هل تتغير سياسة إيران الخارجية بوصول الإصلاحى مسعود بيزشكيان للرئاسة؟
استبعد محللون وخبراء تحدثوا لـ"الدستور"، أن تتغير السياسات الإيرانية سواء داخليًا أو خارجيًا مع وصول الإصلاحيين لحكم البلاد وسط توترات دولية وإقليمية وترقب نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية نهاية العام، وما إذا كان الرئيس السابق دونالد ترامب سيفوز بفترة ولاية جديدة أو أن يبقى الديمقراطيون في السلطة، وهو ما سينعكس على ملف العقوبات الأمريكية والغربية على إيران، وفي القلب من ذلك مفاوضات الملف النووي الإيراني.
وانتخبت إيران مسعود بيزشكيان رئيسًا لها، في انتصار غير متوقع للمعسكر الإصلاحي في البلاد وسط استياء اجتماعي عميق، وصعوبات اقتصادية، وحرب إقليمية.
وحصل بيزشكيان على 16.3 مليون صوت، بحسب التقارير التي نقلت عن السلطات المحلية، حيث شهدت انتخابات الرئاسة الإيرانية نسبة إقبال بلغت 49.8%. وأنهى منافسه سعيد جليلي، وهو مفاوض نووي يميني متشدد سابق، السباق بحصوله على 13.5 مليون صوت.
وقال الباحث في القانون الدولي كميل البوشوكة، إن كلًا من الرئيس الذي تم اختياره جديدًا بيزشكيان والمرشح الخاسر سعيد جليلي من الشخصيات الرئيسية في النظام الإيراني. ولذلك فإن النظام يعين الرئيس وفقًا للظروف الدولية، ويكون الأمر متصلًا تحديدًا بالولايات المتحدة الأمريكية.
استراتيجية النظام الإيراني
وأضاف البوشوكة لـ"الدستور"، أنه لا يستطيع أي رئيس أن يتخذ قرارًا بشأن الأجندة الاستراتيجية للنظام. وعلى سبيل المثال، في عام 2019، كان وزير الخارجية السابق جواد ظريف غاضبًا من بعض القرارات التي اتخذها النظام دون التعاون معه، فأخبره خامنئي صراحة أن الخطة الاستراتيجية لا تضعها وزارة الخارجية، بل النظام نفسه.
وتابع بقوله: الوزارات الست الرئيسية في الحكومة الإيرانية يتم تعيينها دائمًا بعد إعطاء خامنئي قراراته، مثل الخارجية والدفاع والمخابرات، والداخلية، والعدل، والاقتصاد. ويخضع قائد أركان الجيش الإيراني أيضًا لسيطرة المرشد، ويخضع الاقتصاد الإيراني، وخاصة قطاعي النفط والغاز، لسيطرة الحرس الثوري الإيراني. ومن ثم، يتعين على كلا الطرفين الإصلاحي والأصولي المتشدد في إيران اتباع الخطة الجيوسياسية للنظام.
وأشار إلى أن الناخبين في إيران معنيون بشكل أساسي ببعض الحقوق مثل الحقوق الاجتماعية والثقافية، وبالتالي، فإن كل مجموعة من الناس لديها رسالتها الخاصة ضد النظام. وعلى سبيل المثال، قامت الشعوب غير الفارسية في إيران بالتصويت لصالح بيزشكيان لأنه تركي أذري وليس فارسيًا. لذا، فإن رسالة هذه المجموعة من الناس هي في الغالب رسالة سياسية تبحث عن الهوية.
وحول الملف النووي الإيراني، يرى البوشوكة، أن أي حكومة في إيران لا تستطيع أن تتخذ قرارها بنفسها بشأن هذه القضية، لكن الحكومة يمكنها استخدام طريقتها الخاصة في التفاوض مع الغرب، وهذا يعني أن طريقة التفاوض بين بيزشكيان وجليلي تكاد تكون مختلفة.
وواصل قائلًا: إذا بقي الديمقراطيون في السلطة الأمريكية، فقد يكون ذلك حلًا مؤقتًا للقضية النووية. لكن إذا عاد ترامب إلى السلطة، فلن ينجح الحل المؤقت أبدًا وستواجه إيران عقوبات شديدة. وعلى سبيل المثال، أشار جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني السابق في عهد حسن روحاني، إلى أن بايدن منح إيران بعض الطرق للالتفاف على العقوبات، ولكن إذا عاد ترامب، فسنواجه عقوبات صارمة من قِبل الولايات المتحدة، ربما أصعب من عام 2017 إلى عام 2020.
وتوقع البوشوكة أن يتبع بيزشكيان سياسة محمد خاتمي وحسن روحاني في التواصل مع دول المنطقة. لكن بعض القضايا مثل ملف العراق وسوريا ولبنان واليمن تخضع لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، لذلك سيتم تعيين السفراء من قِبل الحرس الثوري الإيراني وليس وزارة الخارجية الإيرانية.
تصويت عقابي
وفي السياق، قال الدكتور هاني سليمان، الخبير في الشأن الإيراني، إن تصويت الشعب الإيراني لصالح مسعود بيزشكيان المرشح الإصلاحي المدعوم من قِبل الرئيس الأسبق محمد خاتمي رسالة غضب، ونوع من التصويت العقابي والانتقامي فيما يتعلق بتحركات الكتلة الرمادية للإعلان عن رفضها القاطع لسياسات النظام.
وأضاف سليمان لـ"الدستور"، أن التصويت لم يكن لصالح شخص الرئيس الجديد ولكننا أمام نمطين من التصويت؛ الأول متعلق بحالة الاستقطاب الأصولية الإصلاحية، والثاني ليس دعمًا للإصلاحيين بقدر ما هو إعلان غضب من سياسات الأصوليين الموجودة.
وتابع بقوله، إن تجاوب الشعب الإيراني مع دعوات الرئيس محمد خاتمي وتصريحات الرئيس حسن روحاني وأيضًا محمد جواد ظريف الذي كان موجودًا في الحملة الانتخابية لـ بيزشكيان، مرتبط بحالة الغضب ورغبة في معاقبة النظام القائم.
وفيما يتعلق بالحقوق والحريات في عهد الرئيس الإيراني الجديد، قال سليمان، إنه من خلال التصريحات التي أطلقتها الحملة الانتخابية لـ بيزشكيان، سنجد مجموعة من الوعود متعلقة برفع بعض القيود والإجراءات الصارمة على الحقوق والحريات، ومسألة عمل شرطة الأخلاق والأجهزة الأمنية.
ويرى سليمان أن هذه الوعود تبقى وعودًا انتخابية، لأنه في حال المضي قدمًا في تنفيذها فسيجد الرئيس الجديد نفسه في حالة صدام مع النظام المتشدد المتمثل في المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني، والأجهزة الأمنية وغيرها من المؤسسات.
ونوه سليمان بأن الملف النووي الإيراني هو الشغل الشاغل للنظام الإيراني، وقد رأينا تصريحًا سابقًا للرجل قال فيه: نمد يد الصداقة للجميع. وهي الرسالة التي انعكست على حالة الارتياح الدولي لفوز بيزشكيان بالرئاسة الإيرانية، وستكون انطلاقة مهمة لفتح قنوات للتفاوض مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومحاولة الوصول لاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ثم رفع العقوبات المفروضة على إيران.
سلطة خاضعة للمرشد
وقال المحلل السياسي الإيراني- الكردي سوران بالاني، إن فوز بيزشكيان وتأييده من البداية في مجلس صيانة الدستور الذي رفضه في انتخابات سابقة، ثم قبله هذه المرة، بأمر خامنئي هو نوع من الرغبة بأن تظهر التيارات المتشددة أو الإصلاحية على طريق واحد لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية.
وفيما يتعلق بالملف النووي، يرى "بالاني"، أن إدارة الملف النووي ليست من صلاحيات بيزشكيان، لكنها تخضع لرغبات ورؤية المرشد الأعلى علي خامنئي، ولا نتوقع تغييرًا جذريًا في السياسات الإيرانية سواء داخليًا أو خارجيًا.
وأضاف "بالاني" لـ"الدستور": ننتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية نهاية العام، والتي من المتوقع أن تأتي بترامب من جديد، وعندها سوف يبرز التساؤل حول بيزشكيان، وهل هو الشخص المناسب في إدارة هذا الملف الذي سبق وانسحب منه الرئيس الأمريكي السابق.
واستبعد "بالاني" أن يكون بيزشكيان شخصًا مناسبًا في المفاوضات بين إيران والغرب، متابعًا: إذا قرر خامنئي أن يتصالح مع الغرب سوف نرى مصالحة، وإذا أراد غير ذلك فإن السياسات الحالية سوف تتواصل بدون أي تغيير.