رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رفح.. نازحون فلسطينيون لـ«الدستور»: الأحزمة النارية حاصرتنا.. والهجوم يحرق الخيام بمن فيها

مخيمات رفح
مخيمات رفح

«صواريخ ونيران وقنابل حارقة كانت تحاصرنا فى كل مكان، فى ليلة مرعبة ارتكب خلالها الاحتلال الإسرائيلى الغاشم جريمة وحشية جديدة تضاف إلى جرائمه التى لا تنتهى، على مرأى ومسمع من العالم، ليؤكد من خلالها أنه فوق كل القوانين والأعراف الدولية».

بذلك، لخص شهود عيان من النازحين الفلسطينيين فى قطاع غزة مشهد «محرقة الخيام»، التى ارتكبتها قوات الاحتلال، الأحد الماضى، بعدما استهدفت مخيم نزوح تم إنشاؤه حديثًا قرب مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، شمال غرب مدينة رفح الفلسطينية جنوب القطاع، موضحين، لـ«الدستور»، تفاصيل الليلة الدامية التى أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والمصابين من الفلسطينيين على مرأى ومسمع من العالم كله.

«كانت الثانية تمر كأنها ساعات، فالأحزمة النارية والشظايا والنار فى كل مكان»، بهذه الكلمات بدأ زكريا بكر، النازح الفلسطينى إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، روايته عما حدث فى ليلة محرقة الخيام فى رفح، التى أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى بعد قصف إسرائيلى غاشم على «المناطق الآمنة فى القطاع».

وقال النازح الفلسطينى، لـ«الدستور»: «ما زلنا أحياء بعد الليلة العصيبة التى مرت علينا، وكنا فيها ننتظر طلوع النهار بفارغ الصبر، ونحيا بين خوف وقلق وانتظار، فالقصف كان يبعد عنا مسافة كيلومتر واحد فقط، وبدأ فى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل».

وأضاف: «كان القصف يأتينا من البر والبحر والجو، واشتد مع تقدم الدبابات الإسرائيلية، التى ركزت قصفها على مراكز الإيواء والعيادات والمستشفيات، وتقريبًا لم تسلم أى منشأة من القصف، سواء طبية أو أممية».

وتابع: «سيارات الإسعاف كانت تمر أمامى وهى تنقل الجرحى والمصابين إلى أقرب مستشفى لإسعافهم وإنقاذ حياتهم، والوضع كان مرعبًا للغاية، فحولنا صواريخ حارقة، وأحزمة نارية تحاصر مربع الخيام من كل الاتجاهات، حتى يتم حرقنا جميعًا».

وأوضح أن عددًا كبيرًا من المقيمين برفح خرجوا إلى مراكز الإيواء القريبة من المدينة، التى حاصرتها الدبابات، ما أوقف عملية النزوح خلال فترة الليل، لكن مع طلوع النهار عادت حركة النزوح بصورة مكثفة للغاية باتجاه الشمال، ومعظمها كان سيرًا على الأقدام، خاصة مع ارتفاع تكلفة النقل من رفح إلى خان يونس، بشكل كبير جدًا.

وأردف: «كنت قد نزحت مع أسرتى من مخيم الشاطئ بشمال قطاع غزة إلى رفح فى الجنوب مع بداية الحرب، ومع تقدم قوات الاحتلال نزحنا مرة ثانية إلى غرب رفح، وتحديدًا إلى منطقة تل السلطان، وحاليًا تنزح العائلات من الجنوب إلى الشمال مجددًا، وعلى الأرجح سنفعل ذلك نحن أيضًا، وسننزح مجددًا إلى خان يونس أو دير البلح، مثلما فعل كثيرون».

وأكد النازح الفلسطينى أن جيش الاحتلال لا يحتاج إلى حجة لقصف أى منطقة معينة بقطاع غزة، معتبرًا أن الجرائم الإسرائيلية الجديدة ما هى إلا رد من دولة الاحتلال على قرار محكمة العدل الدولية الداعى لوقف الحرب فى رفح.

واختتم حديثه بالقول: «رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يعلن أنه فوق كل القوانين، وأن إسرائيل فوق الأعراف والقرارات الدولية، وما يحدث حاليًا هو إبادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وحتى الآن يستمر القصف ولا يعلم أحد متى سيتوقف».

وقالت أمانى العبادلة، المقيمة بمنطقة القرارة بمدينة خان يونس، إن نزوح الفلسطينيين من جنوب القطاع أصبح حتميًا، بعد القصف العدوانى الذى يستهدف أماكن تمركزهم، مؤكدة أنه لا يوجد حاليًا مكان آمن فى قطاع غزة بشكل عام، وهو ما يدركه أى متابع للعمليات العشوائية التى تستهدف المدنيين والآمنين.

وأضافت: «القصف أسفر عن اندلاع النيران فى الخيام، والنار بدأت تأكل الناس مباشرة، فى محرقة حقيقية، تحت مرأى ومسمع العالم أجمع، فرضها الاحتلال، كما فرض كل المجازر التى ترتكب بحق الفلسطينيين طيلة عشرات الأعوام، وهذه المحارق أصبحت تتكرر أمام الجميع الآن وبشكل يومى».

وتابعت أمانى: «القصف كان يستهدف الآمنين فى مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة، وهذا إرهاب فى حد ذاته، ولم أعد أدرى بعد النزوح للمرة السابعة منذ بداية العدوان إلى أين أتجه، فلم يعد هناك مكان يمكن أن يلجأ إليه النازحون».

واستطردت: «لا يوجد أى قوانين أو أعراف دولية أو إنسانية تحكم آله الحرب الإسرائيلية»، فمنذ بداية العدوان والقصف لم يتوقف، وكلنا يدرك أن العملية العسكرية فى رفح خلال الأيام الماضية جاءت بتوجيهات مباشرة من مجلس الحرب الإسرائيلى، وبعد دراسة معمقة، للرد على محكمة العدل الدولية، ودون مراعاة لأى من الجوانب الإنسانية المتعارف عليها».

وأشارت إلى أن رحلات النزوح الفلسطينى أصبحت كثيرة ومؤلمة وقاسية، خاصة بعدما تبين كذب الحديث عن الممرات الإنسانية، التى فقد خلالها المئات من المدنيين.

وأردفت: «يبدو أن هناك ثأرًا عميقًا، فمجلس الحرب يحاول إرساء قواعده فى التعامل مع الفلسطينيين فى كل أماكن وجودهم، من خلال المحارق، التى تبين حقيقة الاحتلال المتوحشة، وجموع النازحين يعيشون حالة من الهلع والتوتر والاضطراب، فالكل يهرول بحثًا عن مكان للجوء الآمن، ويحاول النجاة بنفسه».

وقال الدكتور خالد أحمد، من مدينة رفح، إن غالبية سكان رفح ينزحون شمالًا باتجاه، خان يونس والمحافظة الوسطى، بعد ليلة محرقة الخيام، التى اشتعلت بمن فيها من أطفال ونساء، بعد أن استهدفتهم طائرات الاحتلال بقصف مكثف، نتج عنه استشهاد العشرات وإصابة أكثر من مائة.

وأضاف أن دبابات الجيش الإسرائيلى دخلت تل زعرب وسط إطلاق نار وقذائف من كل الاتجاهات، مما تسبب باستشهاد العديد من المواطنين، مشيرًا إلى أن رفح تشهد حالة نزوح ضخمة، وسط استمرار سقوط القذائف التى طالت عشرات المبانى، ما تسبب فى بث حالة عامة من الخوف والهلع وسط السكان.

وتابع: «الاشتباكات مستمرة على طول محور فيلادلفيا، وأنا حاليًا فى طريقى إلى خان يونس، بعدما أصبحت رفح هدفًا لطائرات ودبابات الاحتلال».

ومن المحافظة الوسطى التى استقبلت مئات النازحين من رفح مرة أخرى، قالت سمية فتحى، ناشطة نسوية، إن حالة النزوح والهجرة قسرًا من محافظة إلى محافظة ومن مكان إلى مكان مستمرة، بسبب قصف طائرات ودبابات الاحتلال الإسرائيلى.

وأضافت: «النزوح لم يكن للمرة الأولى، بل تكرر أكثر من مرة من رفح إلى خان يونس وإلى المحافظة الوسطى، بعد عملية التهجير الأولى من محافظة الشمال ومحافظة غزة باتجاه الجنوب».

وتابعت: «الأوضاع الإنسانية والمعيشية للنازحين مأساوية وكارثية، فلا يوجد مأوى ولا مكان آمن يلجأ إليه النازحون لكى يحتموا به من القصف المتواصل، الذى يستهدف الإنسان والمبانى».

وأوضحت أن موجات النزوح المتواصلة والمتكررة مرهقة للغاية، وتبدأ الرحلة بالبحث عن مكان أو عن خيمة للإقامة، وعن آليات تلبية الاحتياجات الأساسية اليومية، من أجل استمرار الحياة، كالمأكل والمشرب.

واستطردت: «تشمل المعاناة رحلة البحث اليومية عن طعام وماء، وعن غاز وحطب من أجل طهى الطعام، وهذه الأشياء الأساسية لمقومات الحياة ولا تتوافر بسهولة».

وقالت إن استمرار الحرب والعدوان يؤكد أن عملية النزوح والتهجير والتشريد من مكان لآخر لا تزال مستمرة، مضيفة: «لا مكان آمنًا فى قطاع غزة ولا مأوى يجعل النازحين يشعرون بالسكينة والاطمئنان ولو لبعض الوقت، فقصف الطائرات وصوت المدافع يقطعان عليك الطمأنينة بأصواتها المرعبة».

وأكدت أن استمرار الحرب ينذر بكارثة إنسانية، لأنه لا يوجد أى مقومات للحياة الأساسية للإنسان النازح لكى يتأقلم مع الظروف الاستثنائية.

واختتمت: «كلنا أمل فى انتهاء الحرب عاجلًا، حتى يمكننا البدء من جديد، وأن نسعى لاستعادة جزء من مقدراتنا التى فقدناها فى العدوان».