حتى لا تتوسع الحرب.. هل يمكن اعتبار "صيغة السلام الأوكرانية" طريقًا للسلام؟
بعد أكثر من عامين وشهرين، يبدو أكثر مما أي وقت سبق أنه لا مفر من السلام، وأن الحروب – أي حروب- مهما بلغت قسوتها وزادت حدتها يجب أن تصل إلى نقطة السلام، وإلا سيعيش العالم في مآس بدون نهاية.
في حين تلفت الحرب في غزة انتباه العالم، بأنه يجري في أوروبا حرب مستمرة منذ 26 شهرًا، وبينما يسارع الجميع لوقف إطلاق النار في غزة، فإن العالم انتبه أيضًا إلي أنه يجب التوصل لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.. فيما تظهر على الطاولة حاليًا "صيغة السلام الأوكرانية".. ما فحواها؟ ولماذا يمكن اعتبارها نواة لبداية نهاية الحرب؟
قمة سلام عالمية في سويسرا
المتوقع أن تعقد قمة السلام العالمية يومي 15 و16 يونيو القادم في سويسرا، ويشارك فيها أكثر من 100 دولة. وقد أجرت سويسرا بالفعل محادثات مع الدول الأعضاء في مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وممثلي الجنوب العالمي مثل الصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل وإثيوبيا والمملكة العربية السعودية.
وقالت الحكومة السويسرية إن "هناك حاليًا دعمًا دوليًا كافيًا لعقد مؤتمر رفيع المستوى لإطلاق عملية السلام"، ولم يتم النظر- حتى الآن- في مشاركة روسيا الاتحادية في قمة السلام.
ومن المتوقع أن تشبه القمة شكل مؤتمرات السلام الأربعة السابقة حول الوضع في أوكرانيا، والتي عقدت في الدنمارك والمملكة العربية السعودية ومالطا في عام 2023، وفي دافوس في يناير 2024.
ومن المتوقع أن يعاد طرح "صيغة السلام الأوكرانية" في القمة، وهي الصيغة التي طُرحت من قبل في 15 يناير 2024، حيث اتفق رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي ونظيرته السويسرية فيولا أمهيرد في حينه على بدء الاستعدادات لقمة السلام العالمية (على أساس عشر نقاط من "صيغة السلام") على مستوى رؤساء الدول والحكومات، وقادة المنظمات الدولية، ويتعين على القمة أن تبدأ عملية تطوير إطار سلام مشترك، من شأنه أن يوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، ويستند بشكل أساسى على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
صيغة السلام الأوكرانية
في نوفمبر 2022، أعلن رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي أثناء لقادة مجموعة السبع (G7) عن "صيغة السلام" لاستعادة أمن أوكرانيا، وكانت تتضمن عشر نقاط هي، نزع السلاح في محطة زابوريزهيا للطاقة النووية التي تحتلها القوات الروسية، مما يتطلب انسحاب القوات منها، وسيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المحطة فيما يعرف بـ(السلامة النووية)، وربط المحطة بشبكة الطاقة الأوكرانية، وتسهيل تصدير الحبوب الأوكرانية بغض النظر عن موعد انتهاء الحرب وهو ما يعرف (الأمن الغذائي)، ومراقبة المنشآت المتضررة في البنية التحتية الحيوية للطاقة في أوكرانيا من قبل مبعوثي الأمم المتحدة، فيما تتعهد روسيا بوقف الضربات على محطات توليد الطاقة في أوكرانيا، مع ضرورة فرض قيود على أسعار موارد الطاقة الروسية لمنع استخدامها كأسلحة وهو ما يعرف بـ(أمن الطاقة)، وإطلاق سراح جميع السجناء في إطار نموذج تبادل.
وكذلك تنفيذ روسيا لميثاق الأمم المتحدة لاستعادة أراضي أوكرانيا، في إطار قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة والوثائق الدولية الملزمة قانونًا والمعمول بها، وكذلك انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية ووقف الأعمال العدائية، واستعادة سيطرة أوكرانيا على كل أجزاء حدود الدولة، وإنشاء محكمة خاصة لبحث آثار الحرب على أوكرانيا، وإنشاء آلية دولية للتعويض عن كل الأضرار على حساب الأصول الروسية، وكذلك إنشاء منصة لتقييم الأضرار البيئية الناجمة عن الحرب، وزيادة عدد المعدات والخبراء لإزالة الألغام واستعادة مرافق معالجة المياه.
وأما الشرطان الأخيران، فهما وضع ضمانات أمنية فعالة لمنع التصعيد مجددًا، والتأكيد على نهاية الحرب، مع التوقيع على وثيقة تؤكد نهاية الحرب من قبل الأطراف.
روسيا ترفض "صيغة السلام"
حظيت "صيغة السلام" الأوكرانية بدعم واسع النطاق بين الدول التي شاركت في مؤتمرات السلام السابقة، ولكن لم يتم التمكن من تنفيذها، وذلك لمعارضة روسيا للخطة، فيما أعلن الكرملين عن استعداداه لـ"تجميد" الحرب مؤقتًا بشروطه الخاصة.
في مارس الماضي، انتقد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، "صيغة السلام" التي تروج لها كييف؛ نظرًا لزعمه عدم القدرة على تطبيقها، وأوضح أن خطته المضادة المكونة من سبع نقاط تشمل "الاستسلام الكامل وغير المشروط لأوكرانيا، و"اعتراف برلمان مؤقت لأوكرانيا بأن كامل أراضيها هي أراض روسية"، فضلًا عن "اعتراف الأمم المتحدة بأن أوكرانيا فقدت سلطتها القانونية الدولية". وهي الصيغة التي لم ولن تقبلها أي دولة في العالم، فيما تدعو بوضوح إلى احتلال روسيا لأوكرانيا، وهو وما يخالف قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي الذي يلزم جميع الأطراف باحترام سيادة الدول.
السلام أم توسيع الحرب؟
في النقطة الحرجة التي وصلت لها الحرب في أوكرانيا، فإن هناك خيارين لا ثالث لهما، وهو إما التوصل لاتفاق لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، أو استمرار الحرب والتي يمكن أن تتوسع لاحقًا إلى أوروبا.
تلك الحرب التي بدأت عام 2014 مع الاستيلاء الروسي على شبه جزيرة القرم والأعمال العدائية في دونباس، وفي 24 فبراير 2022، بدأت موسكو غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا.
الفجوة بين الأيدولوجية الروسية والأوكرانية هي التي طالت أمد الحرب، فبينما تتحرك روسيا بأيديولوجية "الاتحاد السوفيتي السابق" وتريد عودته إلى "مجده الإمبراطوري" وحدوده الجغرافية. بالنسبة له، أوكرانيا هي دولة تابعة للاتحاد الروسي. قد تكون كازاخستان ومولدوفا ودول البلطيق وبولندا وألمانيا هي الدولة التالية، فيما أكد ممثلو الحكومة الروسية والدعاة مرارًا وتكرارًا أن الجيش الروسي سوف يذهب أبعد من ذلك بعد أوكرانيا.
أما الأيديولوجية التي تتحرك بها أوكرانيا، فهي الحفاظ على أراضي الدولة والحفاظ على الهوية الأوكرانية، وتحقيق السلام والأمن، اللذين يعدان مهمين لأوكرانيا نفسها ولأوروبا، ومن خلال "صيغة السلام"، فإن أوكرانيا تظهر رغبتها في إنهاء الحرب على أساس القانون الدولي والقيم الإنسانية العالمية، وكذلك نشر معلومات واضحة عن أهوال الحرب، لأن من حق العالم أن يعرف ما حدث.