الشرق الأوسط المنطقة الأقل سلمية فى العالم.. خبراء يكشفون كيف تتأثر مصر اقتصاديًا وسياسيًا
أصدر معهد الاقتصاد والسلام (IEP) تقرير مؤشر السلام العالمي لعام 2024، والذي يصنف 163 دولة وإقليمًا وفقًا لمستوى السلام فيها. ويشير التقرير إلى أن العالم يشهد تدهورًا مستمرًا في مستوى السلمية، مع نشوب 56 صراعًا عالميًا، وهو أكبر عدد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
جاء اليمن في صدارة الدول الأقل سلمية، تليها السودان، جنوب السودان، أفغانستان، وأوكرانيا. كما أن تدويل الصراعات أصبح أكثر تعقيدًا، حيث تشارك 92 دولة في صراعات خارج حدودها، ما يعقد عملية التفاوض من أجل السلام، مدفوعًا بتزايد المنافسة بين القوى العظمى وصعود القوى المتوسطة.
تفاصيل تقرير مؤشر السلام
يشير التقرير إلى أن العالم أصبح أقل سلامًا بنسبة 4.5% منذ إنشاء المؤشر عام 2008، ويرتبط هذا التدهور بالصراعات الخارجية والداخلية، وزيادة عدد اللاجئين والنازحين داخليًا، والمظاهرات العنيفة.
الصراعات الإقليمية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في مقتل أكثر من 2000 شخص شهريًا على مدار العامين الماضيين، والصراع في غزة الذي أدى إلى مقتل أكثر من 35000 شخص منذ أكتوبر 2023، تبرز كأمثلة على الحروب الطويلة والمعقدة.
أضاف التقرير أن الحروب في القرن الحادي والعشرين تتغير نتيجة لتطور التكنولوجيا العسكرية وزيادة المنافسة الجيوسياسية، حيث يجعل استخدام الطائرات بدون طيار والأجهزة المتفجرة المرتجلة الصراعات أكثر تعقيدًا. وقد أدت هذه الصراعات العنيفة إلى انخفاضات هائلة في الناتج المحلي الإجمالي للعديد من الدول، مثل انكماش الاقتصاد الأوكراني بنحو 30% في عام 2022 بسبب الغزو الروسي، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة 85% نتيجة للحرب الأهلية.
تأثير الصراعات الإقليمية على مصر
من جانبه، أفاد الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، بأن التقارير الدولية التي تصف الشرق الأوسط كأقل مناطق العالم سلمية يجب التعامل معها بحذر، لكنها في الوقت نفسه تحمل نقاطًا هامة يجب أخذها بعين الاعتبار. ومن بين هذه النقاط تفاقم الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة على مدى تسعة أشهر، واتساع نطاق هذا الصراع ليشمل أطرافًا إقليمية أخرى مثل لبنان، سوريا، العراق، وإيران، مؤكدا أن هذا الوضع يؤثر بشكل كبير على مصر من عدة جوانب.
التأثير على الأمن القومي المصري
وقال سلامة، في تصريح لجريدة "الدستور"، إن هذه الصراعات تمثل تهديدًا للأمن القومي المصري، ما يضطر الدولة المصرية إلى رفع درجة استعدادها لصون أمنها القومي. ويشير إلى أن إسرائيل، كطرف غير رشيد يسعى لتحقيق مصالحه الضيقة دون النظر إلى الاستقرار الإقليمي، تضع مصر في موقف دفاعي يستوجب التحضير المستمر لمواجهة التحديات الأمنية.
التأثير على خطط التنمية
وأوضح سلامة، أن استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة يؤثر سلبًا على خطط التنمية في مصر، فالتوترات الإقليمية تحذر المستثمرين وتؤدي إلى تباطؤ المشروعات التنموية.
وأضاف أن هذا الأمر يعوق النمو الاقتصادي في الدول المجاورة لمناطق الصراع، ومن بينها مصر، حيث تصبح البيئة الاستثمارية أقل جاذبية بسبب المخاوف الأمنية.
العبء السياسي والدبلوماسي
وأشار سلامة، إلى أن مصر تتحمل عبئًا سياسيًا ودبلوماسيًا كبيرًا كونها دولة محورية في المنطقة، حيث ينظر إليها كوسيط موثوق به لتسوية الصراعات.
وأكد أن مصر تمتلك خبرة طويلة في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تواصل جهودها منذ السابع من أكتوبر للوصول إلى هدنة، رغم التحديات المستمرة التي تواجهها من الجانب الإسرائيلي.
التأثير على جودة الحياة والخدمات
وأكد أستاذ علوم السياسية، أن تفاقم الصراع يؤثر أيضًا على جودة الحياة في مصر، حيث يتسبب في تراجع مستوى الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، ويؤثر سلبًا على الموارد المخصصة للخطط الاستثمارية المستقبلية، مشيرًا إلى أن جميع الموارد تتجه نحو تعزيز الأمن القومي، سواء عبر القدرات العسكرية المباشرة أو عبر بناء الاستعدادات الدفاعية.
في السياق ذاته، أوضح الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن تقرير مؤشر السلام الدولي يتناول مختلف جوانب الاستقرار والتوتر والنزاعات في العالم، مشيرًا إلى أن هذه المؤشرات تعكس حالة الصراعات الكبيرة والصغيرة الممتدة في المنطقة، مؤكدًا أن مصر تتأثر بشكل كبير بما يحدث في الإقليم، حيث نعيش في منطقة مضطربة.
الاستقرار السياسي والأمني في مصر
كما أشار فهمي في تصريحات لـ"الدستور"، إلى أن النزاعات الدولية تؤثر على الاستقرار الداخلي للدول. ورغم أن مصر تتمتع باستقرار سياسي وأمني وفق مؤشرات السلام الدولي، إلا أن تأثير النزاعات الإقليمية والعالمية يمتد إليها، لافتًا إلى أن النزاعات أصبحت أكثر تعقيدًا، مثل النزاع السوداني والنزاع في غزة، بالإضافة إلى التوترات الخارجية مثل الحرب في أوكرانيا.
وأوضح فهمي أن النزاعات في العالم تتسع بشكل يؤثر على مناطق متعددة، ما يزيد من حالة التوتر الإقليمي، قائلًا إن "الدولة المستقرة هي تلك التي لا تواجه نزاعات أو صراعات داخلية، مشيرًا إلى أن مصر، وفقًا لمؤشرات السلام الدولي، تتمتع باستقرار نسبي، ولكنه يتأثر بالتوترات والنزاعات الإقليمية المحيطة".
وتابع فهمي، أن حالة التوتر والنزاعات المستمرة تؤثر سلبًا على خطط التنمية والاقتصاد في مصر، مردفًا:" فالتحديات الأمنية الناجمة عن النزاعات في الإقليم تجعل البيئة الاستثمارية أقل جاذبية، ما يؤثر على تدفق الاستثمارات الأجنبية ويعوق المشروعات التنموية".
استراتيجيات مرنة
في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة، يرى فهمي أن مصر بحاجة إلى استراتيجيات مرنة للتعامل مع هذه التحديات، مؤكدًا على أهمية الاستقرار السياسي والأمني في مصر كعامل أساسي للحفاظ على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرًا إلى أن التعامل الفعال مع النزاعات الإقليمية يتطلب توازنًا دقيقًا بين الجهود الأمنية والسياسية.
في النهاية، اختتم طارق فهمي حديثه قائلًا: "مصر رغم استقرارها النسبي، تتأثر بشكل كبير بالتوترات والنزاعات الإقليمية والدولية، لذا، فإن تبني سياسات مرنة واستراتيجيات فعالة للتعامل مع هذه التحديات هو أمر حيوي لضمان استمرار الاستقرار والنمو الاقتصادي في مصر".
تدفق اللاجئين
من جانبها اعتبرت الدكتور نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية، أن تأثير حالة عدم السلام في الشرق الأوسط على مصر متعدد الأوجه ويشمل العديد من الجوانب الاقتصادية والسياسية، بداية من اضطرابات ليبيا حتى صراع السودان إلى الحرب في غزة، ثم تطورات التصعيد في البحر الأحمر.
وقالت "بكر" في تصريحات لـ"الدستور"، إن مصر في الفترة الأخيرة تواجه تداعيات 4 حروب صعبة من بين الآثار ملف اللاجئين والهجرة، مضيفة: "فمصر تواجه تدفقًا أكبر من اللاجئين والمهاجرين من السودان وغزة نحو أراضيها بسبب حالة عدم السلام، ما يضع ضغوطًا إضافية على البنية التحتية والخدمات العامة".
وتابعت: "أثرت هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، أدى لانخفاض عدد السفن العابرة لقناة السويس، علمًا بأن مصر تعتمد على إيرادات الممر الملاحي الأهم في العالم للحصول على الدولار الأمريكي للمساعدة في توفير العملة الصعبة. ففقدان 5.249 مليار دولار من إيرادات القناة خسارة نحو 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و5.34 في المئة من إجمالي الموارد الدولارية لمصر".
واستكملت: "أدى انخفاض دخل قناة السويس والضغوط من زيادة الطلب على الموارد في مصر من قِبل اللاجئين إلى ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع الأسعار المصاحب، لزيادة نسبة البطالة في المناطق التي تخدم على قناة السويس بشكل خاص وعلى فرص العمالة المصرية غير المنظمة التي تجد الفرص فيها منافسة من قبل اللاجئين في مصر".
وأردفت: "التوتر الأمني في المنطقة بشكل عام يؤثر على التدفقات السياحية التي كان يتوقع أن تصل لأعلى المستويات في هذا العام"، موضحة أن الوضع في ليبيا أدى لعودة مليون مصري كانوا يعملون هناك ويساهمون في تدفق حصيلة كبيرة من النقد الأجنبي للبلاد، فضلًا عن توقف التبادل التجاري مع ليبيا حيث كانت سوقًا كبيرة للمنتجات المصرية.
تأثير الوضع في السودان على مصر
كما لفتت إلى أن السودان كان سوقًا كذلك للمنتجات المصرية وتوقف ذلك بسبب الحرب، وهو ما أدى لانخفاض حجم التبادل التجاري وزيادة العجز في الإيرادات، مردفة: "بالاضافة إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، حيث أغلقت إسرائيل حقل تمار في البحر المتوسط، ما أدى لتراجع صادرات مصر من الغاز ما يترتب عليه انخفاض كبير في العملة الصعبة".
واختتمت "بكر"، حديثها قائلة: "إلا أنه سياسيًا وأمنيًا مصر تغلبت على الخطر الأمني المحيط بها بمواجهة شاملة للإرهاب القادم من الخارج، ونجحت في تأمين حدودها ومنع تسلل الإرهابيين لأراضيها".