فريدة فهمى
مَن منا لا يعرفها؟ إنها فريدة فهمى، وعندما أذكر فريدة فهمى أتذكر بالقطع فرقة رضا للفنون الشعبية فى عصرها الذهبى، فى الستينيات، وما أدراك ما الستينيات!، أتذكر طفولتى وأنا أشاهد على شاشة التليفزيون الأبيض والأسود لأول مرة «الفراشة» فريدة فهمى وهى ترقص فى فيلم «غرام فى الكرنك»، صورة ما زالت محفورة فى ذاكرة هذا الطفل، حتى بعدما كبر واشتعل رأسه شيبًا.
تداعت هذه الذكريات إلى ذهنى وأنا أشاهد «الفراشة» فريدة فهمى لأول مرة وجهًا لوجه، ونحن نحتفل هذا الشهر بعيد ميلادها الرابع والثمانين، لا تزال فريدة تتمتع بحيويتها وجاذبيتها حتى الآن، أو لنقل إن الطفل ما زال يرى فيها الفراشة وهى ترقص على شاشة التليفزيون بخطوات «فريدة»، هذه الخطوات الفريدة بحق التى أصبحت تُدرّس فى معاهد الرقص العالمية تحت مسمى «خطوات فريدة».
صاحب الاحتفال خروج مذكرات فريدة فهمى باللغة الإنجليزية، هذه المذكرات التى كتبتها فريدة بنفسها، وربما لا يعرف البعض أنها تخرجت فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. المثير أننا تقابلنا فى الحفل مع العديد من المترجمين من أنحاء العالم الذين سيقومون بترجمة هذه المذكرات إلى عدة لغات عالمية، بدءًا من اليابانية وصولًا إلى البرتغالية، مرورًا باللغتين الروسية والأوكرانية؛ حيث جلس على مائدة واحدة المترجم الروسى والمترجمة الأوكرانية رغم ظروف الحرب، لقد استطاع الفن واستطاعت فريدة تحقيق ما عجزت عنه السياسة.
وعلمت أن هناك مشروعًا لترجمة المذكرات إلى اللغة العربية، لكن يبقى أن تقوم إحدى المؤسسات الثقافية الكبرى برعاية هذا المشروع لتخرج الطبعة العربية على النحو الذى لا يقل عن جودة الطبعة الإنجليزية، من حيث الإخراج ونوع الورق وجودة الصور النادرة.
عودة مرة أخرى إلى فريدة فهمى وزمن الستينيات، والسياق التاريخى؛ فريدة الطالبة الجامعية التى تهوى الرقص الشعبى منذ طفولتها، ويرعى الأب هذه الموهبة، ومَن هو هذا الأب؟! إنه الأستاذ الدكتور حسن فهمى، الأستاذ بكلية الهندسة، العاشق للفنون، خاصة فن السينما، حتى إنه سيصبح عميدًا لمعهد السينما. يرحب الأب بأن تُشبِع فريدة هوايتها بأن تصبح راقصة فنون شعبية، بل تحترف، والأكثر من ذلك يكون الأب هو الراعى الرسمى لفرقة رضا فى مهدها. كما يرحب الأب بأن تتزوج ابنته من مؤسس الفرقة على رضا، هذا الزواج الذى سينجح ويستمر أكثر من ثلاثين عامًا.
لا أبالغ إذا قلت إن فرقة رضا أصبحت من أهم عوامل ترسيخ مفهوم الهوية المصرية؛ حيث شاهد الشباب لأول مرة رقصات من مختلف أرجاء مصر، خاصة الأطراف: النوبة، الواحات، الريف؛ إذ جسدت هذه الرقصات مظاهر التنوع والثراء فى المجتمع المصرى.
تحولت فريدة فهمى بحق إلى رمز الفتاة المصرية العصرية، حتى إن أحد أشهر أفلام السبعينيات، فيلم «خلّى بالك من زوزو»، وبسيناريو المبدع الكبير صلاح جاهين، وعلى لسان رئيس اتحاد الطلبة فى الفيلم مدافعًا عن زوزو، ومعنفًا التيارات المحافظة يقول: «فريدة فهمى راقصة وهى طالبة جامعية، وأبوها أستاذ جامعى». لقد حفرت فريدة فهمى اسمها بحق فى الذاكرة الجماعية للشعب المصرى.
كلمة عتاب على ما وصلت إليه حال فرقة رضا، فأولًا كان لا بد من إنشاء متحف لفرقة رضا، يضم ملابس الرقصات الشهيرة للفرقة، والأوسمة التى حصلت عليها الفرقة، وتسجيلًا مرئيًا وسمعيًا لتاريخ الفرقة، والأهم من ذلك عودة الروح إلى فرقة رضا من خلال إتاحة الإمكانات لها حتى تستطيع استكمال الدور التاريخى الذى قامت به الفرقة، ليس فقط على المستوى المصرى، ولكن على النطاقين العربى والعالمى.