أهالى قطاع شمال غزة للعالم: أنقِذوا أطفالنا.. الاحتلال الإسرائيلى يقتلنا بدم بارد.. ولن نترك أرضنا بأى ثمن
دخلت حرب الإبادة الإسرائيلية على سكان قطاع غزة شهرها التاسع، واستخدم فيها الاحتلال كل الوسائل المشروعة والمحرمة لإبادة السكان دون تفريق بين مدنى وعسكرى، واستهدفت قواته المدارس ومراكز الإيواء والمستشفيات والأحياء السكنية وهدمتها فوق رءوس قاطنيها، ولم تكتف بحرق غزة وسكانها ولكنها أحكمت الحصار وبدأت حرب تجويع خاصة فى الشمال، لإجبار السكان على النزوح إلى الجنوب والتخلى عن الأرض، ليتسنى لإسرائيل إعادة احتلالها أو إخلائها من السكان واستخدامها كفاصل أمنى بين المستوطنات وقطاع غزة، مع تقليص مساحة القطاع.
ويعيش أهالى قطاع غزة أوضاعًا مأساوية فى مختلف الجهات، ولكنها تتضاعف أكثر فى الشمال، حيث يقاوم السكان ويرفضون النزوح إلى الجنوب رغم الغارات والتجويع وانتشار الأمراض والأوبئة، وغياب السلع الأساسية والأدوية والوقود، وارتقاء عشرات الآلاف من الشهداء، وسقوط آلاف الجرحى، بخلاف آلاف المفقودين.
وتصر إسرائيل على منع دخول المساعدات من المعابر البرية، وإن كانت تغض الطرف عن النذر اليسير من المساعدات التى تصل إلى سكان غزة بطريق الإنزال الجوى، حتى يتسنى لها تبرير موقفها أمام العالم والرد على اتهامات التجويع المتعمد للمدنيين فى غزة.
وتواصلت «الدستور» مع عدد من سكان الشمال الصامدين، لرصد معاناتهم وأوضاعهم المأساوية ونقل مناشداتهم إلى العالم، لإنقاذ نحو ٧٠٠ ألف مواطن لا يزالون متمسكين بحقهم المشروع فى البقاء على أرضهم والعيش بسلام.
رزق أبوالعيش: سوء التغذية والتجويع وتفشى الأمراض جزء من حرب بيولوجية لإبادتنا
أكد الدكتور رزق أبوالعيش، من شمال غزة، أن الاحتلال ومنذ السابع من أكتوبر الماضى، يشن حرب إبادة جماعية وتهجير ضد سكان قطاع غزة، واستخدم كل الأسلحة ولجأ إلى جميع الوسائل التى تحقق له أهدافه من خلال طائراته وصواريخه وقذائفه المحرمة دوليًا، التى تزوده بها شركات كبرى فى دول تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان ليل نهار، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وأستراليا.
وأضاف: «هذا الشكل من الحرب العنيفة رافقه شكل آخر يتمثل فى حرب التجويع المستخدمة منذ اليوم الأول وحتى اللحظة الراهنة، خاصة فى مدينة غزة وشمالها، حيث يقاوم نحو ٧٠٠ ألف مواطن ويعيشون حياتهم تحت القصف والترويع والتجويع، وشاهدوا واختبروا بأنفسهم إبادة البشر والحجر والشجر».
وتابع: «استخدم الاحتلال أسلوب التجويع من خلال منع دخول أى مواد غذائية أو وسائل مستخدمة فى إعداد الطعام إلى القطاع، فاختفى الدقيق وكل السلع الأخرى من الأسواق، مثل الخضروات والفواكه واللحوم والأجبان وحليب الأطفال، فاضطر الناس إلى تناول أعلاف الطيور والحيوانات». واستطرد: «أعتقد أن ممارسات إسرائيل وتعمدها تجويع سكان غزة يجرى وفق مخططات مدروسة ولا أستبعد أنها تخضع سكان غزة لتجارب علمية محرمة، لأن اعتماد الإنسان على الطعام المعلب يجب ألا يتجاوز فترة الأربعين يومًا، بينما نأكله منذ أكثر من ٩ أشهر، وأعتقد أن هذا السلوك التغذوى ستعقبه آثار صحية كارثية ستظهر فى المستقبل القريب على ما تبقى من سكان غزة».
وقال «أبوالعيش» إنه رصد بالفعل جانبًا من الآثار السلبية لسوء التغذية مثل بطء الحركة والكلام، والانخفاض الشديد فى الوزن، وانتشار الأمراض، وضعف المناعة، وضعف البصر، وانتشار الهزال.
وعن الوضع الصحى للأطفال، أوضح أن مرض الالتهاب الوبائى والنزلات المعوية وتأخر النمو أبرز المظاهر السلبية التى تعكس حجم المعاناة والضرر الذى أصاب الأطفال بسبب سوء التغذية.
وأكد «أبوالعيش» أن تدهور الأوضاع الصحية فى القطاع جزء من حرب بيولوجية، وهدف رئيسى يسعى الاحتلال إلى تحقيقه بأى ثمن، خاصة ضد من صمدوا فى الشمال، ورفضوا النزوح إلى الجنوب، مناشدًا العالم بأكمله وجميع مؤسسات حقوق الإنسان و«أونروا» بالتدخل السريع لإنقاذ ما تبقى من السكان فى شمال غزة.
خليل رزق: أكلنا علف الحيوانات وأطفالى يبكون كل ليلة بسبب الجوع.. وفقدت مصدر رزقى منذ اندلاع الحرب
ناشد عادل خليل رزق، من سكان شمال قطاع غزة، جميع الجهات العربية والإسلامية والدولية التحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى من سكان مدينة غزة وشمالها، وإنهاء المجاعة التى تحاصرهم منذ بداية الحرب.
وقال: «لم يدخل لشمال غزة أى نوع من السلع الأساسية أو الخضروات كالطماطم والبصل وغيرهما أو البيض والحليب ومشتقاته والبقوليات مثل الأرز والعدس، أو السكر، واللحوم بجميع أنواعها البيضاء والحمراء، والفواكه، والمحروقات بجميع أنواعها، ونطهو الطعام بطرق بدائية جدًا لأنه لا يوجد أى وقود لدينا».
وأضاف: «فى بداية المجاعة أكلنا علف الطيور والحيوانات وأوراق الشجر، وما زلنا نعانى من الجوع بسبب إغلاق المعابر الرئيسية ومنع إدخال البضائع، علمًا بأن مناطق الجنوب يتوافر فيها كل شىء وكأن إسرائيل تعاقب أهل مدينة غزة وشمالها بسبب عدم نزوحهم من بيوتهم وصمودهم أمام هذه الإبادة الجماعية فى قطاع غزة ككل».
وأشار «رزق» إلى معاناة سكان الشمال من سوء التغذية وانتشار الأوبئة والأمراض كفقر الدم والكوليرا والكبد الوبائى والإسهال، لافتًا إلى أن والديه من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة ويحتاجان إلى غذاء ودواء يوميًا، رغم أنه لا توجد أدوية متوافرة للأمراض المزمنة كالضغط والسكر، موضحًا أن أطفاله يعانون أيضًا من سوء التغذية ويبكون فى الليل بسبب عدم وجود الطعام.
وتابع: «كنت أعمل قبل الحرب، وحاليًا أنا عاطل عن العمل ولا أستطيع أن ألبى احتياجات عائلتى بسبب الغلاء الفاحش، وأعانى من فقدان الوزن حيث كان وزنى ٩٥ كيلوجرامًا، واليوم بسبب المجاعة أصبح وزنى ٧٠ كيلوجرامًا».
وطالب الدول العربية، وعلى رأسها مصر، والإمارات، والأردن، بزيادة المساعدات وتقديم يد العون إلى مدينة غزة وشمالها، مثمنًا ما قدمته هذه الدول عبر الإنزال الجوى للمساعدات فى الفترة السابقة، مناشدًا تكثيف المساعدات ووقف الحرب الشرسة والإبادة الجماعية لإنقاذ ما تبقى من سكان شمال مدينة غزة.
عبدالله ثابت: رأينا الموت فى كل لحظة بجباليا.. ونزحت مع أسرتى 3 مرات هربًا من المجاعة والقصف العشوائى
قال عبدالله ثابت، مهندس معمارى، وناج من مذبحة جوع وعطش مخيم جباليا، إنه استيقظ مع باقى سكان غزة يوم السابع من أكتوبر الماضى على كم هائل من صواريخ المقاومة التى أطلقت فى توقيت واحد.
وأضاف: «لا أبالغ إن قلت إن معظم مخيم جباليا كان فى الشارع فى هذه اللحظات والنسوة كُن على أسطح المنازل وخلف الشبابيك يترقبن أى خبر يطفئ نار سؤال الاندهاش الذى اجتاح تفكير الجميع، هل بدأت إسرائيل حربًا كونية على غزة، حتى تطلق المقاومة هذه الكمية من الصواريخ، ولكن بعد قليل هدأت كل التساؤلات بعد أن بدأت تتوارد الأخبار على الإنترنت وعلى القنوات الإخبارية، وعرفنا بما حدث فى عملية طوفان الأقصى».
وتابع: «ضرب مخيم جباليا أروع صور البطولة فى الحرب، وفى ذلك اليوم كنت أستعد للذهاب إلى عملى وحدث ما حدث، ووقتها كل ما كنت أفكر فيه هو والدتى، لأنها مريضة بجلطة دماغية منذ عامين وسبب هذا المرض هو ضغط الدم المرتفع، ويجب ألا تتعرض لأى سبب يرفع ضغط دمها مرة أخرى، مع تناول الدواء فى ميعاده».
واستطرد: «بدأت الأحداث تتصاعد وتأكدنا من اندلاع الحرب، وبدأنا كل يوم نرى الموت فى كل زقاق من أزقة المخيم نتيجة القصف الإسرائيلى الهمجى، فتارة نهرب من بيتنا لأن الاستهداف قريب محاولين النجاة، ممسكًا يد أمى مرددين آيات من القرآن الكريم، وتارة أخرى محاولًا تهدئة أسرتى بسبب أصوات الانفجارات والغارات، ونجحت فى هذه المرحلة بصورة ممتازة واستطعت السيطرة على مخاوفى ومخاوف أسرتى».
وأضاف «ثابت» أنه عقب تلك المرحلة أتت المرحلة الثانية والتى لم يستطع مجاراتها وهى مرحلة التجويع ونقص الدواء بعد صمود ٢١ يومًا فى مخيم جباليا.
وقال: «بدأت السلع تفرغ من الأسواق ومن المحلات التجارية، وكنت فى كل مرة أستطيع الحصول على دواء والدتى، وكأنى استطعت أن أحرر فلسطين من بحرها إلى نهرها، ولكن الجوع والعطش بدآ يتسللان إلى أسرتى فبدأت أرى مناظر الشحوب تظهر على وجه والدى السبعينى وكذلك الإجهاد الشديد على وجه والدتى وإخوتى، وأخيرًا اخترنا أن نخرج من المخيم للحفاظ على أرواحنا فخرجنا فى المرة الأولى إلى محافظة غزة، لدى أصدقاء لنا، ووجدنا حالهم مثل حالنا بل هم يزيدون سوءًا، ومن ثم بدأنا رحلة النزوح الثانية التى كانت للنصيرات لدى أقاربنا وتلتها رحلة ثالثة حالية إلى محافظة دير البلح، ونأمل من الله أن تكون الأخيرة».