أدباء دمياط
محسن يونس يحكي تفاصيل تجربته الإبداعية.. الجدة مركز الحكايات
على هامش الملتقى السادس عشر لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع أهل مصر، والذي تنظمة الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة عمر البسيوني بمحافظة دمياط كان لقاء “الدستور” بعدد من كتاب ومبدعي دمياط وكان اللقاء الأول مع الكاتب الروائي محسن يونس ليروى لنا سيرته مع الإبداع والحياة في التالي:
وقال الروائي محسن يونس إن الجدة بالنسبة لأجيالنا ستظل مركز الحكايات، تحضرني هنا ذكرى قديمة وهي حول ما كنت أسمعه من حكايات جدتي لأمي ليلاً وفي الصباح أحكي حكايات جدتي لأقراني، بتصرف كنت أراه وقتئذ منطقيا، أو هكذا تكون أحداث الحكاية من وجهة نظري، متخطيا متن جدتي العظيمة، ثم بعد ذلك حينما بدأت القراءة من خلال مكتبة الفصل بالصف الثالث الابتدائي مع قصص كامل كيلاني، كنت أعيد قصها بتصرف أيضا.
وتابع يونس:"الآن أتأمل هذه الوقائع وأقول لنفسي إن الكاتب الذى سوف يكون له قصصه وحكاياته الخاصة كان موجودا، وما محاولات التدخل من جانبه ، وتبديل بعض الوقائع الأصلية إلى وقائع يراها أنها التي تستحق الرواية إلا نوعا من التأليف المبكر ثم تأتى مرحلة الإمساك بالقلم وبداية التعامل مع الكتابة وليس الحكي واكتشاف أن هناك اختلاف بين الاثنين وأن على إيجاد الوسائل الكتابية التي تجعل عملي مقبولا كنص يقرأ بدأت هذا أواخر عام 69 من القرن الماضى وسبق هذا التاريخ قراءة يومية بدأب مع متعة أيضًا واستثارة وجدانية وعقلية سنينا تربو على 18 عاما.
أشار صاحب "بيت الخلفة" وحين قررت الكتابة كان بسبب القراءة مع هذا الخزين الذى حصلته من سماع الحكايات سواء من جدتى أو بعض الجيران هل هذا يحتاج لتفسير؟ سأفسر لك.. كنت في ثالث يوم من امتحانات معهد المعلمين الذي يؤهلني لأكون معلما بالمدارس الابتدائية وأنا إنسان قارىء، ولم يكن لدى أى كتاب، رواية خاصة، لأقرأها وسط المراجعات التى كنا نسهر للصباح قبل الذهاب إلى لجان الامتحان، لم أستطع المذاكرة، كنت أريد قراءة رواية، فى الساعة الواحدة من صباح اليوم كتبت قصة فى 13 صفحة مازلت أتذكر عنوانها “قصة حب فى يوم واحد” ولا أتذكر وقائعها، وبعد أن قرأتها استقرت نفسي، وبدأت المذاكرة.. ألم أقل لك الكاتب قارىء، والقارىء كاتب بشكل ما؟!
واستطرد يونس: "لكن هذا الفيض الكتابى، هل أظل أحتفظ به، ولا يطلع عليه إنسان آخر؟ فى البداية لم أكن أهتم بالنشر، الأهم كانت الكتابة كنت أكتب وكفى، إلى أن كتبت مجموعة قصص تحت عنوان “الأمثال فى الكلام تضيء” حملتها معى إلى مدينة المحلة الكبرى التى يعيش بها كاتبان من نفس عمرى وجيلى هما جار النبى الحلو ومحمد المنسى قنديل، فى زيارة قام بها نادى الأدب بدمياط، وكنت أحد أفراد الوفد، هناك فى المحلة قابلت جار النبى، وأعطيته المجموعة، ونسيت أننى أعطيتها له تماما، هذا كان فى أواخر سنة 72، فى السنة التي بعدها كنت مجندا بالجيش، وبعد الحرب بشهور نزلت إجازة، كان يوم التاسع عشر من ديسمبر 73 وكنت أجلس فى كافتيريا قصر الثقافة مع سمير الفيل ومحمد علوش، وإذ فجأة صرخ الفيل، فوبخته، ولكنه كان يمسك بجريدة المساء التي استعارها من أحد رواد الكافتيريا فاتحا صفحاتها، صاح: انظر، فنظرت، وجدت قصتي “العم بركات” منشورة فى ملحق الجريدة، الذي كان يحتضن التجارب المهمة، وهو المبشر والمعلن عن ميلاد كتاب الستينيات، والسبعينيات، وكان النشر فى هذا الملحق اعتراف بأهمية ما تكتب، وهكذا بدأت الرحلة، نشر لى عبد الفتاح الجمل المشرف والراعى ومكتشف الأصوات الكتابية المهمة 13 قصة فى خلال عامين بواقع قصة كل شهرين، حتى تغيرت السياسات بالبلاد وأغلق الملحق فى نهاية 76 ، إلا أننى بدأت أعرف الطريق نحو النشر، والعجيب أننى لم أفكر أن أجمع قصصى فى كتاب لاعتقادى الخاص – ربما كان اعتقادا خائبا – أن القصة القصيرة هى بنت الصحيفة أو المجلة، نسيت أن أقول لك إن من حمل مجموعة الأمثال كاملة إلى ملحق المساء، والمشرف عليه كان جار النبى الحلو..
وختم يونس: "ما يشغلنى هو أن تكون كتاباتى مع الإنسان دائما، وضد أعدائه فى أى مكان وزمان، هذا بشكل عام، أما بشكل خاص فأنا أعتبر أن المشهد الواقعى يظل على واقعيته، وكأنك بكتابته تشبه الكاميرا التى تلتقط اللحظة دون غيرها، بينما ما وراء المشهد الواقعى هو ما يهمنى ويحفزنى ويثير طاقتى نحو التعامل معه كتابيا، هنا تتسع الرؤية، وتتعدد صور التأويل، هذا هو الفن والأدب كما ينبغى أن يكون.