23 يوليو و30 يونيو.. مصر بين التطهير والتغيير
في الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 استيقظت مصر على صوت الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي أعلن عبر أثير الراديو نبأ عاجلًا عُرف باسم بيان الثورة. اعتُبر هذا البيان بداية جديدة لمرحلة من التطهير والقضاء على الرشوة والمحسوبية، ونهاية عهد ملكي ظالم.
ثار ضباط أحرار من داخل الجيش، طهروا أنفسهم، حسبما اشتمل بيان الثورة المجيدة، والذي اعتبر أن هذه الثورة جاءت انتصارًا لرغبة المصريين وتغييرًا في مسار الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كانت بداية لعهد جمهوري جديد، الحاكم مصري والمحكوم مصري، يحددون جميعهم مصلحة الوطن ويستهدفون تنميته والدفاع عن أراضيه.
لم تكن ثورة 23 يوليو 1952 حركة استعراض للقوة أو التربح، بل كانت نابعة من أشخاص عانوا من ضياع هيبة بلدهم وتراجع تصنيف جيشهم ومعداتهم. قرروا تغيير المسار وإنهاء فترة الظلم والتابعية لسيطرة دول أجنبية على خيرات بلادهم. جاءت ثورة يوليو لاستعادة البلد واسترداد الكرامة والعزة، والقضاء على السخرة والعمل بلا أجر، لتدخل مصر عصرًا جديدًا من الديمقراطية والجمهورية القائمة على قانون ودستور يراعي كافة الحقوق ويحفظ الواجبات.
إنها بداية التطهير التي انطلقت من داخل صفوف الجيش، الذي كان يعاني من التبعية للإنجليز حسب مصلحة الملك، والذي تورط في حرب فلسطين التي راح ضحيتها جنود مصريون لا ذنب لهم سوى تنفيذ أوامر الحاكم الإنجليزي. من هنا جاءت ثورة الضباط الأحرار، التي دُبرت بعقل وقلب، بعقل رأى أن البلاد تنحدر من سيئ إلى أسوأ، وقلب ينزف دمًا على ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية.
وما بين يوليو 1952 و30 يونيو 2013، جرت مياه كثيرة في نهر السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية. لم تختلف معطيات 30 يونيو عن مؤشرات الضباط الأحرار في 1952، حيث انتفض الجيش من جديد لأجل التغيير. فإذا اعتبرنا أن ثورة يوليو جاءت لتطهير البلاد من الرشوة والفساد والمحسوبية، فإن ثورة 30 يونيو جاءت للتغيير والتطهير معًا. تغيير أشخاص خدعوا المصريين واستنزفوا موارد البلاد وكادوا أن يبيعوها وفق أهوائهم، مثلما فعلت الملكية الأولى في عهد فاروق الأول.
كان قرار الجيش حكيمًا وسيناريو يعيد نفسه من جديد حينما تولى الجيش الأمر برمته وقام بثورة التغيير والتطهير بعد أن فوض الشعب قيادته. قاد الجيش الثورة بمباركة شعبية استطاعت أن تعيد لمصر هويتها وتغير واجهتها التي تلوثت وتلونت وفق أجندات خارجية.
القاسم المشترك بين الثورتين هو فكرة التطهير والتغيير والتخلص من الفاسدين. كانت الأحلام والأفكار واحدة، وهي استعادة وطن والحفاظ على هويته.