رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أطفال غزة بعد «250 يوم قيامة»: «يا رب.. بدناش نموت»

أطفال غزة
أطفال غزة

لم يمر ٢٥٢ يومًا من العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة كأيام الله الأخرى، بل كان كل منها بمثابة «يوم قيامة»، فى ظل المجازر وحرب الإبادة، فى مختلف مناطق القطاع من شماله إلى جنوبه، بالتزامن مع غياب أبسط الاحتياجات الأساسية، إلى حد الوصول إلى مجاعة وشيكة.

وروى عدد من أهالى غزة، لـ«الدستور»، مشاهد حية من الانتهاكات التى يتعرضون لها بشكل يومى، فى ظل قصف مستمر من الآليات العسكرية الإسرائيلية الثقيلة، ما أدى إلى استشهاد عشرات الآلاف وإصابة أكثر منهم بكثير، مع قلة السلع والمواد الغذائية، وارتفاع أسعار الموجود منها بصورة كبيرة.

سامح أبودية: نزحت أكثر من 8 مرات منذ بداية الحرب.. وهذه الأيام الأصعب فى حياتى

قال سامح أبودية، من أهالى شمال غزة، الذى نزح أكثر من ٨ مرات منذ بداية الحرب، سواء إلى الجنوب أو المنطقة الوسطى: «رحلة قاسية للغاية، وتفاصيلها صعبة جدًا، فى ظل وجود أطفال وكبار سن ضمن أسرتى».

وأضاف: «نزحنا إلى شرق دير البلح، وتحديدًا منطقة صلاح الدين، وسط قصف مدفعى عنيف جدًا، بدأ يقترب من مكان نزوحى الجديد، داخل منزل شقيقتى المُهدم جزء منه من الأساس، بعد قصف طوابقه العليا».

وواصل: «مكثنا فى المنزل ٣ أسابيع كاملة، ومع اشتداد القصف وقع الكثير من الإصابات والشهداء، وانتشرت الجثامين فى الطرقات، دون وجود طواقم طبية أو إسعاف لنقلهم، حتى بدأنا فى سحبهم على البيت».

وأكمل «أبودية»: «بدأت القذائف المدفعية تصل البيت، فتواصلنا مع الصليب الأحمر، التى رفضت القدوم إلينا بداعى عدم وجود تنسيق مع جيش الاحتلال، حتى الهلال الأحمر الفلسطينى لم تستطع الوصول إلى المصابين الموجودين فى البيت، فاضطررنا إلى الاحتماء تحت أكثر الأماكن الآمنة، وابتعدنا عن النوافذ، وجلسنا فى نصف المنزل وتحت الدرج.. نزلنا الأطفال وكبار السن تحت الدرج، وبقينا نحن فى نصف المنزل».

وتابع: «بدون سابق إنذار، قصف جيش الاحتلال منزلنا بطائرات إف ١٦، فى وقت متأخر من الليل، كنا أكثر من ٤٨ شخصًا داخل المنزل، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، فانهار طابقان وسقط طابقنا على الطابق الأسفل، وخرجنا من بين الركام إلى شارع صلاح الدين، وسط استمرار القصف والرصاص من الطائرات الرشاشة، ليصبح الوضع مرعبًا جدًا، خاصة على الأطفال والنساء».

وأوضح: «والدتى كانت معى، وهى مسنة عمرها ٨٤ عامًا، حملها شاب من العائلة، وأنا حملت طفلىّ الصغيرين النائمين، وبدأنا نجرى فى الشارع، وطبعًا زوجتى لم تحتمل ووقعت وفقدت الوعى فى الشارع.. الوضع كان صعبًا جدًا».

وأضاف «أبودية»: «حتى ابنى كان يحكى كلامًا ما صدقت أن يخرج مثل هذا الكلام من طفل عمره ٧ سنوات. وهو يجرى معى فى الشارع ويمسك بيدى، كان يحكى ويقول: يا رب ما تقطعنا، يا رب بدناش نموت، يا رب ما عملناش إشى، ليش يا رب يعملوا فينا هيك؟ يا رب بديش أموت، يا رب نصل، يا رب نبعد عن الخطر، يا رب بديش أموت، يا رب أنا كنت نايم، إيش عملت لهم؟ ليش يقصفونى؟».

وواصل: «ما بين صغيرى الذى لم يكمل عامه الأول، وأطفالى الآخرين، بدأت أبدل فى حملهم طوال المشى والركض، مع وجود والدتى المسنة، وبينما نفكر فى كل هذا تسقط قذيقة إلى جوارنا، فنبدأ فى الركض من جديد، حتى وصلنا إلى مدرسة للنازحين، تبعد حوالى كيلومتر عن المكان المستهدف».

وأكمل: «وصلنا المدرسة التابعة لأونروا، وهناك وفروا لنا احتياجاتنا من مياه الشرب، وفتحوا لنا خيمة عندهم وأعطونا فراشًا، وقضينا الليلة بصعوبة جدًا. وفى اليوم التالى تفرقت أسرتى، ذهبت إلى خان يونس رفقة أمى إلى خيمة شقيقى، أما زوجتى وأولادى فذهبوا إلى خيمة أهلها النازحين غرب دير البلح، لأنه لا توجد أماكن أخرى، وما معنا أى شىء ولا حتى ملابس».

واختتم «أبودية» بقوله: «كانت رحلة قاسية وصعبة جدًا، من أصعب الأيام فى حياتى، بل هى الأصعب علىّ وعلى كل أسرتى، وحتى هذه اللحظة لا أصدق أننا ما زلنا أحياءً، بعد أن كنا على شفا الموت أكثر من مرة».

زكريا بكر: أصبحنا «بدوًا رحالة».. وما تعرضنا له لا نراه فى أفلام الرعب

روى زكريا بكر، من مخيم الشاطئ وموجود حاليًا بمدينة «حمد» فى خان يونس، تفاصيل نزوحه أكثر من ١٠ مرات، رفقة أفراد أسرته وعائلته الكبيرة، مشيرًا إلى أن العائلة أصبحت مثل البدو الرحالة من مكان إلى آخر.

وأضاف: «قبل يومين نزلت إلى المنطقة الوسطى، والتقيت صديقًا لى، حكى كيف اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلى رفقة قوات أمريكية أخرى منزله، وقت تحرير المحتجزين الإسرائيليين الأربعة، وكيف أنهم قتلوا حفيده الصغير، وأصابوا عددًا من أفراد عائلته، راويًا مشاهد لا يمكن أن تحدث فى أى مكان آخر، ولا حتى فى أفلام الرعب، ما حدث معهم لا يحدث إلا من نازيين».

وواصل: «رجعت المجاعة مرة أخرى إلى غزة، فى الشمال والجنوب، البضائع بدأت تنفد من الأسواق، ولا يوجد بديل، ولا مصادر للدخل من الأساس، والوضع يزداد سوءًا، والمرضى لا يجدون مستشفيات أو أى متابعة».

وأكمل: «التجار فى النصيرات رفعوا أسعار كل شىء، بشكل مبالغ فيه، بل حجبوا السلع الموجودة، وأى شىء ينقص فى السوق يتضاعف سعره»، موضحًا أن «القداحة كانت بـ٣ شيكلات وأصبحت بـ١٧ شيكل، أى ما يعادل ٢٠٠ جنيه، والسجائر بـ١٢٠ شيكل». واختتم «بكر»: «من شهور طويلة لا توجد لحوم ولا دجاج، والسلع تُباع بـ٢٠ ضعف ثمنها، كيلو الطماطم بـ١٥ شيكل»، معتبرًا أن «غالبية التجار يرتبطون بتجارة مع الاحتلال الإسرائيلى، ولا يختلفون عنه فى شىء».

صافيناز اللوح: استهداف الصيادين.. والقصف لا يتوقف فى كل المناطق

كشفت صافيناز اللوح، صحفية فلسطينية من الوسطى، عن آخر تطورات الأوضاع الميدانية، مشيرة إلى أن الأحداث تتركز فى المنطقة الوسطى من قطاع غزة، بالإضافة إلى مدينة رفح.

وأضافت الصحفية الفلسطينية: «بعض آليات الاحتلال تراجعت من منطقة الشابورة، بالإضافة إلى مربع دوار العودة فى مدينة رفح، إلى المنطقة الشرقية فى المدينة، تاركة خلفها دمارًا كبيرًا، ومئات من الشهداء أعدمهم جيش الاحتلال خلال عمليته العسكرية فى رفح».

وواصلت: «فى محور فيلادلفيا ما زالت آليات الاحتلال مستمرة، وتنتشر على طول الخط الحدودى بين مصر وقطاع غزة، وتطلق بين الحين والآخر عشرات القذائف على المناطق داخل مدينة رفح جنوب قطاع غزة».

وأكملت: «قوات الاحتلال استهدفت الصيادين ومراكبهم فى بحر خان يونس، وأطلقت زوارقه النار باتجاه صيادين كانوا يحاولون الصيد لبيع ما يصطادونه فى قطاع غزة، بعد فترة انقطاع كبيرة، فسقط عدد من الشهداء ونقلوا إلى مستشفى شهداء الأقصى».

وأشارت إلى إطلاق مدفعية جيش الاحتلال قذائفها باتجاه عدة مناطق، مثل المغراقة فى منطقة شارع البحر، والمنطقة الغربية لمدينة الزهراء، بالإضافة إلى المنطقة الغربية لمخيم النصيرات، وشمال مخيم النصيرات ومحيط شركة التيار الكهربائى، بالإضافة إلى منطقة جحر الديك، وشرق مخيم البريج، مع مساندة طائرات الاحتلال التى أطلقت النار بشكل مكثف واستهدفت مجموعة من المواطنين. 

وأضافت: «خلال الساعات الماضية استهدفت طائرات الاحتلال مخيم البريج وسط قطاع غزة، وجرى انتشال جثمانى اثنين من الشهداء، من قِبل الطواقم الطبية، كما أن مدفعية الاحتلال قصفت عدة مناطق فى محافظتى غزة وشمال غزة».

وأفادت بأن «هذه المناطق يسيطر عليها جيش الاحتلال من المحاور الأربعة، ويغلقها بشكل كامل، ويمنع الدخول والخروج منها، بالتزامن مع تقدم آلياته باتجاه المنطقة الشرقية لمخيم جباليا، الذى تراجع منه خلال الأيام الماضية، بعد عملية عسكرية استمرت لمدة ١٤ يومًا، استشهد فيها عشرات الفلسطينيين ودمرت آلياته مخيم جباليا بشكل كامل».

واختتمت «صافيناز»: «هناك استهداف من مدفعية الاحتلال لحيى الشجاعية والزيتون، وقصف لمنازل يوجد فيها بعض المواطنين الذين عادوا إلى منازلهم، بعد انتهاء العمليات العسكرية فى المنطقة الغربية»، موضحة أنه «كان هناك استهداف لمنزل فى حى الشاطئ، استشهد بداخله ٣ من الفلسطينيات، جرى نقلهن إلى مستشفى المعمدانى، المستشفى الوحيد الذى يعمل فى محافظة غزة، بعد خروج مستشفى الشفاء وباقى المستشفيات مثل القدس من الخدمة».