الحبس الاحتياطى.. ما له وما عليه
كثر الحديث مؤخرًا عن إشكالية قضية الحبس الاحتياطى ومناقشتها فى مجلس النواب وفى الحوار الوطنى، بحسبانها قضية تتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان.. والواقع أن هناك إرادة سياسية حقيقية لإنفاذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، لتأمين المزيد من الحريات والحقوق للمواطن، وهو الأمر الذى يستلزم إعادة النظر فى بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية، والتى تتناول الحبس الاحتياطى والفترات الزمنية التى يمكن فيها التحفظ على المتهم لحين الانتهاء من إجراءات التحقيق وصدور حكم نهائى بشأنه.
الحبس الاحتياطى هو إجراء احترازى يتم حيال المتهمين فى القضايا التى تمثل جنحًا أو جنايات، حيث يتم احتجازه لفترات زمنية تختلف من قضية إلى أخرى لحين الفصل النهائى فى القضية المنظورة.. وهو إجراء يلجأ إليه قاضى التحقيقات لعدة أسباب من بينها:
- ضمان عدم هروب المتهم ومغادرة البلاد قبل موعد المحاكمة.
- حماية الأدلة ومنع المتهم من التلاعب بها، خاصة فى الجرائم التى تعتمد على الأدلة المادية.
- حماية الشهود من أى تهديدات من قبل المتهم أو إلحاق الأذى بهم.
وقد استحدث القانون رقم 145 لسنة 2006 تعديلًا لبعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية فيما يخص بدائل للحبس الاحتياطى فى الفقرة الثانية من المادة 201 إجراءات، والتى تنص على أنه يجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطى أن تصدر بدلًا منه أمرًا بأحد التدابير الاحترازية الأخرى.. وهذا يعنى أن القانون لم يقف حائلًا ضد اتخاذ تدابير أخرى غير الحبس الاحتياطى.. ولكن الواقع العملى كان يفرض استبقاء المتهم بعد استنفاد مدة حبسه الاحتياطى لأسباب مختلفة.
ومن هنا جاء اهتمام مجلس النواب، وأيضًا الحوار الوطنى، فى ضرورة إعادة النظر فى تلك المادة من قانون الإجراءات الجنائية، والبحث عن بدائل حقيقية للحبس الاحتياطى.
وقد أصدر السيد المستشار رئيس مجلس النواب توجيهاته بأن يتم عقد اجتماعات لجنة الشئون الدستورية والتشريعية خلال الإجازة البرلمانية لمناقشة تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، لتكون على رأس أجندة المجلس فور انعقاده، ومن بينها قضية الحبس الاحتياطى.
وتسير رؤية كل من مجلس النواب والحوار الوطنى على محورين:
- المحور الأول: تخفيض مدد الحبس الاحتياطى لتكون 4 أشهر فى الجنح بدلًا من 6 أشهر، وفى الجنايات 12 شهرًا بدلًا من 18 شهرًا، و18 شهرًا بدلًا من سنتين إذا كانت العقوبة المقررة فى الجريمة السجن المؤبد أو الإعدام، وأن تكون سنتين بحد أقصى فى الجرائم المنظورة أمام محكمة جنايات الدرجة الثانية أو محكمة النقض المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد بدلًا من عدم التقيد بمدد مفتوحة.. وفى هذا الإطار فإننى أرى توافقًا جمعيًا على تلك الرؤية، وأنا أؤيد ذلك مع وجود تحفظ وحيد فى الجرائم الإرهابية أو الجرائم التى تمس الأمن القومى للبلاد مثل التجسس والتخريب، حيث أرى عدم التقيد بفترة زمنية محددة إما لصعوبة الحصول على أدلة إدانة كافية، أو لكون مرتكب الجريمة من العناصر الإرهابية التى تسعى للإخلال بأمن الوطن وسلامة أراضيه.
- أما المحور الثانى، فهو يتناول البحث عن بدائل لفكرة الحبس الاحتياطى ومن بينها: إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه مع الرقابة عليه عبر الأسورة الإلكترونية وحظر ارتياده أماكن محددة وألا يكون هناك حبس احتياطى إلا بناء على حكم، وألا يصدر قرار بتوقيف المفرج عنه بعد استنفاد مدة الحبس الاحتياطى بدعوى توقيفه على ذمة قضايا أخرى.
وهناك أصوات أخرى تطالب بأحقية الشخص المحتجز فى مراجعة القضاء لإعادة النظر فى مبررات حبسه احتياطيًا، واستخدام نظام الإفراج بكفالة أو الإقامة الجبرية لضمان حضور المتهم المحاكمة دون الحاجة إلى حبسه، والتعويض عن الحبس غير المبرر بحيث يشمل تعويضًا ماليًا مع إعادة الاعتبار الأدبى له.
وهنا أيضًا أجدنى متوافقًا مع تلك الأفكار وإمكانية تنفيذها، فيما عدا المتهمون فى قضايا إرهابية أو قضايا تتعلق بالأمن القومى المصرى تحسبًا من هروبهم بوثائق سفر مزورة خارج البلاد بمعاونة الأجهزة التى قامت بدفعهم للقيام بتلك الأعمال التى تتعلق بأمن وسلامة الوطن.
إن قضية الحبس الاحتياطى ليس من الصعب إيجاد حلول لها، وجميع الاقتراحات التى تم عرضها على مائدة البحث والمناقشة، سواء فى مجلس النواب أو الحوار الوطنى، اقتراحات موضوعية ومقبولة شكلًا، ولكننى أرى ضرورة التريث والتأنى من حيث الموضوع، وإشراك رجال القضاء والنيابة العامة فى تلك المناقشات للوقوف على الدوافع والمبررات التى تجعلهم يتخذون هذا الإجراء الاحترازى، خاصة فى ظل الأوضاع والتهديدات والمؤامرات التى تتعرض لها البلاد سواء من الداخل أو من الخارج.
هذه وجهة نظرى، لعلها تكون قابلة للحوار والمناقشة.