قنبلة انتصار العمال.. ما تداعيات صعود اليسار البريطاني لسدة الحكم؟

حقق حزب العمال فوزا ساحقا في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، بعدما حصل 412 مقعدًا من أصل 650 مقعد في جميع أنحاء البلاد وأنهى 14 عاما من سيطرة المحافظين على السلطة. 

وتم تعيين كير ستارمر رئيسًا للوزراء يوم الجمعة، منهيا حقبة شهدت إدارة خمسة قادة مختلفين من المحافظين للبلاد. 

وتوجه الناخبون البريطانيون للتصويت في العملية الانتخابية التي انطلقت الساعة السابعة صباحًا حتى العاشرة مساء، ويحق بها لنحو 46 مليون ناخب التصويت.

وقد وصلت نسبة التصويت لنحو 60% ممن يحق لهم التصويت بانخفاض يزيد عن 6% من انتخابات 2019، وهي النسبة الأقل منذ انتخابات 2005.

بالرغم من سيطرة حزب العمال على أغلبية مقاعد البرلمان فقد استحوذ على 412 مقعدًا، بعد أن حصد سابقا في 2019 على 203 مقعد، إلا أن نسبة التصويت له تكاد تكون متقاربة ففي الانتخابات الحالية حصل على نسبة 33.7% من الأصوات بينما في 2019 حصل على 32% من الأصوات. وهو ما يرجع تفسيره لطبيعة النظام الانتخابي الذي يحصل فيه أعلى مرشح في دائرة ما على المقعد الخاص بالدائرة حتى لو كان فارق التصويت بينه وبين من يليه 1% فقط.

في المقابل، خسر حزب المحافظين في الدورة الحالية للانتخابات 244 مقعدا. باستحواذه على 121 مقعدًا في الانتخابات الحالية، متراجعًا من نسبة تزيد عن 56% للمقاعد في 2019 لما يقرب من 19% من المقاعد في الدورة حاليا وهو ما يعد تراجعا مزلزلا. هذا التراجع الذي انعكس كذلك في انخفاض نسبة التصويت له من 43.6% في 2019 إلى 23.7% في الانتخابات الحالية.

وبرزت عدد من النتائج الفرعية في تلك النتائج إلا أنها ستكون ذات تأثير على المزاج السياسي في الفترة القادمة والتي تعد انعكاسا لطبيعة التصويت العقابي، الذي يرفض المحافظين أكثر من ثقته بحزب العمال، وهو ما انعكس على أبرز تلك النتائج.

ويعد كير ستارمر الوجه الأهم لتلك الانتخابات، فهو رئيس حزب العمال منذ إبريل 2020، ووصل لرئاسة الحزب بعد انتخابات مع الرئيس السابق جيرمي كوربين التي أودى توجهه الشعبوي اليساري للخسارة الفادحة التي منى بها الحزب في انتخابات 2019. 

ويبلغ ستارمر 61 عامًا، وأتى من خلفية اسرية لعائلة من الطبقة العمالية، وقد كانت والدته جوزفين ممرضة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا، وكانت أيضًا تعاني من مرض مزمن. وتعد صراعاتها الصحية شيء يذكره ستارمر كثيرًا في خطاباته حيث غرس فيه أهمية هيئة الخدمات الصحية الوطنية، التي توفر رعاية صحية مجانية ممولة من دافعي الضرائب للجميع.

كان الأول من اسرته الذي يلتحق بجامعة أكسفورد دارسا للقانون، وقد تخصص في القوانين الخاصة بحقوق الإنسان ونشط لعدة سنوات في الدفاع عن النقابات ومكافحة عقوبة الإعدام. 

التداعيات والسياسات المتوقعة

تلك النتائج تجعل حزب العمال بالرغم من حصوله على أغلب المقاعد، في وضع غير موات على مستوى التصويت الشعبي، بما يجعله تحت متابعة ادق من قبل الشعب، وهو ما يعد مفهومًا في ظل أن أغلب الأصوات أنت للحزب اعتراضا على سياسات حزب المحافظين وسلوكياته أكثر من الايمان بسياسات حزب العمال، بالإضافة إلى أن طبيعة رئيس الوزراء الحالي عززت هذا.

لكن هذا لا يمنع أن هناك عدد من السياسات المتوقع أن يتبعها الحزب وفقًا لما أعلنه في بيانه السابق، أولها فيما يخص زيادة الاستثمار في الخدمات العامة، بما سيعنى التراجع الجزئي عن سياسات التقشف الذي انتهجتها حزب المحافظين منذ الأزمة المالية في 2008، بالسعي لزيادة أعداد المعلمين والكادر الطبي وخفض قوائم الانتظار الذي وصلت لشهور بالإضافة للسعي لمعالجة ازمة الهجرة من خلال التنسيق الأمني مع الاتحاد الأوروبي، وتشديد الرقابة على الحدود بدلا عن الخطة التي اثارت الجدل الخاصة بالتهجير لرواندا، والذي ألقاها رئيس الوزراء اليوم، إلا أنه وفقًا لبيانات الحزب فسيتم تمويل تلك الخطط بالتعاون مع القطاع الخاص.

أما فيما يخص السياسات الخارجية، فليس من المتوقع زيادة الانفاق الدفاعي بشكل كبير عن الوضع الحالي، وفيما يخص العلاقات عبر الأطلسي فأنها ستكون أحسن في ظل إدارة ديمقراطية عن وصول إدارة جمهورية، ولكن عمق علاقات البلدين لن يتأثر في كل الأحوال.