رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مكتبات المثقفين الـ 36..

مينا عادل جيد: معرض الكتاب المناسبة الأفضل لاقتناء الكتب الرديئة

مينا عادل جيد
مينا عادل جيد

تعد المكتبة من أبرز ما تجده في منازل الكتاب والمثقفين، بل تكاد منازل بعضهم تتحول إلى مكتبات يعيشون فيها.

وحول مكتبات المثقفين وكم فقدوا منها خلال تنقلاتهم وأسفارهم وهل يعير الكاتب كتبه أو يستعيرها، وغيرها من المحاور يقدمها "الدستور" في سلسلة حوارات مكتبات المثقفين.

وفي الحلقة الـ36 من حلقات سلسلة حوارات مكتبات المثقفين يحدثنا الكاتب الروائي مينا عادل جيد، عن مكتبته وأول كتاب اقتناه وما الكتاب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، وأهم الكتب في مكتبته وغير ذلك؟

متى اشتريت أول كتاب؟

قصتي مع الكتب مختلفة، ولا يمكن أن يصدق أحد بسهولة أنها بدايات كاتب، هذا ولأنني، وحتى الآن، لا أملك مكتبة بشكلها المعروف.

لم تكن لدينا في المنيا، حيث ولدت، مكتبات لأقتني منها كتب أو أستعيرها في طفولتي ومراهقتي، ولم أكن أشعر بالحاجة أصلا إلى هذا الاختراع المسمى كتاب، فضلا عن أن الأقباط كانوا منغلقين عن مؤسسات الدولة الثقافية مثل قصر ثقافة المنيا، ولم أكن أعرف أحدا حولي يدري ما الذي يحدث داخل قصر الثقافة، كنت أظن أنه مغلق أو مكان للاسترشاد بالمحال التجارية التي حوله في شارع طه حسين التجاري، وجد المبنى ليُقال "بعد قصر الثقافة، بجوار قصر الثقافة، أعطي قصر الثقافة ظهرك وأدخل يمينا." إلا أنه بالتأكيد كان يعمل ولكنه كان وما زال منعزلا عن المجتمع هناك كما أن المجتمع منعزل عنه.

إنني من أسرة ومحيط اجتماعي غير مهتم بالأدب أو بالثقافة، كان في بيتنا نبذات قصيرة تحوي سير القديسين وقصص المعجزات، وهذه أول كتب قرأتها، أما أول عمل أدبي أراه في حياتي فكانت رواية بوليسية من ترجمة ألفريد فرج لا أتذكر اسمها، قرأتها وما زلت أحتفظ بأجوائها إلى الآن تقريبا، والغريب أنني كلما أتذكرها أحاول أن أفكر من الذي أتى بها إلى بيتنا؛ فلا أستطيع أن أخمن أحدا، فلم يكن أحدا له أي علاقة بالكتب، غير الدراسية، ليجلب رواية مترجمة.

ثم وأنا في السنة الأولى من الجامعة دخل الإنترنت إلى بيتنا بنظام (الوصلة)، وانفتحت لي طاقات السماء، وكان أول كتاب أقرؤه رواية، وهي نائب عزرائيل ليوسف السباعي وبالمناسبة كانت روايته الأولى التي يكتبها، ومن بعدها التهمت الكتب المقرصنة التهاما؛ أدب وتاريخ وسياسة وفلسفة، ويمكنني قياس أثار هذا الفجع بعد الجوع، علي حتى الآن، فأنا غالبا اقرأ حوالي 4 كتب في الوقت ذاته، كتاب ورقي، وكتاب أو أكثر على أبجد، وكتاب على الكندل، وكتاب على اللابتوب، وأحاول أن أتخلص من هذه العادة، ولكن يبدو أنه ليس من السهل التخلص منها.

ما أهم الكتب في مكتبتك؟

تتغير القائمة باستمرار، إلا أن الثابت فيها منذ سنوات مثلا؛ دون كيشوت لسرفانتس، وطريق التبغ لأرسكين كالدويل، والقضية لفرانز كافكا، وكتاب العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري، ليوفال نوح هراري، هذه هي القمم العالية.

ما الكتاب الذي لا يمكنك الاستغناء عنه؟

قررت منذ فترة قصيرة أنه سيكون كتاب بستان الرهبان، قرأته مرتين في شهر واحد وهو يتجاوز الـ 500 صفحة (النسخة التي من إعداد المتنيح الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار ببرية شهيت) وهو كتاب أقوال وسيّر آباء الصحراء مؤسسين الرهبنة القبطية، (والرهبنة في كل العالم لأنها اكتشاف مصري) في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، وفي هذا الكتاب نكتشف أن القصة أو الرواية العجائبية لم تبدأ مع رواية بيدرو بارامو لخوان رولفو وموجة الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية التي اجتاحت مزاج العالم بأثره، وحتى قبل ألف ليلة وليلة، في هذه الكتابات الوعظية لآباء الصحراء، تتجلى عجائبية مصرية خالصة، رائدة وبديعة وبكر وواضحة، شيء في قمة العبقرية وتحتاج إلى استخراجها من سياقها المقدس إلى مجال الدراسات الأدبية لمقارنتها وإبراز أوجه الجمال والتخييل بها، أتمنى أن ينتبه إلى ذلك أحد، هذا ميراث أدبي مصري ينتمي إليه كل مصري وليس خاصا بالأقباط وحدهم.

ما الكتب التي تهديها لأعزائك في أعياد ميلادهم؟

كل على حسب ميوله، فمنها 300 ألف عام من الخوف لجمال أبو الحسن، وكل ده كان ليه لفيروز كراوية، الفن والخوف: ملاحظات حول مخاطر (ومكافآت) صنع الفن لديفيد بايلز وتد أورلاند، وسدهارتا لهرمان هيسه بترجمة سمير جريس.

هل فكرت أن تستغني عن مكتبتك أو كتبت وصية بشأنها؟

ليس لدي مكتبة ورقية ضخمة لأستغنى عنها، اعتمادي على تطبيق أبجد صار الآن لا يقارن بالكتب الورقية، أنا أصلًا أفضل الكتب الإلكترونية عن الورقية، ولكن الإجابة لا، لأن أغلبها بإهداء كتاب أصدقاء، فهي بمثابة خطابات موجهة لي، وذكريات رقيقة، فمن الصعب التفريط فيها.

هل فقدت مكتبتك لظروف خارجة عن إرادتك؟

لا ولكني أطمح لتكوين مكتبة جديدة بالفرنسية وأحول قراءاتي للمعارف والعلوم إلى اللغة الفرنسية وهذا يحتاج مني المزيد من الجهد لتطوير لغتي الفرنسية حتى أتمكن من قراءة كتاب كامل بدون التوقف مرارا في الصفحة الواحدة لمراجعة القاموس.

ما الكتاب الذي تمنيت اقتناءه ولم تعثر عليه؟

لم أتمن أن أقتني كتابا ولم أحصل عليه، إنما هناك كتب حصلت عليها بصعوبة، مثل كتاب (اسمها تجربة) وهو سيرة أدبية للروائي الأمريكي أرسكين كالدويل الذي أحب له رواية طريق التبغ، وحين اقتنيته، بعدما آتاني به صديق من معرض بدولة عربية، وجدته كتابا لطيفا لكنه كان أقل من توقعاتي.

هل تشتري كتب ولا تقرؤها لظروف ضيق الوقت أو غيرها؟

غالبا كل مشترياتي من معرض الكتاب لا أقرؤها.

 هل تحدد ميزانية لتزويد مكتبتك موسميا في مناسبات كمعرض الكتاب؟

معرض الكتاب هو المناسبة الأفضل لاقتناء الكتب الرديئة بسبب الازدحام والمجاملات لذا؛ فالإجابة لا.

هل تعير كتبك لأحد وهل تستعيدها أم لا ترد إليك، وهل تستعير كتب من الأصدقاء وهل تعيدها؟

نعم، أعير بعض الكتب التي أعرف أنني لن أقرؤها مرة ثانية، إلا تلك الكتب التي تحمل في صفحتها الأولى إهداء الكتاب، وهناك استثناء في إعارة الكتب لأشخاص لا أستطيع أن أرفض لهم طلبًا.

ولدي قصة، أتذكرها دائما كلما جاءت سيرة استعارة الكتب، في مرة ونحن في المرحلة الثانوية، أعطاني صديق كتاب بروتوكولات حكماء صهيون، نظر حوله وأخرجه من سترته وطلب مني أن أخبئه سريعا، ففعلت، ثم همس "هذا الكتاب سري ونادر ومهرب من مكتبة الكلية الحربية.. أقرؤه وأعطيني إياه لنرجعه إلى المكتبة قبل أن يعرف أحد" أخذته وأنا أظنني أقتني شيئا سريا وخطيرا، وقرأت نصفه ثم نسيته في التاكسي، فثار صديقي وشعر أنه في ورطة كبيرة، وأنا أيضا شعرت بالذنب تجاههُ لما كنت أعرفه عن ندرة هذا الكتاب وشدة خطورته كما قال لي حينها، وماذا يقول للذي هرب الكتاب من المكتبة. ثم بعدها، حين جئت إلى القاهرة، عرفت أنه ليس كتابا سريا، وأنما يباع في كل مكان وبلا قيمة مثل كتاب كفاحي لهتلر، أما صديقي وهو ليس مهتما بالكتب، مهما أبلغته بتفاهة الكتاب وكثرة توفره، يظن فعلا، وحتى الآن، أنني أضعت وثيقة سرية مهمة.