رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفاءلوا.. بالأرقام

في حياتنا الخاصة، نلجأ إلى التفاؤل ونعتمد على الله لنعطي للحياة طعمًا يفتح لنا أبواب الأمل. لكن في الاقتصاد، تفتح أبواب الأمل بالأرقام والمعادلات الرياضية فقط. اقتصاد الدول لا يعرف الدعوات ولا التواكل، ولا حتى الأمنيات، فقط هي المعطيات والمؤشرات الاقتصادية التي تدعو إما للقلق ثم الحذر، أو تعطي الأمل وتدعو للتفاؤل.

ونحن ولله الحمد في أمورنا الاقتصادية وصلنا لمرحلة الأمل والتفاؤل، الذي وصلنا إليه بما لدينا من أرقام تعلنها المصادر والمؤسسات المالية الرسمية. مصدر رفيع بالبنك المركزي أعلن بالأمس عن نمو هائل في تدفقات النقد الأجنبي للسوق المحلية ليسجل زيادة بنحو 200% في الفترة السابقة، أي منذ صدور قرار تحرير سعر الصرف بنهاية شهر مارس الماضي وحتى الآن. فماذا يعني ذلك؟

دراسة مهمة أجراها الباحث هاني الدمرداش بكلية الاقتصاد جامعة طنطا أكد فيها أن كل زيادة بنسبة 1% من تحويلات العاملين في الخارج تؤثر إيجابيًا في الاستثمار بنسبة 0.13% في الأجل الطويل و0.11% في الأجل القصير. وتشير الدراسة إلى أن الزيادة في تحويلات العاملين تحقق زيادة في التطور المالي الذي يؤدي إلى زيادة حجم الاستثمار بـ0.33% في الأجل القصير و0.39% في الأجل الطويل على الترتيب.

وهنا وجب التأكيد أن تحويلات المصريين في الخارج تلعب دورًا محوريًا وركنًا أساسيًا في الاقتصاد المصري، يزيد من تلك القيمة احتلال مصر المرتبة الأولى على مستوى إفريقيا والعالم العربي والخامسة عالميًا من حيث إجمالي قيمة تحويلات المواطنين المقيمين في الخارج.

تشكل تحويلات المصريين في الخارج قرابة 22% من التدفقات النقدية الأجنبية لمصر في 2022-2023، رغم انخفاضها لظروف نعلمها جميعًا مثل تأثير الحرب الأوكرانية وما تلاها من أزمات اقتصادية عالمية، إلى جانب ارتباك سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية طوال العام الماضي.

يزيد من تفاؤلنا ما أشار إليه مصدر المعلومات بالبنك المركزي الذي أكد أن زيادة تحويلات المصريين بالخارج شهدت نموًا بمعدل 106% مقارنة بمستويات ما قبل توحيد سعر الصرف، وهو ما يعني نجاح خطة تحرير سعر الصرف رغم تحفظنا على منهج التحرير بشكل عام، ولكنها الضرورات الاقتصادية.

وتؤكد لغة الأرقام وفقًا للمصادر الاقتصادية الرسمية أن قرار ضبط سوق الصرف الأجنبية ساهم بالعديد من النتائج الإيجابية، في مقدمتها تحسن صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي لتسجل فائضًا قدره 10.3 مليار دولار في يونيو 2024 ارتفاعًا من سالب 11.4 مليار في يناير 2024. وصافي الأصول الأجنبية للبنوك شهد أيضًا تحسنًا ملحوظًا ليسجل 4.6 مليار دولار في مايو 2024 ارتفاعًا من سالب 17.6 مليار دولار.

كل ما سبق يعني شيئًا واحدًا، وهو أن نتفاءل بما هو قادم، وأن تحسنًا في مستويات المعيشة لا بد أن نشعر به جميعًا. فقد سبق وعانينا جميعًا من ارتفاع في نسب التضخم وعدم السيطرة على الأسواق نتيجة نقص في العملات الأجنبية وانخفاض في سعر الجنيه. ونعرف أننا دفعنا ثمنًا باهظًا في سبيل الإصلاح الاقتصادي، لكن أن نرى بارقة أمل، فهذه مرحلة انتظرناها طويلًا وعلينا أن نسعد بها ونبشر بها أيضًا.