"لا تحزن إن الله معنا" موضوع خطبة الجمعة اليوم 12 يوليو 2024
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 12 يوليو 2024م، الموافق 6 محرم 1446، والتي جاءت تحت عنوان "لا تحزن إن الله معنا".
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة على عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
نص خطبة الجمعة 12 يوليو 2024
لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
6 محرم 1446هـ – 12 يوليو 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفْنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلَّمْ وباركْ عليهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَرِسَالَةُ أَملٍ (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا) كَلِمَةُ طُمَأْنِينَةٍ وَأَمَانٍ وَتَفَاؤُلٍ، قَالَهَا سَيِّدُنَا وَنَبِيُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ لِلصَّدِّيقِ أَبِي بَكْرِ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) لَيْلَةَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَسَطَّرَهَا الْقُرْآنُ الكَرِيمُ بَاقِيَةً خَالِدَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِتَكُونَ مَنْهَجَ حَيَاةٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِه لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}، فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا، وَلَا تَيْأَسُوا؛ فَإِنْ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا، وَمَعَ الكَرْبِ فَرَجًا، وَمَعَ البَلَاءِ لُطفًا.
(لَا تَحْزَنْ) فَإِنَّمَا جَاءَ الْحُزْنُ فِي القُرْآنِ الْكَرِيمِ مَنْهِيَّا عَنْهُ، وَمَنْفِيًّا، يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا}، وَيَقُولُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}، وَيَقولُ (جَلَّ جَلَالُهُ) فِي نَفْيِ الحُزْنِ عَنْ أَهْلِ الإِيمَانِ وَالإِصْلَاح: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، وَأَخْبَرَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ أَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَحْمَدُونَهُ عَلَى نِعْمَةِ إِذْهَابِ الحَزَنِ عَنْهُمْ: {وَقَالُوا الحَمْدُ لله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور}.
(لَا تَحْزَنْ) فَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الشَّيْطَانِ أَنْ يُحْزِنَ الإِنْسَانَ لِيَقْطَعَهُ عَنْ سَيْرِهِ إِلَى رَبِّهِ (جَلَّ وَعَلَا)، وَيَحُولَ بَينَهُ وَبَيْنَ أَدَاءِ مَهَامِهِ وَالْقِيَامِ بِرِسالَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ لِأَجْلِهَا، قَالَ تَعَالَى: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا }، (لَا تَحْزَنْ) فَقَدِ اسْتَعَاذَ سَيِّدُنَا النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْحُزْنِ حَيْثُ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ).
(لَا تَحْزَنْ) وَكَيْفَ يَحْزَنُ الْمُؤْمِنُ وَهُوَ يُوقِنُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَم يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، قَالَ نَبِيُّنَا (صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ): (عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلَّا الْمُؤْمِن إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَه).
وَلمَاذَا لَا نَحْزَنُ؟ لِأَنَّ اللَّهَ مَعَنَا، مَعِيَّةُ نَصْرٍ وَتَأْييدٍ، وَعِنَايَةٍ وَحِفْظٍ، وَمَحَبَّةٍ وَتَوْفِيقٍ، وَتَسْدِيدٍ وَإلهامٍ، مَعِيَّةٌ هي تِرْيَاقُ المَهْمُومِ، وَسَلْوَةُ المَحْزُونِ، وَأُنْسُ الحَائِرِ، وَأَمَانُ الخَائِفِ، وَالعُدَّةُ فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَالحِصْنُ مِنْ سِهَامِ البَوَائِقِ وَالشُّرُورِ وَالآفَاتِ، (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فِي جَمِيعِ أَحْوَالِنَا، في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فِي الشَّدَائِدِ وَالِمِحَنِ، فِي الخُطُوبِ وَالكُرُبَاتِ.
ومَا أَجْمَلَ أن نُحَصِّلَ أَسْبَابَ المَعِيَّةِ، وَنَطْرُقَ أَبْوَابَهَا، (فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) أَخْبَرَنَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَكُونُ مَعَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ المُتَّقِينَ، المُحْسِنِينَ الصَّابِرِينَ الذَّاكِرِينَ، تَحُوطُهُمْ عِنَايَتُهُ، وَيَحْفُهُمْ بِنَصْرِهِ وَتَأْبِيدِهِ، يَأْخُذُ بِأَيْدِيهِمْ إِذَا كَبَوْا، وَيُعِينُهُم إِذا احتاجُوا، وَيَلْطُفُ بِهِمْ إِذَا خَافُوا، يَقُولُ رَبُّنَا (عَزَّ وَجَلَّ): {وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}، وَيَقُولُ (جَلَّ وَعَلَا): {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ}، وَيَقُولُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وَيَقُولُ جَلَّ وَعَلَا فِي الحَدِيثِ القُدْسِيُّ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني).
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ: (إِنَّ اللهَ مَعَنَا): فإِيمَانُ الإِنسَانِ بِمَعِيَّةِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَالقِيَامُ بِحَقِّ هَذِهِ المَعِيَّةِ مِنَ الْتِزَامِ الأَدَبِ – الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ السَّيْرِ إِلَى اللهِ تَعَالَى – يَبْعَثُ الطُّمَأْنِينَةَ وَالْأَمَانَ فِي القَلْبِ، وَالسَّكِينَةَ فِي النَّفْسِ، فَإِنَّ رَبَّ العَالَمِينَ لَطِيفٌ بِخَلْقِهِ، قَرِيبٌ لِمَنْ دَعَاهِ، وَمَنْ يَأْوِي إِلَى رَبِّهِ فَإِنَّمَا يَأْوِي إِلَى مَلِكِ المُلُوكِ وَمُدَبِّرِ الأَمْرِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَلَا خَوْفَ وَلَا حُزْنَ وَلَا يَأْسَ فِي رِحَابِ مَعِيَّةِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلله دَرُّ القَائِل:
أَعْطِ المَعِيَّةَ حَقَّهَا ** وَالْزَمْ لَهَا حُسْنَ الْأَدَبْ
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ عَبْدُهُ ** فِي كُلِّ حَالٍ وَهُوَ رَبْ
اللَّهُمَّ احْفَظْ مِصْرَنَا بِحِفْظِكَ وَأَحِطْهَا بِمَعِيَّتِكَ إِنَّكَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ