رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مكاسب تاريخية لليمين المتطرف بالبرلمان الأوروبى.. هل تُغير سياسات القارة العجوز؟

البرلمان الأوروبي
البرلمان الأوروبي

شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة تحقيق الأحزاب المنتمية لليمين المتطرف مكاسب تاريخية في دول رئيسية بالقارة العجوز، ما أثار تساؤلات  بشأن أسباب صعودها وتداعيات ذلك على التوجهات السياسية للاتحاد الأوروبي.

وتمثل ملفات الهجرة غير الشرعية والأمن في أوروبا أبرز الأسباب التي دفعت باتجاه التصويت لصالح الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، حسبما يرى محللون وخبراء مقيمون في عدد من الدول الأوروبية تحدثوا لـ"الدستور".

نتائج متوقعة

وقال بهجت العبيدي الكاتب المصري المقيم بالنمسا، إن النتائج النهائية لانتخابات البرلمان الأوروبي عكست صعودًا واضحًا لأحزاب اليمين، مؤكدًا أن المراقب للوضع في القارة العجوز لم يصب بالدهشة، حيث جاءت النتائج كما كان متوقعًا لها، فالعقد الأخير يشهد اكتساب الأحزاب اليمينية في أوروبا مساحات جديدة، ويؤكد ذلك وصول بعض هذه الأحزاب إلى سدة الحكم في بعض البلدان الهامة كما هو الشأن في إيطاليا على سبيل المثال.

بهجت العبيدي

وأضاف العبيدي لـ"الدستور"، أن هذا الصعود المتوقع لأحزاب اليمين له أسباب موضوعية، يأتي في مقدمتها موجات النزوح في العقد الأخير والتي كانت غالبية أبنائها من سكان الشرق الأوسط القريب، والذي لا يفصله عن القارة الأوروبية سوى البحر المتوسط.

وأشار إلى أن صعود اليمين في أوروبا هو صدى لما حدث في المنطقة العربية من أحداث، وما أطلق عليه الربيع العربي، والتي دفعت ملايين من أبناء هذا العالم العربي الإسلامي - في معظمه - إلى الهجرة بأعداد كثيفة للقارة الأوروبية.

وأوضح العبيدي، أن هذا الوضع يلاقي استنكارًا من الشعوب الأوروبية التي تخشى على ثقافتها التي تتباين بوضوح مع ثقافة اللاجئين، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي الحاسم في هذا الملف، فهناك قطاع من الأوروبيين يرى أن الأجانب يقلصون فرصهم في العمل، كما عزز الخوف المبرر للأوروبيين سلوك بعض هؤلاء المهاجرين السلبي، والذي يتم تسليط الضوء عليه بشكل كبير في وسائل الإعلام الأوروبية.

ونوه بأن قطاعًا من المهاجرين المجنسين بجنسية الدول الأوروبية انتقل إلى دعم الأحزاب اليمينية، وهو ما يعكس رفض هؤلاء أيضًا لسلوك قطاع من المهاجرين الجدد، وخوفهم على مستقبل أبنائهم حال استمرت الهجرة بمعدل العقد الأخير، خاصة أن ما يصدر من أعمال وتصرفات سلبية من المهاجرين تعمم على صورة الأجانب عمومًا.

واختتم العبيدي: إن صعود الأحزاب اليمينية جاء على طائرة الهجرة غير الشرعية كسبب رئيسي يهدد كيان القارة وثقافتها وسياستها في منظور داعمي هذه الأحزاب وهم كثر. 

تغيرات جوهرية

وقال عضو مجلس أمناء حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ألمانيا مصطفى العمار، إن صعود الأحزاب اليمينية في انتخابات البرلمان الأوروبي يعكس تغييرات جوهرية في المزاج السياسي، وما أثبتت صعود لدينا هنا صعود حزب البديل لأجل ألمانيا وهو يميني متطرف، وموجود على قائمة الاستخبارات المركزية وأغلب السياسيين لدينا ينعتونه بالحزب النازي.

مصطفى العمار

وأضاف العمار لـ"الدستور"، أن هذه النتائج تعكس أيضًا تحولات اجتماعية وثقافية بينما تزايد القلق بشأن الهجرة والهوية الأوروبية والوطنية، التي تدفع كثيرين للتصويت للأحزاب التي تعد بحماية الحدود، والحفاظ على القيم وتقليل الهجرة غير الشرعية ومواجهة الإسلام السياسي أو الشعبويين الذين يطالبون بدولة الخلافة، وكلها كانت للأسف دعاية مدفوعة الثمن لأحزاب اليمين.

وتابع بقوله، إن تأثير الأزمات العالمية مثل أزمة الديون الأوروبية وأزمة اللاجئين ساهمت في تقوية الحركات اليمينية المناهضة للسياسات الأوروبية التقليدية، والتي تدعو إلى إعادة السيادة الوطنية.

وحول أبرز الملفات التي سيكون للنواب اليمينيين تأثير كبير عليها في أوروبا، توقع "العمار" تأثيرًا ملموسًا في عدة ملفات خصوصًا تنعكس على البلدان الأوروبية منها مثلًا ملف الهجرة واللاجئين، والدفع نحو اتخاذ سياسات أكثر صرامة ربما تصل لغلق الحدود وتقييد دخول اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وكذلك الضغط على الاتحاد لإعادة النظر في بعض السياسات المتعلقة بضم دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي.

ونوه السياسي الألماني بأن أوروبا اليوم بحاجة إلى حماية الديمقراطية، وبحاجة إلى أن تكون لها استراتيجية واضحة لضمان أمن القارة بشكل مستقل، لكن هذا لا يمنع التحالف القوى مثل الناتو.

اليمين وسياسات الاتحاد

الكاتب والمحلل السياسي المقيم في بروكسل مالك العثامنة، قال إن صعود أحزاب اليمين في البرلمان الأوروبي سيكون له أثره في سياسات الاتحاد نفسها، خصوصًا الداخلية المتعلقة بأوروبا وهو ما سينعكس على قوانين الهجرة واللجوء. 

مالك العثامنة

وأضاف العثامنة لـ"الدستور": لن نتوقع تغييرًا جذريًا سريعًا في سياسات الاتحاد الأوروبي لكن صعود اليمين يعكس مزاج الناخب الأوروبي نفسه في الاتحاد، وهو ما ينعكس على الانتخابات الداخلية لتلك الدول، والتخوف من تزايد سيطرة اليمين على سياسات الدول نفسها مثل فرنسا وألمانيا.

وواصل: بالنسبة للحرب على غزة، فسياسات اليمين لن تكون بعيدة عن السياسات الحالية إلا في تأثيرها على بعض الدول التي انزاحت لصالح القضية الفلسطينية مثل السويد وإسبانيا وربما بلجيكا.

وتابع أنه بالنسبة للحرب على أوكرانيا فليس كل التيار اليميني متفقًا على الوقوف مع روسيا، وهذا تصور خاطئ، فاليمين الأوروبي يحتوي على أحزاب قومية أوروبية ووطنية تتعارض مصالحها مع مصالح روسيا، لكنها غير متفقة على سياسات الاتحاد الأوروبي في الحرب الروسية الأوكرانية.

صعود مؤقت

وقال المحلل السياسي الأردني- الألماني ميار شحادة، إن النسبة الأكثر مشاركة في هذه الانتخابات كانت فئة شبابية يئست من السياسيين التقليديين وكلامهم البيروقراطي، واليمين بطبيعة الحال يستخدم لغة شعبية قريبة من تفكير هذه الفئة، لدرجة أن هناك عربًا وأجانب أصبحوا يتوافقون مع جزء من أفكار اليمين الشعبوي.

ميار شحادة

وأضاف شحادة لـ"الدستور"، أن صعود اليمين مؤقت، فهو مؤشر على أن العامة أصابتهم حالة ملل من البيروقراطية، وبالتالي هو بمثابة إنذار صغير على ضرورة الانتباه إلى ما يريده الشارع.

وتابع بقوله: بكون اليمين حقق أرقامًا مرتفعة، إلا أن الكتلة الوسطية ما زالت أكثرية، بمعنى أن اليمين لن يستطيع تعطيل القرارات، ولكنه قد يكون عاملًا في تعطيلها لبعض الوقت، وهم يعلمون بأنهم لا يمكنهم الخروج عن سياق الإجماع، خصوصًا فيما يتعلق بقوانين الاتحاد الأوروبي، وحتى تتغير تحتاج أغلبية ضخمة.

وأشار إلى أن اليمين المتطرف تحديدًا منقسم بشدة، حتى أقصى اليمين الفرنسي مثلًا وهو الوجه الأبرز لليمين الأوروبي، لا يريد التحالف مع اليمين الألماني الأكثر تشددًا.

وواصل قائلًا: لن نستطيع سماع رأي مباشر حول حرب أوكرانيا؛ لأن هناك إجماعًا على مساعدة الأوكرانيين، وخوفًا على أصوات ناخبيهم سيصوتون لمساعدة الأوكرانيين في القرارات الرسمية، ولكن لا يمنع هذا من سماع أصوات ناقدة لطبيعة الدعم.

وحول الحرب في غزة، قال شحادة، إن هناك إجماعًا يمينيًا أوروبيًا على دعم إسرائيل، وهذا ما تنتظره تل أبيب أساسًا، فبالنسبة لحرب غزة هناك إجماع وستكون عامل ضغط من اليسار للعودة، لكن القرارات الحاسمة اتخذت وسيتم البناء عليها.