى‭ ‬فى‭ ‬القضية‭ ‬المنظورة‭.. ‬وهو‭ ‬إجراء‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‭ ‬قاضى‭ ‬التحقيقات‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬من‭ ‬بينها‭:‬

‭- ‬ ضمان‭ ‬عدم‭ ‬هروب‭ ‬المتهم‭ ‬ومغادرة‭ ‬البلاد‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭ ‬المحاكمة‭.‬

‭- ‬ حماية‭ ‬الأدلة‭ ‬ومنع‭ ‬المتهم‭ ‬من‭ ‬التلاعب‭ ‬بها،‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬الجرائم‭ ‬التى‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الأدلة‭ ‬المادية‭.‬

‭- ‬ حماية‭ ‬الشهود‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬تهديدات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتهم‭ ‬أو‭ ‬إلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬بهم‭.‬

وقد‭ ‬استحدث‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬145‭ ‬لسنة‭ ‬2006‭ ‬تعديلًا‭ ‬لبعض‭ ‬أحكام‭ ‬قانون‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجنائية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬بدائل‭ ‬للحبس‭ ‬الاحتياطى‭ ‬فى‭ ‬الفقرة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬201‭ ‬إجراءات،‭ ‬والتى‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يجوز‭ ‬للسلطة‭ ‬المختصة‭ ‬بالحبس‭ ‬الاحتياطى‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬بدلًا‭ ‬منه‭ ‬أمرًا‭ ‬بأحد‭ ‬التدابير‭ ‬الاحترازية‭ ‬الأخرى‭.. ‬وهذا‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬حائلًا‭ ‬ضد‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطى‭.. ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬العملى‭ ‬كان‭ ‬يفرض‭ ‬استبقاء‭ ‬المتهم‭ ‬بعد‭ ‬استنفاد‭ ‬مدة‭ ‬حبسه‭ ‬الاحتياطى‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬اهتمام‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬وأيضًا‭ ‬الحوار‭ ‬الوطنى،‭ ‬فى‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المادة‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجنائية،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬حقيقية‭ ‬للحبس‭ ‬الاحتياطى‭.‬

وقد‭ ‬أصدر‭ ‬السيد‭ ‬المستشار‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬توجيهاته‭ ‬بأن‭ ‬يتم‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعات‭ ‬لجنة‭ ‬الشئون‭ ‬الدستورية‭ ‬والتشريعية‭ ‬خلال‭ ‬الإجازة‭ ‬البرلمانية‭ ‬لمناقشة‭ ‬تعديلات‭ ‬قانون‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجنائية،‭ ‬لتكون‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أجندة‭ ‬المجلس‭ ‬فور‭ ‬انعقاده،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬قضية‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطى‭.‬

وتسير‭ ‬رؤية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬والحوار‭ ‬الوطنى‭ ‬على‭ ‬محورين‭:‬

‭- ‬ المحور‭ ‬الأول‭:‬ تخفيض‭ ‬مدد‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطى‭ ‬لتكون‭ ‬4‭ ‬أشهر‭ ‬فى‭ ‬الجنح‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬أشهر،‭ ‬وفى‭ ‬الجنايات‭ ‬12‭ ‬شهرًا‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬شهرًا،‭ ‬و18‭ ‬شهرًا‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬سنتين‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬العقوبة‭ ‬المقررة‭ ‬فى‭ ‬الجريمة‭ ‬السجن‭ ‬المؤبد‭ ‬أو‭ ‬الإعدام،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬سنتين‭ ‬بحد‭ ‬أقصى‭ ‬فى‭ ‬الجرائم‭ ‬المنظورة‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬جنايات‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية‭ ‬أو‭ ‬محكمة‭ ‬النقض‭ ‬المعاقب‭ ‬عليها‭ ‬بالإعدام‭ ‬أو‭ ‬السجن‭ ‬المؤبد‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬التقيد‭ ‬بمدد‭ ‬مفتوحة‭.. ‬وفى‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬فإننى‭ ‬أرى‭ ‬توافقًا‭ ‬جمعيًا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الرؤية،‭ ‬وأنا‭ ‬أؤيد‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬تحفظ‭ ‬وحيد‭ ‬فى‭ ‬الجرائم‭ ‬الإرهابية‭ ‬أو‭ ‬الجرائم‭ ‬التى‭ ‬تمس‭ ‬الأمن‭ ‬القومى‭ ‬للبلاد‭ ‬مثل‭ ‬التجسس‭ ‬والتخريب،‭ ‬حيث‭ ‬أرى‭ ‬عدم‭ ‬التقيد‭ ‬بفترة‭ ‬زمنية‭ ‬محددة‭ ‬إما‭ ‬لصعوبة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أدلة‭ ‬إدانة‭ ‬كافية،‭ ‬أو‭ ‬لكون‭ ‬مرتكب‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬الإرهابية‭ ‬التى‭ ‬تسعى‭ ‬للإخلال‭ ‬بأمن‭ ‬الوطن‭ ‬وسلامة‭ ‬أراضيه‭.‬

‭ - ‬أما‭ ‬المحور‭ ‬الثانى،‭ ‬فهو‭ ‬يتناول‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬لفكرة‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطى‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭: ‬إلزام‭ ‬المتهم‭ ‬بعدم‭ ‬مبارحة‭ ‬مسكنه‭ ‬مع‭ ‬الرقابة‭ ‬عليه‭ ‬عبر‭ ‬الأسورة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وحظر‭ ‬ارتياده‭ ‬أماكن‭ ‬محددة‭ ‬وألا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬حبس‭ ‬احتياطى‭ ‬إلا‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬حكم،‭ ‬وألا‭ ‬يصدر‭ ‬قرار‭ ‬بتوقيف‭ ‬المفرج‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬استنفاد‭ ‬مدة‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطى‭ ‬بدعوى‭ ‬توقيفه‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬قضايا‭ ‬أخرى‭.‬

وهناك‭ ‬أصوات‭ ‬أخرى‭ ‬تطالب‭ ‬بأحقية‭ ‬الشخص‭ ‬المحتجز‭ ‬فى‭ ‬مراجعة‭ ‬القضاء‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬مبررات‭ ‬حبسه‭ ‬احتياطيًا،‭ ‬واستخدام‭ ‬نظام‭ ‬الإفراج‭ ‬بكفالة‭ ‬أو‭ ‬الإقامة‭ ‬الجبرية‭ ‬لضمان‭ ‬حضور‭ ‬المتهم‭ ‬المحاكمة‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬حبسه،‭ ‬والتعويض‭ ‬عن‭ ‬الحبس‭ ‬غير‭ ‬المبرر‭ ‬بحيث‭ ‬يشمل‭ ‬تعويضًا‭ ‬ماليًا‭ ‬مع‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬الأدبى‭ ‬له‭.‬

وهنا‭ ‬أيضًا‭ ‬أجدنى‭ ‬متوافقًا‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬وإمكانية‭ ‬تنفيذها،‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬المتهمون‭ ‬فى‭ ‬قضايا‭ ‬إرهابية‭ ‬أو‭ ‬قضايا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالأمن‭ ‬القومى‭ ‬المصرى‭ ‬تحسبًا‭ ‬من‭ ‬هروبهم‭ ‬بوثائق‭ ‬سفر‭ ‬مزورة‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬بمعاونة‭ ‬الأجهزة‭ ‬التى‭ ‬قامت‭ ‬بدفعهم‭ ‬للقيام‭ ‬بتلك‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬تتعلق‭ ‬بأمن‭ ‬وسلامة‭ ‬الوطن‭.‬

إن‭ ‬قضية‭ ‬الحبس‭ ‬الاحتياطى‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬لها،‭ ‬وجميع‭ ‬الاقتراحات‭ ‬التى‭ ‬تم‭ ‬عرضها‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬البحث‭ ‬والمناقشة،‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬أو‭ ‬الحوار‭ ‬الوطنى،‭ ‬اقتراحات‭ ‬موضوعية‭ ‬ومقبولة‭ ‬شكلًا،‭ ‬ولكننى‭ ‬أرى‭ ‬ضرورة‭ ‬التريث‭ ‬والتأنى‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموضوع،‭ ‬وإشراك‭ ‬رجال‭ ‬القضاء‭ ‬والنيابة‭ ‬العامة‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المناقشات‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬الدوافع‭ ‬والمبررات‭ ‬التى‭ ‬تجعلهم‭ ‬يتخذون‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬الاحترازى،‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬والتهديدات‭ ‬والمؤامرات‭ ‬التى‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬البلاد‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬

هذه‭ ‬وجهة‭ ‬نظرى،‭ ‬لعلها‭ ‬تكون‭ ‬قابلة‭ ‬للحوار‭ ‬والمناقشة‭.‬