«وجوه وكتب وقضايا».. تأريخ سياسى واجتماعى لأزمات المثقفين
«وجوه وكتب وقضايا» للكاتب والناقد على عطا، الصادر عن «بيت الحكمة»، يضم عشرات المقالات التى كتبها المؤلف عن كتب مختلفة، وعن موضوعات وأحداث وأفكار ثقافية متعددة، وشاملة، وربما تأتى هذه المقالات لتوضح أهمية الكتاب، وأهمية المكتبة فى وقت أصبح العالم يتجه فيه نحو التكنولوجيا، أو العالم الرقمى بخطى متسارعة، فيقول المؤلف: «إن المقالات التى يجمعها هذا الكتاب، تعبر فى مجملها عن محبة للكتاب فى شكله التقليدى الذى بات مهددًا من جانب الصيغة الإلكترونية المستجدة، والتى أرى أنها مهما انتشرت فإنها لن تقضى على الشكل الذى صار مألوفًا منذ قرون عديدة».
يمكن اعتبار الكتاب محاولة للتأريخ السياسى والاجتماعى من منظور ثقافى، فعلى سبيل المثال وفى أثناء حديثه عن مذكرات الكاتب محمد سلماوى والصادرة عن «دار الكرمة» تحت عنوان «العصف والريحان»، يقول عطا: «فى الجزء الثانى من مذكراته، يكشف الكاتب المصرى محمد سلماوى عن صدمة نظام حكم الرئيس حسنى مبارك إزاء خبر فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، بما أنه كان يرغب فى فوز كاتب آخر».
أما عن نجيب محفوظ نفسه، وفى موضع آخر من الكتاب، عند الحديث عن كتاب «الشر والوجود.. فلسفة نجيب محفوظ الروائية» لفيصل دراج، يقول المؤلف عنه: «لم يمارس محفوظ شكلًا واقعيًا مألوفًا، إنما عبَّر عن واقعية محفوظية، تقرأ الزمن فى الواقع وتعلن عن عنفه الرهيب، وتبنَّى فردية متميزة لا تكون نمطًا، واستبعد اليقين واحتفى بالشك».
ونلتقى بكواليس أخرى كاشفة عن هذا التأريخ الثقافى: «فرانكفورت ٢٠٠٤»، وتضمن حديثًا مستفيضًا عن العوائق التى واجهت مبادرة الأمين العام لمشاركة الدول العربية كضيف شرف فى أكبر معرض للكتاب فى العالم، وكذلك العقبات التى حالت دون أن تتحقق مبادرته لعقد أول قمة ثقافية عربية.
ومن هذا الإطار العام والعالمى، نعود مرة أخرى لثقافتنا العربية، ونتحدث عن الدكتور جابر عصفور، الذى رحل عن عالمنا فى ديسمبر ٢٠٢١. والذى قال عنه المؤلف: «مشاريع عدة كان يعمل عليها بدأب لم يتأثر باعتلال صحته فى السنوات الأخيرة من عمره الذى أمضاه فى التأصيل لقيم فكرية وثقافية مهمة فى مواجهة تنويرية مع تنامى التطرف فى غير مكان من عالمنا العربى، سواء عبر السلك الأكاديمى، أو العمل الرسمى الذى تقلد فيه مناصب مهمة ومؤثرة، كان آخرها منصب وزير الثقافة».
ثم نعرف ما قاله المترجم الراحل السيد إمام فى تقديمه لترجمته لموسوعة «ألف ليلة وليلة»: «إن الهاجسين اللذين ظلا يحكمان المشهد النقدى العربى والإسلامى فى تقييم الليالى طيلة القرون التى تفصل بين ابن النديم ومحمد عبده ومن جاء بعده من المتزمتِين، هما: هاجس اللغة من جهة، وهاجس الأخلاق من جهة أخرى، فضلًا عن عنصر ثالث أفاض فى ذكره العلماء هو عنصر الكذب أو عدم المطابقة مع الواقع وجنوح القاص الشعبى إلى الغلو والإغراق فى الخيال ووصف المحال».
كل ما سبق يجعلنا على يقين من أهمية هذا الكتاب، الذى لم يؤرخ كاتبه على عطا فقط لأبرز الأحداث والشخصيات الثقافية البارزة فى الوطن العربى بل فى العالم، وبالقدر نفسه لا ينتصر فيه لأدب منطقة على منطقة أخرى، بل ينتصر فيه وقبل كل شىء إلى الإنسان الذى ينشد الخلود أينما كان.