المثقف والسياسة.. ماذا قال زكي نجيب محمود عن هموم المثقفين؟
ينشغل كثيرون من المثقفين بالكتابة السياسية، وعادة ما نجد هذه الإشكالية في ميدان المثقفين، هل على المثقف أن ينشغل بالسياسية ويترك مهامه الثقافية؟ أم أن السياسية هي أحد هموم المثقفين؟ ويحسم هذه الإشكالية، الدكتور زكي نجيب محمود، أحد أبرز فلاسفة العرب ومفكريهم في القرن العشرين، في كتابه "هموم المثقفين".
المثقف والكتابة السياسية
قال زكي نجيب محمود، حول مسألة انشغال المثقفين في الأمور السياسية: لو كانت هموم المثقَّفين أقلَّ من أن تملأ حياتهم كلَّها لو أرادوا، لالتمسنا لهم الأعذار في ملء الفراغ بالمشاركة في الكتابة السياسية، برغم عِلْمنا بأنهم في هذه الكتابة السياسية لا يفضِّلون غيرَهم ممَّن يتخذون منها حرفة؛ أي إنهم بالكتابة السياسية يتركون ما يُحسِنون إلى ما ليس يُحسِنون.
وأعطي زكي نجيب محمود مثالًا على عميد الأدب العربي، طه حسين، متسائلا: فلماذا لا نَذْكر طه حسين والعقاد والمازني والدكتور هيكل بالمقالات السياسية التي كتبوها؟ إننا إذ نَذْكر أحدًا من هؤلاء، فإنما نَذْكره بما امتاز به بحكم موهبته، وأعني ما تَرَكه لنا في مجال الأدب والفكر والنقد الأدبي والفني، أو قُلْ إننا نَذْكره بما تَرَكه لنا في "نقد الحياة" نقدًا أراد به أن يبدِّل لنا قِيَمًا بقيمٍ ونظرةً حضاريةً بنظرةٍ أخرى.
وأضاف: حين نقول بحقٍّ إن أديبنا العظيم توفيق الحكيم جديرٌ بجائزة نوبل، فإنما نقول ذلك وفي أذهاننا أعمالٌ راسخة وخالدة، كأهل الكهف والملك أوديب والسلطان الحائر، وغيرها مما أبدعه وما نعتز به.
وعن دور المثقفين الحقيقي، وجه زكي نجيب محمود كلماته للمثقفين الذي يكتبون السياسية، قائلًا: إنه لا رجاء لنا في إعادة تشكيل الحياة من جذورها وفي صميمها، إلا أن يكون ذلك على أيدي المثقفين، الذين لا يُعنون بالأمور السابحة على الأسطح عنايتهم بالمحرِّكات الكامنة في دخائل النفوس، وتعالَ معي ننظر إلى جماعات المثقفين في مختلف الثقافات وعلى تَعاقُب العصور، لنرى أكانت الشئون السياسية مشغلتهم، أم كانت لهم همومٌ أخرى غير السياسة وأبعدُ منها مدًى وأعمق منها جذورًا؟
من هو أعظم المثقفين العرب عند زكي نجيب محمود؟
ولفت زكي نجيب محمود إلى دور الجاحظ الكبير في تحول وجهة النظر العربية كلها، واصفًا إياه بانه "أعظمُ المثقفين العرب على الإطلاق" مؤكدًا أن الجاحظ استطاع أن ينقل وجهة النظر العربية من وجدان الشاعر إلى علمية الناثر؛ فبعد أن كانت الثقافة كلها (تقريبًا) ترتكز على قصيدة الشعر، باتت ترتكز على فكرة النثر؛ ومن ثم استطاع التراث العربي أن يشتمل على ما اشتمل عليه من كنوز الفقه وعلوم اللغة والفلسفة وغير ذلك.
ويرى زكي نجيب محمود، أن الجاحظ استحق أن يوصف بما نَصِفُه به، مشيرًا إلى: لو شغل نفسه بأمور السياسة لما ترك لنا إلا أقوالًا كنا لنقرأها اليوم بجزء يسير من اهتمامنا؛ لأن أمور السياسة تذهب بانقضاء أوانها.