رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بزشكيان: رسالتى للعالم الجديد

فى أول ظهور سياسى إعلامى، كتب الرئيس الإيرانى المنتخب مسعود بزشكيان، مقالة نشرت فى صحيفة «طهران نيوز»، وضع لها ملامح تبدأ من العنوان: [ رسالتى للعالم الجديد]... وفى الرسالة- المقالة، التى نشرت اليوم 12 يوليو 2024، بدأ بزشكيان من ما جرى فى 19 مايو/2024، عندما أدى رحيل الرئيس إبراهيم رئيسى - وهو موظف عام يحظى بالاحترام والتفانى - فى حادث تحطم مروحية مأساوى إلى إجراء انتخابات مبكرة فى إيران، مما شكل لحظة محورية فى تاريخ أمتنا.

 

وقال أيضا: فى خضم الحرب والاضطرابات التى تشهدها منطقتنا، أظهر النظام السياسى فى إيران استقرارًا ملحوظًا من خلال إجراء الانتخابات بطريقة تنافسية وسلمية ومنظمة، الأمر الذى دحض التلميحات التى أطلقها بعض «خبراء الشئون الإيرانية» فى بعض الحكومات... وعاين الرئيس الإيرانى، الأوضاع الداخلية فى بلاده بالقول: هذا الاستقرار، والطريقة الكريمة التى أجريت بها الانتخابات، على فطنة مرشدنا الأعلى آية الله خامنئى، وتفانى شعبنا فى الانتقال الديمقراطى للسلطة حتى فى مواجهة الشدائد.. لافتا إلى أنه:

 

ترشحت لمنصبى على أساس برنامج الإصلاح، وتعزيز الوحدة الوطنية، والمشاركة البناءة مع العالم، وفى نهاية المطاف اكتسبت ثقة مواطنى فى صناديق الاقتراع، بما فى ذلك هؤلاء الشباب والفتيات غير الراضين عن الوضع العام. وأنا أقدر ثقتهم بشدة وألتزم تمامًا بتنمية الإجماع، سواء على المستوى المحلى أو الدولى، للحفاظ على الوعود التى قطعتها خلال حملتى. 
* داخل ايران يكتب بزشكيان، أن: إدارته سوف تسترشد بالالتزام بالحفاظ على كرامة إيران الوطنية ومكانتها الدولية فى كل الظروف. وتستند السياسة الخارجية الإيرانية إلى مبادئ الكرامة «والحكمة»، وتقع مسئولية صياغة وتنفيذ هذه السياسة على عاتق الرئيس والحكومة.

 

وأنا أنوى الاستفادة من كل السلطات الممنوحة لمنصبى لتحقيق هذا الهدف الشامل. وعلى هذا الأساس، ستواصل إدارتى انتهاج سياسة تعتمد على اغتنام الفرص من خلال خلق التوازن فى العلاقات مع كل البلدان، بما يتفق مع مصالحنا الوطنية، والتنمية الاقتصادية، ومتطلبات السلام والأمن الإقليمى والعالمى. وعلى هذا فإننا نرحب بالجهود الصادقة الرامية إلى تخفيف حدة التوترات، وسنرد بالمثل على حسن النية. 
* تعزيز العلاقات مع جيراننا. يرنو الرئيس الإيرانى، وسط صراعات أزمات وحروب العالم والمنطقة إلى القول أنه: فى ظل إدارتى، سنضع تعزيز العلاقات مع جيراننا على رأس أولوياتنا.

 

وسنعمل على إرساء أسس «منطقة قوية» بدلًا من منطقة تسعى فيها دولة واحدة إلى فرض هيمنتها وسيطرتها على الدول الأخرى.
ومما جاد حول ذلك فى مقالته: أن الدول المجاورة والشقيقة لا ينبغى لها أن تهدر مواردها الثمينة فى منافسات تآكلية، أو سباقات تسلح، أو احتواء بعضها بعضًا دون مبرر. وبدلًا من ذلك، سنسعى إلى خلق بيئة حيث يمكن تخصيص مواردنا لتحقيق التقدم والتنمية فى المنطقة لصالح الجميع. 
* خارج ايران. يضع بزشكيان، ما يبدو مرحلة من تحديد جيوسياسية أمنية واقتصادية موسعة، تحدد العلاقات الإيرانية مع العالم، خارج إيران، وعبر عن ذلك فى أطر منها:

 

* الإطار الأول: إننا نتطلع إلى التعاون مع تركيا والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والعراق والبحرين وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة والمنظمات الإقليمية لتعميق علاقاتنا الاقتصادية، وتعزيز العلاقات التجارية، وتعزيز الاستثمار المشترك، ومعالجة التحديات المشتركة. 
* الإطار الثاني: المضى قدمًا نحو إنشاء إطار إقليمى للحوار وبناء الثقة والتنمية، لقد عانت منطقتنا لفترة طويلة من الحروب والصراعات الطائفية والإرهاب والتطرف والاتجار بالمخدرات وندرة المياه وأزمات اللاجئين والتدهور البيئى والتدخل الأجنبي.

 

لقد حان الوقت لمعالجة هذه التحديات المشتركة لصالح الأجيال القادمة. وسيكون التعاون من أجل التنمية والازدهار الإقليميين المبدأ التوجيهى لسياستنا الخارجية. 
* الإطار الثالث: باعتبارنا أممًا تتمتع بموارد وفيرة وتقاليد مشتركة متجذرة فى التعاليم الإسلامية السلمية، فيتعين علينا أن نتحد ونعتمد على قوة المنطق وليس منطق القوة. ومن خلال الاستفادة من نفوذنا المعيارى، يمكننا أن نلعب دورًا حاسمًا فى النظام العالمى الناشئ بعد القطبية من خلال تعزيز السلام، وخلق بيئة هادئة مواتية للتنمية المستدامة، وتعزيز الحوار، وتبديد معاداة الإسلام. وإيران مستعدة للقيام بنصيبها العادل فى هذا الصدد...

 

وكتب يوضح مسارات تاريخية تتعلق الإطار الثالث وقال: فى عام 1979، وفى أعقاب الثورة، قطعت جمهورية إيران الإسلامية التى تأسست حديثًا، بدافع من احترام القانون الدولى وحقوق الإنسان الأساسية، علاقاتها بنظامين للفصل العنصرى، إسرائيل وجنوب إفريقيا. ولا تزال إسرائيل نظامًا للفصل العنصرى حتى يومنا هذا، وهى تضيف الآن «الإبادة الجماعية» إلى سجلها الذى شابه بالفعل الاحتلال وجرائم الحرب والتطهير العرقى وبناء المستوطنات وحيازة الأسلحة النووية والضم غير القانونى والعدوان على جيرانها.
* الإطار الرابع: كإجراء أولى، ستحث إدارتى الدول العربية المجاورة لنا على التعاون والاستفادة من كل الوسائل السياسية والدبلوماسية لإعطاء الأولوية لتحقيق وقف إطلاق نار دائم فى غزة بهدف وقف المذبحة ومنع اتساع الصراع.

 

ويجب علينا بعد ذلك أن نعمل بجد لإنهاء الاحتلال المطول الذى دمر حياة أربعة أجيال من الفلسطينيين. وفى هذا السياق، أود أن أؤكد على أن جميع الدول ملزمة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الإبادة الجماعية؛ وليس مكافأتها من خلال تطبيع العلاقات مع مرتكبيها.

 

اليوم، يبدو أن العديد من الشباب فى الدول الغربية قد أدركوا صحة موقفنا المستمر منذ عقود من الزمن تجاه النظام الإسرائيلي. أود أن أغتنم هذه الفرصة لأقول لهذا الجيل الشجاع إننا نعتبر مزاعم معاداة السامية ضد إيران بسبب موقفها المبدئى من القضية الفلسطينية ليست فقط كاذبة بشكل واضح بل إنها أيضًا إهانة لثقافتنا ومعتقداتنا وقيمنا الأساسية. اطمئنوا أن هذه الاتهامات سخيفة مثل الادعاءات الظالمة بمعاداة السامية الموجهة إليكم بينما تحتجون فى الحرم الجامعى للدفاع عن حق الفلسطينيين فى الحياة.
* الإطار الخامس: وقفت الصين وروسيا إلى جانبنا باستمرار خلال الأوقات الصعبة.

 

ونحن نقدر هذه الصداقة بشدة. وتمثل خريطة الطريق التى أبرمناها مع الصين على مدى 25 عامًا معلمًا مهمًا نحو إقامة «شراكة استراتيجية شاملة» مفيدة للطرفين، ونتطلع إلى التعاون على نطاق أوسع مع بكين مع تقدمنا ​​نحو نظام عالمى جديد. وفى عام 2023، لعبت الصين دورًا محوريًا فى تسهيل تطبيع علاقاتنا مع المملكة العربية السعودية، حيث أظهرت رؤيتها البناءة ونهجها الاستشرافى للشئون الدولية. إن روسيا حليف استراتيجى وجار مهم لإيران، وستظل إدارتى ملتزمة بتوسيع وتعزيز تعاوننا.

 

ونحن نسعى جاهدين لتحقيق السلام لشعبى روسيا وأوكرانيا، وستكون حكومتى مستعدة لدعم المبادرات الرامية إلى تحقيق هذا الهدف. وسأواصل إعطاء الأولوية للتعاون الثنائى والمتعدد الأطراف مع روسيا، وخاصة فى أطر مثل مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاى للتعاون والاتحاد الاقتصادى الأوراسي. 
* الإطار السادس: أن المشهد العالمى قد تطور إلى ما هو أبعد من الديناميكيات التقليدية، ملتزمة بتعزيز العلاقات ذات المنفعة المتبادلة مع اللاعبين الدوليين الناشئين فى الجنوب العالمى، وخاصة مع الدول الإفريقية.

 

وسوف نسعى جاهدين لتعزيز جهودنا التعاونية وتعزيز شراكاتنا من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة لجميع الأطراف المعنية.. وفى ذلك يؤكد الرئيس الإيرانى، إن العلاقات بين إيران وأميركا اللاتينية راسخة وسوف يتم الحفاظ عليها وتعميقها بشكل وثيق لتعزيز التنمية والحوار والتعاون فى كل المجالات. وهناك إمكانات أكبر بكثير للتعاون بين إيران ودول أمريكا اللاتينية مقارنة بما يتم تحقيقه حاليًا،

 

* الإطار السابع: لقد شهدت علاقات إيران مع أوروبا صعودا وهبوطا. فبعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة فى مايو 2018، قدمت الدول الأوروبية أحد عشر التزاما لإيران لمحاولة إنقاذ الاتفاق وتخفيف تأثير العقوبات غير القانونية والأحادية الجانب التى تفرضها الولايات المتحدة على اقتصادنا.

 

وتضمنت هذه الالتزامات ضمان المعاملات المصرفية الفعالة، والحماية الفعالة للشركات من العقوبات الأمريكية، وتعزيز الاستثمارات فى إيران. وقد تراجعت الدول الأوروبية عن كل هذه الالتزامات، ومع ذلك تتوقع بشكل غير معقول أن تفى إيران من جانب واحد بجميع التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. 
ويرى بزشكيان، فى جوانب الإطار أنه: على الرغم من هذه الخطوات الخاطئة، فإننى أتطلع إلى الانخراط فى حوار بناء مع الدول الأوروبية لوضع علاقاتنا على المسار الصحيح، استنادًا إلى مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة.

 

وينبغى للدول الأوروبية أن تدرك أن الإيرانيين شعب فخور لا يمكن التغاضى عن حقوقه وكرامته بعد الآن. وهناك العديد من مجالات التعاون التى يمكن لإيران وأوروبا استكشافها بمجرد أن تتقبل القوى الأوروبية هذا الواقع وتضع جانبًا التفوق الأخلاقى المتعالى إلى جانب الأزمات المصطنعة التى ابتليت بها علاقاتنا لفترة طويلة. وتشمل فرص التعاون التعاون الاقتصادى والتكنولوجى، وأمن الطاقة، وطرق العبور، والبيئة، فضلًا عن مكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات، وأزمات اللاجئين، وغيرها من المجالات، والتى يمكن متابعتها جميعها لصالح بلدينا.

 

* الإطار الثامن: يتعين على الولايات المتحدة أن تعترف بالواقع وتفهم، مرة واحدة وإلى الأبد، أن إيران لا تستجيب للضغوط ولن تستجيب لها.. هكذا كتب بزشكيان، نصا، تابع القول فيه: لقد دخلنا فى خطة العمل الشاملة المشتركة فى عام 2015 بحسن نية والوفاء بالتزاماتنا بالكامل. لكن الولايات المتحدة انسحبت بشكل غير قانونى من الاتفاق بدافع من الخلافات الداخلية والانتقام، مما ألحق أضرارًا بمئات المليارات من الدولارات باقتصادنا، وتسبب فى معاناة لا توصف وموت ودمار للشعب الإيرانى - وخاصة خلال جائحة كوفيد - من خلال فرض عقوبات أحادية الجانب خارج الحدود الإقليمية...

 

وقال، عبر رسالته إلى العالم: اختارت الولايات المتحدة عمدًا تصعيد الأعمال العدائية ليس فقط من خلال شن حرب اقتصادية ضد إيران ولكن أيضًا الانخراط فى إرهاب الدولة باغتيال الجنرال قاسم سليمانى، بطل مكافحة الإرهاب العالمى المعروف بنجاحه فى إنقاذ شعوب منطقتنا من ويلات داعش والجماعات الإرهابية الشرسة الأخرى. واليوم، يشهد العالم العواقب الضارة لهذا الاختيار...

 

وأضاف تقييم، يحمل رؤية الدولة الإيرانية: إن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لم يفوتوا فرصة تاريخية لتقليص التوترات وإدارتها فى المنطقة والعالم فحسب، بل عملوا أيضًا على تقويض معاهدة منع الانتشار النووى بشكل خطير من خلال إظهار أن تكاليف الالتزام بمبادئ نظام منع الانتشار النووى قد تفوق الفوائد التى قد يقدمها.

 

والواقع أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين أساءوا استخدام نظام منع الانتشار النووى لفبركة أزمة تتعلق بالبرنامج النووى السلمى الإيرانى، وهو ما يتناقض علنًا مع تقييمهم الاستخباراتى الخاص واستخدامه للحفاظ على الضغوط المستمرة على شعبنا، فى حين ساهموا بنشاط فى دعم الأسلحة النووية التى تمتلكها إسرائيل، وهى دولة تمارس نظام الفصل العنصرى، وهى دولة معتدية قهرية، وعضو غير منضم إلى معاهدة منع الانتشار النووى، ومالك معروف لترسانة نووية غير مشروعة.

 

* الإطار التاسع: فى هذا الإطار من رسالة بزشكيان، رؤية سياسية وأمنية حول ما أطلق عليه مصطلح: «العقيدة الدفاعية الإيرانية»، داعيا إلى فهم بعض الأسس حول سعى إيران نحو القوة النووية، وقال: إن العقيدة الدفاعية الإيرانية لا تتضمن الأسلحة النووية، وحث الولايات المتحدة على التعلم من أخطاء الماضى وتعديل سياستها وفقًا لذلك. ويتعين على صناع القرار فى واشنطن أن يدركوا أن السياسة التى تقوم على تحريض الدول الإقليمية ضد بعضها البعض لم تنجح ولن تنجح فى المستقبل.

 

ويتعين عليهم أن يتصالحوا مع هذا الواقع ويتجنبوا تفاقم التوترات الحالية. 
* الإطار العاشر: لقد أوكل إليّ الشعب الإيرانى، يكتب بزشكيان؛ تفويضًا قويًا لمواصلة المشاركة البناءة على الساحة الدولية مع الإصرار على حقوقنا وكرامتنا ودورنا المستحق فى المنطقة والعالم. وأود أن أوجه دعوة مفتوحة إلى أولئك الراغبين فى الانضمام إلينا فى هذا المسعى التاريخي.
رسالة الرئيس الإيرانى تحمل عدة رؤى تجمع العمل السياسى والأمنى والاقتصادى، عدا عن تلويحة بأن الآتى، قد يكون ضمن أطر تتفق، أو تخالف واقع ما يحدث فى العالم والمجتمع الدولى، وهو، يضع أفق صعب فى طبيعة علاقات إيران مع دولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية، عدا عن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، الانحياز نحو روسيا والصين وتركيا، والانفتاح مع بعض الدول العربية فى المنطقة والإقليم.. وهناك فى الرسالة-المقال، حديث آخر.