أحمد وهالة وهيثم.. 3 مقادير للمعاناة.. وقائع نكبات أسرة موعودة بالآلام
فى صباح يوم ٧ نوفمبر ٢٠١٩ استيقظ الناس على خبر صادم مفجع.
هيثم أحمد زكى مات.
موت الشباب أمر مفزع فى العموم، ويصيب النفس بانقباضة لا تزول سريعًا، لكن خبر موت هيثم أصاب الجميع بحالة اضطراب مشاعر مختلطة، أغلبها يدور فى فلك الحزن العميق، لكن ظل هناك شعور فى الخلفية لا تخطئه عاطفة، شعور أشبه بالارتياح لذهاب هذا الشاب المحكوم عليه بالوحدة إلى أحبائه الذين فارقوه واحدًا تلو الآخر، ليجد نفسه وسط هالة من الفراغ الواسع الذى يشبه صحراء قاحلة بلا ماء ولا حياة.
إذن فالعائلة اجتمعت أخيرًا، وكأن الموت حقق ما فشلت فيه الحياة، وذهب هيثم إلى أبيه، أحمد زكى الفنان العظيم الذى فارقه قبلها بأربعة عشر عامًا فى مارس ٢٠٠٥، وقابل أمه، الطيبة هالة فؤاد التى اختطفها السرطان الغاشم من حضنه الطفولى قبل ٢٦ عامًا فى ١٠ مايو ١٩٩٣، وقبلها بشهور فقد جده الحبيب أحمد فؤاد، الذى كان منحة القدر ليعوضه بعثرة الحياة حوله وغياب الأب، ثم أخيرًا مارس الموت لعبته القاسية معه باختطاف خاله الوحيد هشام فؤاد، الذى كان ملاذه الآمن بعد وفاة الأب والأم والجد والجدة قبل ذلك، ليجد هيثم نفسه وحيدًا تمامًا منزوعًا من كل علاقة إنسانية حقيقية، وصارت حتى نجاحاته المحدودة فى التمثيل بين الحين والآخر عاجزة كليًا عن تعويضه عن غياب الأحبة، حتى أخوه الوحيد الذى عاصر ولادته فصلت بينهما بحار وبلاد بعد أن انكفأ الشاب على حياته مع أبيه وزوج أم هيثم، عزالدين بركات، فى أوروبا.
وانغلقت كل الطرق أمام وريث المعاناة والأحزان، هيثم أحمد زكى، الذى ورث أثقال قصة حب كبيرة بين أبيه وأمه أضاعها الأول بعناده وأنانيته، على حد وصفه لنفسه، بعد وفاة هالة.. وصار الموت طريقًا أوحد للوصول إلى الأحبة، وذهب هيثم يوم ٧ نوفمبر ٢٠١٩ ليترك غُصة فى حلق كل من عرفه وعاصر صوره مع أمه وأبيه وجده على أغلفة المجلات متمنين أن يكون هيثم قد وجد سعادته أخيرًا بجوار أحمد وهالة وباقى الأحباب.
عن هذه الأسرة التى خُلقت بالحب وانهارت بالعناد نتلمس عبر قصاصات الورق بعضًا من يوميات المعاناة فى حياة ٣ أشخاص جمعهم الدم والموت بعد أن فرقتهم الحياة.
١٩٧٨.. عندما قال عاطف سالم: هى دى.. لقيتها
اعتادت الشابة اليافعة صاحبة الطلة الملائكية الذهاب إلى حيث موقع عمل الأب المخرج الشهير أحمد فؤاد.. وفى يوم مشمس من أيام ١٩٧٨، حيث موقع تصوير خارجى لفيلم جديد يخرجه الأب للنجم الذى يهرول نحو قمة سيحتكرها لنفسه عقودًا تالية اسمه عادل إمام.. والفيلم كان «رجب فوق صفيح ساخن».. البنت الجميلة تستظل بجوار أبيها تراقب عن كثب وشغف ما يدور فى عالمه المبهر.
فى هذا اليوم دخل اللوكيشن صديق للأب ليزوره ويشد من أزره فى فيلمه الجديد، كما كانت عادة هذا الجيل.. الصديق هو المخرج الكبير عاطف سالم، صاحب التاريخ السينمائى الثقيل.. نظر الرجل للبنت الجميلة الجالسة بجوار أبيها وتعلقت عيناه بها دون أن يعرف من هى، ثم تمتم قائلًا: هى دى.. لقيتها.
هنا انتبه أحمد فؤاد لما قاله صديقه مستفهمًا وقبل أن يفتح فمه سأله سالم: هى مين دى؟
رد فؤاد: دى هالة بنتى.
تمتم عاطف سالم متخيلًا الاسم على الأفيش: هالة فؤاد.
بادره الأب: إنت بتقول إيه يا عاطف؟!
قال له: إن الأقدار قد قذفت بى إليك لكى أجد بطلة فيلمى الجديد التى أبحث عنها وبدأ يشرح له تفاصيله.
الفيلم هو «عاصفة من الدموع» لفريد شوقى «بطل عاطف سالم المفضل» والدور المحورى المطلوب هو ابنة من زيجة سرية للمحامى المخضرم تتميز بالملائكية الشديدة وتكون هى محور الأحداث الرئيسى فى الفيلم.
فى البداية لم يكن الأب المخرج الكبير يريد لابنته أن تدخل عالمه الملىء بالصعاب، صحيح أنه أشركها فى مشاهد معدودة وهى طفلة فى أفلام أخرجها أو شارك فى إخراجها قبلها بسنوات، لكنه لم يكن يتمنى لابنته أبعد من ذلك أو على الأقل كانت الأولوية للانتهاء من دراستها وإيجاد مستقبل مهنى مضمون يصير الفن عاملًا فرعيًا فيه، لكن جاء شرح عاطف سالم للدور ليضرب حوائط الصد داخله خاصة عندما فوجئ بلمعة عينى ابنته الشابة التى أتمت العشرين بالكاد وقد تعلقت نظرات الشغف بما يخرج من فم صديق والدها.
ويبدو أن الرجل قال لنفسه ولمَ لا؟!، خاصة أن العرض مغرٍ لابنته الوحيدة وصغيرته المدللة، حيث إن الدخول إلى الفن من بوابة ضخمة اسمها عاطف سالم أمر ليس بالهين، ناهيك عن وقوفها أمام فريد شوقى بجلالة قدره وبجوار عمر الحريرى وليلى طاهر ومريم فخرالدين.. أسماء كلها رنانة أغرت الأب أن يترك الفرصة الذهبية تتسلل إلى صغيرته التى بدت له محظوظة فى تلك اللحظة على الرغم من انقباضه من اسم الفيلم «عاصفة من الدموع».
مرت الأيام وعُرض الفيلم محققًا نجاحًا جماهيريًا ونقديًا معقولًا، وكان السؤال الأول للجميع: مَن هى تلك الممثلة صاحبة الوجه الملائكى الصبوح التى أدت دور ابنة فريد شوقى غير الشرعية؟.. جاء الرد:
هالة فؤاد.
سريعًا وبمنطق البورصة تم تداول الاسم الجديد المبشر على أوسع نطاق ليصير معلومًا للكل بعد أن كانت منذ شهور بسيطة لا يتعدى نطاق معارفها أصدقائها فى مدرج كلية التجارة والعائلة ومن انتبه لها طفلة فى الأفلام القديمة.
بدا أننا أمام نجمة شباك مستقبلية وانتبه المخرجون الآخرون إليها ورُفع الحرج عن الأب أحمد فؤاد الذى كان حريصًا على أن تثبت هالة نفسها أولًا حتى يوضع اسمها فى نفس الأفيش مع اسمه فى أى عمل يجمعهما. وهو ما حدث فى عام ١٩٨١، حيث أخرج لها فيلم «مين يجنن مين» كبطولة نسائية بجوار محمود ياسين وحسين فهمى.
١٩٨١.. نبوءة الموعد: نجمة جيل صاعد تدخل سجن أحمد زكى
صدرت مجلة «الموعد» يوم ٤ مايو ١٩٨١ وغلافها صورة لفتاة جميلة بفستان بسيط وملامح ملائكية سالبة للعقول وتحت الصورة جملة واحدة: «هالة فؤاد.. نجمة جيل صاعد»، أرادت «الموعد» أن تجاهر بنبوءتها لتلك الفنانة الشابة التى كانت على ما يبدو تعيش فترة ثرية ومطلوبة فى أكثر من عمل فنى سواء تليفزيونيًا أو سينمائيًا.
الحق أن عام ١٩٨١ حمل لـ«هالة» ما هو أهم من فيلمها مع حسين فهمى ومحمود ياسين الذى أخرجه الأب أحمد فؤاد.. حيث وجدت نفسها تقف أمام فتى أسمر يافع الموهبة غزير الانفعالات.. اسمه أحمد زكى، كان ذلك فى تصوير مسلسل «الرجل الذى فقد ذاكرته مرتين»، عن قصة نجيب محفوظ وسيناريو وحوار أسامة أنور عكاشة.
أحمد حينها كان ما زال يعيش أجواء النجاح الساحق تليفزيونيًا فى رائعة «الأيام» التى عُرضت قبلها بسنتين، علاوة على لمعان سينمائى آخذ فى الازدياد بعد أن وثق فيها مخرجو المرحلة الجديدة ليكون بطلًا مطلقًا مثل محمد خان الذى أخرج له فى نفس العام فيلم «طائر على الطريق» أمام العملاق فريد شوقى أيضًا.
يبدو أن أجواء تصوير المسلسل كانت محفزة لحب حقيقى ينمو داخل بطليه.. هالة فؤاد، صاحبة الـ٢٣ عامًا، وأحمد زكى، الذى وصل لتوه إلى سن ٣٥، وجد أحمد فيها ما كان يرنو إليه من صفاء قد يعوض سنوات الحرمان العاطفى التى عاشها ابن الشرقية اليتيم.
أحمد أصابه ما وصفه هو بنفسه، بعد سنين طويلة، بالأنانية، حيث أراد هالة له وحده وطلب منها التفرغ للبيت الذى ينويان إقامته وترك الفن بعد مسلسلهما هذا، والغريب أن هالة التى كانت ما زالت مسحورة بعالم الفن ونجاحها فى أول الطريق وافقت بضغط حبها لأحمد، وبعد أن كانت بطلة فيلم أبيها القادم «بيت القاصرات» ومتحمسة له جدًا، كما كشف محرر «الموعد» فى موضوعه عن حماس الابنة والأب لهذا الفيلم الذى يتماس مع أوجاع الناس.. لكن شرط أحمد جعلها تتنازل عن الدور وترشح بديلة للأب وذهب الدور إلى صديقتها الوجه الجديد سماح أنور لتدخل هالة سجنها الجميل الذى تمنته من البداية.. «سجن أحمد زكى».
١٩٨٤.. هيثم أحمد زكى مولود بصحيفة معاناته
كان طبيعيًا أن تفوح رائحة الخلافات بين الشاب الأسمر والبنت الجميلة بعد أن جمعهما بيت واحد، وجاءت إلى الدنيا النبتة الوحيدة لهذا الزواج «هيثم»، حيث صار الآن ثمة رباط ربانى من شأنه أن يذيب أى خلافات، لكن الواقع شىء آخر، فقد أرادت هالة أن تعود لأضواء الفن ولا تكتفى بأن تكون زوجة أحمد زكى كما كان يريد هو.. وأصر هو على موقفه دون تزحزح، وأصبحت حتى وساطة الأب أحمد فؤاد عبئًا نفسيًا كبيرًا على نفس الزوج لا يتقبله، بل إنه اتهمه بمناصرة ابنته فى كل الأحوال.
كل هذا الضجيج الذى امتلأ به إناء حياتهما لم يكن بعيدًا عن أعين الصحافة، فبدأت أبواب النميمة فى المجلات الفنية تسترق السمع وراء أبواب بيت أحمد وهالة، ونشرت مجلة «نورا» مثلًا خبرًا فى عدد ٢ أغسطس ١٩٨٤ بعنوان «تجميد الخلاف بين أحمد زكى وهالة فؤاد».. وكشف الخبر عن سبب الخلاف، وهو رفض أحمد القاطع رجوع هالة إلى الفن بعد أن اتسعت دائرته الفنية وأصبح فى مصاف نجوم الصف الأول، وزاد الطلب عليه وبات بحاجة إلى الاستقرار العائلى وهو ما لا يتوفر إذا كانت زوجته تعمل فى الاستديوهات مثله.. وفى الخبر نعرف أن الأب أحمد فؤاد أراد أن يهدئ الأمور بأن اصطحب إلى الإسكندرية ابنته الشابة وابنها الرضيع هيثم الذى ولد وعلى ما يبدو يحمل صحيفة معاناته بخروجه إلى الدنيا فى أسرة تحمل جينات تفككها وتفسخها من أول لحظة حتى فى وجود الحب الكبير بين أحمد وهالة.
ومرت الأيام ثقيلة ولم تفلح أى محاولات للتقريب بين الحبيبين، ويبدو أن تدخلات الأب المخرج الكبير أحمد فؤاد قد زادت الهوة بدلًا من تقريبها، حيث كان غير راضٍ عن رغبة أحمد فى سجن طموح ابنته وشغفها الفنى دون وجه حق.
وحدث الانفصال بعد سنتين فقط، ووجد الطفل هيثم نفسه موزعًا بين ضفتين، ضفة الأم الهادئة التى يظللها الجد والجدة المحبان له والخال الصديق هشام أحمد فؤاد، ثم الضفة الأخرى متلاطمة الأمواج وهى ضفة الأب، حيث يترك نفسه أحمد زكى كليًا لنداهة الفن مكتفيًا بالساعات القليلة التى يقضيها مع ابنه بين الحين والآخر، سواء بشكل تلقائى فى الزيارات الدورية أو المجهز لها سلفًا لتكون غلاف مجلة هنا أو هناك مثل غلاف مجلة «الكواكب» فى عدد ٢١ فبراير ١٩٨٩ التى حوت تحقيقًا داخليًا من شقة المهندسين وصورًا لأحمد وهو يطبخ لهيثم صاحب الخمسة أعوام ويلاعبه.
وعلى الجانب الآخر يظهر هيثم فى معسكر الأم على غلاف نفس المجلة قبلها بعامين فى فبراير ١٩٨٧ فى إطار حوار صحفى مطول معها داخل العدد تحدثت فيه هالة فؤاد عن الفن والأمومة والزواج، وجاء العنوان بالنص على لسانها: «لن أقضى حياتى مع آثار تجربة غير موفقة»، وكان فيه تلميح لبداية حياة زوجية جديدة بعيدًا عن تجربة أحمد زكى المؤلمة ونشرت نفس المجلة بعدها بشهور قليلة صورتها على الغلاف أيضًا، لكن هذه المرة وهى تقطع تورتة مع رجل جديد ومع عنوان جديد أيضًا «خطوبة هالة وعزالدين»
١٩٨٨.. ذبح أحمد بصورة هيثم يقطع «تورتة» زواج أمه
لم يكن عدد «الكواكب» بتاريخ ٢ أغسطس ١٩٨٨ عددًا عاديًا بالنسبة لأحمد زكى.. فقد انتظره الفتى الأسمر على أحر من الجمر عندما عرف أن غلافها الذى حمل قبل ٥ سنوات صورته مع هالة قد صدر هذا اليوم ليزف إليه أسوأ خبر فى حياته وهو زواج هالة من رجل آخر، وعلى ما يبدو أن حبه لهالة لم يفتر يومًا، غير أنه العند الذى منعه من لم الشمل مرة أخرى، والعهدة على الماكير محمد عشوب، صديق الاثنين، الذى كلمه أحمد ثائرًا فور معرفته بالخبر على الرغم من مرور أشهر على خطبتها، وكان كأنه يتشاجر مع نفسه التى فرطت فى حب عمره وتركته يذهب لرجل آخر.. لكن الذى ذبح أحمد حقًا عندما فتح عدد «الكواكب» فور وقوعه فى يده ووجد صورة ابنه هيثم، صاحب الـ٤ أعوام، حاملًا شمعة خلف أمه وعريسها الجديد، وصورة أخرى يقطع تورتة الزفاف، كانت صورة هيثم مثل سكين باردة وضعت على رقبته، وتصور الفتى الأسمر أن الأمر مقصود لإغاظته والنيل من كرامته، وحاول «عشوب» والقريبون منه تهدئته وتبرئة هالة وأبيها أحمد فؤاد من تعمد استفزازه بهذه الصورة، لكن يبدو أن أحمد قد وصل فى ثورته حينها للذروة، والدليل على ذلك الوصية التى عثر عليها الباحث والمنقب مكرم سلامة، أحد أشهر جامعى الوثائق والأرشيفات فى مصر والعالم العربى، وانفرد بها الزميل محمد المالحى فى الموقع الواعد «تليجراف مصر».
نص الوصية يكشف عن مقدار الألم والإهانة التى شعر بها أحمد زكى بعد أن رأى صور زفاف هالة وعزالدين وكتبها على إحدى أوراق شركته الخاصة «أفلام أحمد زكى» بخط يده وتوقيعه وهى بالنص:
«أقر أنا أحمد زكى عبدالرحمن بدوى، بطاقة شخصية ٩٩١٣ العجوزة، الساكن فى ٦ شارع الجزائر العجوزة، أن يكون السيد سمير عبدالمنعم السيد محمد كسبة، ابن خالى، وصيًا على ابنى هيثم أحمد زكى بعد أن ينتهى بى العمر بعد وفاتى، ويكون مسئولًا عنه، وليس السيد أحمد فؤاد أو ابنه هشام فؤاد أو هالة فؤاد، وليس لهم الحق فى أى شىء يخصنى».
المتأمل حتى لخط زكى فى الوصية سيستشعر رعشة العصبية ظاهرة فى الكتابة المتسرعة ويسهل تخيل حالة كاتبها النفسية وقت كتابتها، والحق أن أحمد زكى بعد أن هدأت ثائرته ومرت الأيام والشهور والسنون تراجع عن تلك الوصية الغاضبة عمليًا حيث ترك ابنه فى كنف والدته، لأنه استشعر أن ذلك أفضل له، وظل مرابطًا فى حجرته الفندقية التى تناسب طبيعته القلقة عدوة الاستقرار.
١٩٩٦.. ويفيد بإيه الندم.. عندما اعترف أحمد: ظلمت هالة.. ونفسى
فى عدد مجلة «أكتوبر» ٨ يونيو ١٩٩٦ نزل سؤال الصحفى محمود فوزى على قلب أحمد زكى كالمطرقة عندما سأله هكذا دون مواربة عن هالة قائلًا: «ما الذى فرّق بينكما؟».
يصف فوزى رد فعل أحمد على السؤال قائلًا: «سمعت التأوهات تخرج من أحمد زكى وهو يقول أنت تفتح الجراح من جديد».. ثم يبدأ فى توصيف ما حدث بينه وبين حبه الوحيد وأم ابنه التى كانت قد فارقت الحياة حينها قبلها بثلاث سنوات، وأسهب «زكى» فى شرح خطيئته مع هالة كأنه يتطهر منها بالاعتراف، لكنه يبرر لنفسه بأنه كان يحاول أن يحقق أمنية قديمة خلقها يُتمه وطفولته البائسة وتتلخص فيما قاله بالنص:
«كنت أحلم بتكوين عش الزوجية السعيد وأن أنجب نصف دستة أطفال، وهذه حقيقة بدون مبالغة وكان منتهى أملى أن أنشئ البيت الذى لم أنعم به- البيت الذى يضم أطفالًا تصرخ وأطفالًا يبحثون عن الشراب الضائع وأطفالًا يجرون تحت السرير ورائحة الطبيخ تملأ الأنوف- بيتًا مصريًا حقيقيًا، تمنيت أن أكوّن أسرة كبيرة بمعنى الكلمة، وكم كانت هالة فؤاد رائعة ومهذبة وجميلة ولطيفة».
ثم يكمل فى موضع آخر: «والحقيقة أننى ظلمت هالة فؤاد، فقد اعتقدت واهمًا أنها لا تحب الفن وأنها تمثل فقط من أجل التمثيل والواقع غير ذلك، وحين أحكم اليوم على نفسى فأنا فى الحقيقة كنت أنانيًا، فهالة كانت تحب الفن ووالدها المخرج أحمد فؤاد، رحمة الله عليه، كان يرى فى ابنته أعظم فنانة وأعرف أننى وقفت أمام حلمه ذلك».
ثم يقول أحمد بمرارة فائقة: «أعترف أننى كنت غبيًا لأننى لم أستوعب الحكاية كلها، ودمرت الحب الجميل، فهالة كانت رائعة للغاية لكننى ظلمتها لأننى كنت مستغرقًا فى حلمى فى تأسيس بيت وأولاد وعزوة».