رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجول فى الشوارع ليبيع ابنه.. قصة سعاد حسنى مع مأساة نجيب سرور

سعاد حسني والشاعر
سعاد حسني والشاعر نجيب سرور

سعاد حسني، السندريلا، أخت القمر، فتاة أحلام الصغار والكبار عبر أجيال، الحلم الذي لا يشيخ ولا يبهت مهما مرت عليه السنون. سعاد بهجة الحضور والغياب، والعلامة الفارقة في السينما المصرية، والتي لا تزال تشع نورًا ونارًا.

دور سعاد حسني  في مأساة نجيب سرور 

في كتابه "أهم أسباب الليل"، يروي الكاتب الروائي الراحل عبده جبير، قصة فيلم كان مقررًا لـ سعاد حسني أن تؤدي دور البطولة فيه، ويدور حول مأساة الشاعر نجيب سرور.

جبير استهل حديثه قائلًا: كنت ـ ربما بالصدفة ـ أكاد أكون أقرب أحد ثلاثة أشخاص من الممثل والكاتب الشاعر نجيب سرورـ  طبعًا بعد زوجته وابنيه ـ في الفترة الأخيرة من حياته، وبعد وفاته اقترح علي الصديق المخرج علي بدرخان أن أكتب قصة حياته في فيلم مبني على رؤية كتبتها عنه في مقال رثاء، كان المقال يفسر لمَ راح نجيب سرور في سنواته الأخيرة يمشي في الشوارع هائمًا يعرض ابنه الصغير الأشقر الجميل ذا الشعر الأصفر للبيع.

ويوضح جبير: رأيت في المقال المذكورة أن نجيب سرور لم يكن يعرض طبعًا حقًا ابنه للبيع، لكن لأنه كان ممثلًا عظيمًا، ولأسباب معقدة عدة لم يتمكن من أداء الأدوار التي تشفي غليله كفنان على خشبة المسرح - المسرح الحقيقي الذي نعرفه - قرر أن يكسر حاجز الحياة الرابع ويقوم بالتمثيل في الشوارع، ولغرابة الصدف أن علي بدرخان كان ينوي إشراك سعاد حسني في أي دور في حياة نجيب سرور التي رأيت وجوب أن أكون أمينًا معها.

أعلنت عجزي عن المضي في كتابة الفيلم وأهديت ما كتبته لـ علي بدرخان، على أن يجد كاتبًا آخر يستطيع أن ينجز ما عجزت عنه، وللأسف لم يتحقق هذا الفيلم حتى الآن. 

أسوق ذلك لا لأن شركائي في جلسات طاولة العمل - الكاتب حسين عبدالجواد صديق علي بدرخان الصدوق ومجدي أحمد علي المخرج الذي كان سيقوم بدور المخرج المساعد، والمنتج المرحوم عبدالعظيم الزغبي الذي أنتج أغلب أعمال سعاد حسني وعلي بدرخان بما فيها فيلمهما الأخير الراعي والنساء، هم من أقرب الناس إلى بطلة فيلمنا، لكن لأن رؤيتي لما جرى لنجيب سرور هي رؤية قريبة لما جري لسعاد حسني في مشهد الختام أو بلغة السينما مشهد الفينالة.

 

 المشهد الأخير في فيلم سعاد حسني

ويستطرد جبير: أظن أن مشهد فينالة حياة سعاد حسني مشهد ـ على الرغم من كل ما كتب وقيل وكثير منه مجرد ظن آثم أو تمادٍ في الغي - هو مشهد طبيعي للغاية، إلى درجة تجعله حكاية من حكايات الفلكلور، قد يكون محزنًا أو مؤسفًا، فهذا شيء آخر.

إنسانة وحيدة، ينهشها الألم، تعيش على غير إرادتها في بلد بعيد، يخيم الضباب الكثيف على سمائه أغلب فترات السنة - هي ابنة الشمس - بلا زوج أو حبيب، بلا ولد أو وريث، رسم الزمن على ملامحها خطوطه، وهي بعد ذلك وقبله ممثلة حتى النخاع، ممثلة بالفطرة، أعطاها الله هذه الموهبة فعاشت بها ولها، لكنها، هنا، وفي هذه اللحظة - لحظة الفينالة - تتأكد من أن ألمها قد تحول إلى ما يشبه العجز، إن لم يكن العجز الجسدي، فهناك عجز الإرادة وهو أخطر الأنواع التي تصيب الإنسان بشلل الروح والعقل، إنسانة في هذا الوضع، لا بد أن تكون، أيها السادة، نهايتها، هي هذه النهاية، السقوط من حالق، إلى النهاية، فهذا هو الدور الأخير لممثلة عظيمة، وهو دور لم يكن من الممكن أن تقوم به في أي فيلم آخر.