حكايات السمر والسفر في حياة "الغيطاني".. أحمد الخميسي يروى بعضها
فى رسالة مفتوحة إلى الأديب الكبير جمال الغيطاني، كتبت الصحفية الكبيرة سناء البيسى بعد تعرضه لوعكة صحية ألمت به في أيامه الأخيرة؛ وفيها له وعنه، “ما من شيء في السفر يثير عنده الحنين مثل عبور القناطر والجسور خاصة تلك المحتفظة بطابع القدم والعتاقة، والجسر لدى الكاتب القدير النادر جمال الغيطانى يعنى همزة الوصل بين عالمين، بين ضفتين، بين حياتين، الجسر لديه رمز للاستئناف”.
تابعت البيسي في رسالتها: "واليوم يا جمال الأدب والكلمة والعبارة والرواية والفكر والأسفار والتفرد والسرد والأسلوب والإبداع والتجربة والنفاذ إلي الجوهر والإمعان في النظر إلى لب الأشياء، وصحبة المكان والجدران والنخل والنجمة والحجر وأشعار التصوف وحى الحسين والآفاق والرؤى والطقس اللغوى المتميز وعشق التفاصيل والتجليات ووقائع الزمان، اليوم يا جمال ندعوك لعبور جسر الغياب والابتعاد والتنائى والترحال والخطر، لواقع الحضور والإفاقة واليقظة والصحو والصحة والمشاركة والحوار الشيق.. يا جمال ضمد جراح القلب المفتوح وافتح لنا نوافذ الآمال المورّقة وعد إلينا كما عودتنا، عد إلينا بكامل أدواتك وأبعادك وحقائبك ومخطوطاتك فأسفار المشتاق قد طالت والجمع في انتظارك علي أرض المحطة علي أحر من الجمر، فشدة الإعجاب بك قائمة علي حالها، ودعوات الشفاء لك تسرى في أوصال قرائك نحن المصريين والعرب".
بهذه الكلمات كشفت "البيسي" عن ملمح من ملامح أسفار ورحلات صاحب التجليات جمال الغيطاني؛ والتي يستكملها القاص والمترجم الدكتور أحمد الخميسي الذى شاركنا في ذكرى ميلاد "الغيطاني" ملمح من ملامح السمر والسفر في رحلاته مع صديقه صاحب "أوراق شاب عاش ألف عام".
أحمد الخميسي: كان من أول أحلامه أن نسافر في قطار ونتوقف عند كل بلدة في الصعيد
ويقول الدكتور أحمد الخميسي: “ربطتني بجمال الغيطاني علاقة صداقة مبكرة ونحن على أعتاب السادسة عشرة من عمرينا، وكان لتلك الصداقة قصة رواها جمال أكثر من مرة. وحين أتذكر جمال الآن، ورحلاته، أشعر بدهشة عميقة، فقد كان من أول أحلامه أن نسافر في قطار ونتوقف عند كل بلدة في الصعيد، لكن ذلك الحلم لم يتحقق قط، وظل حلما معلقا”.
وتابع “الخميسي" في حديثه لـ"الدستور": “لاحقا لم يجمعني بلد بالغيطاني سوى روسيا، وكانت حينذاك في قلب الاتحاد السوفيتي، وذلك حين نظم جورباتشوف مؤتمرا عالميا للأدباء والفنانين في موسكو وكان ذلك إذا لم تخني الذاكرة قبل عام 1990، وجاء جمال من القاهرة وظللنا معا طوال أيام المؤتمر، وكان جمال ظريفا كعادته كثير الضحك، خاصة مع دهشتنا ونحن نرى أمامنا نجما عالميا مثل جريجوري بك، وقد أصر جمال على التقاط صورة له مع النجم ظلت طويلا معلقة في مكتب الغيطاني بأخبار الأدب، التقينا أيضا وكان ذلك مذهلا بالكاتب السويسري العالمي فريدريش دورينمات، ولم أكن أعرف شكله، لكن جمال استوقفني ونحن في ممر بصالة المؤتمر، وشد على ذراعي هاتفا بذهول: أحمد.. هذا دورينمات!، نظرت للرجل وكان قصيرا بدينا لا يوحي إطلاقا بأنه كاتب عظيم، وقلت لجمال: طيب.. نمشى بقى، قال: مستحيل لازم نتصور معه، وقد كان، ومازلت أحتفظ بتلك الصور، ذكرى من السفرية الوحيدة التي رأيت فيها جمال خارج حدود الوطن، وذكرى تجدد في الوجدان أحلام شبابنا حينما لم نسافر معا”.