قاضٍ: الرئيس أصدر قانونًا ينقذ تدهور سلالات القطن المصري وصفاته الوراثية (دراسة)
تواجه صناعة القطن المصري تحديات عديدة ليستعيد مكانته كأجود أنواع الأقطان في العالم في القرن الماضي بعد تراجع كثيرًا في ظل العصور السابقة نتيجة تكبله بالقيود القانونية التي عطلت من تقدمه في الانتاج والتسويق، وتولي الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بمحصول القطن فى العصر الحالى كمًّا ونوعًا، ليستعيد مكانته في الأسواق العالمية دعمًا للاقتصاد القومي ،ونعرض للدراسة الوطنية للمفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان (كيف يستعيد القطن المصري سيادته على عرش العالم؟ القيود القانونية نالت من هيبته).
ونعرض فى الجزء الثانى لدراسة الفقيه المصرى أهمها المراحل التسويقية الثلاث للقطن المصري منذ 1861 حتى الاَن، والرئيس أصدر قانونًا ينقذ تدهور سلالات القطن المصرى من الخلط بما يهدد صفاته الوراثية، وتأميم تجارة القطن عام 1964 بداية انهياره والخصخصة عام 1990 استغنت الفلاح عنه بعد تدنى سعره.
المراحل التسويقية الثلاث للقطن المصري منذ 1861 حتى الاَن
يقول الدكتور محمد خفاجى: مر تسويق القطن المصري في تاريخه الطويل بثلاث مراحل تسويقية هي:
المرحلة الأولى: مرحلة التسويق في ظل النظام الرأسمالي الحر وهي تشمل الفترة من بداية إنشاء بورصة عقود القطن بالإسكندرية عام 1861، وكانت أول بورصة لعقود القطن في العالم حتى عام 1952.
المرحلة الثانية: مرحلة تسويق القطن في ظل النظام الموجه، وقد بدأت مع إغلاق بورصة عقود القطن بالإسكندرية نهائيًا في يوليو 1961 أي بعد قرن من إنشائها وذلك حتى يوليو من عام 1994.
المرحلة الثالثة: مرحلة التسويق الحر وفقا لآليات العرض والطلب وذلك من أغسطس 1994 وحتى الآن، حيث صدر لهذا الغرض ثلاثة قوانين رئيسية هي: القانون رقم 210 لسنة 1994 ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 389 لسنة 1994 والخاص بتنظيم تجارة القطن في الداخل. والقانون رقم 141 لسنة 1994 ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 388 لسنة 1994 بإنشاء بورصة البضاعة الحاضرة للأقطان ( بورصة مينا البصل ). والقانون رقم 211 لسنة 1994 ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 507 لسنة 1994 الخاص باتحاد مصدري الأقطان."
المرحلة الثالثة للتسويق الحر للقطن تمشيًا مع سياسة التحرير الاقتصادي بعد فترة طويلة من نظام الاقتصاد الموجه إلى اقتصاديات السوق
يذكر أن المرحلة الثالثة من مراحل تسويق القطن وهي مرحلة التسويق الحر تمشيًا مع سياسة التحرير الاقتصادي جاءت بعد فترة طويلة من نظام الاقتصاد الموجه، وأن الدولة استجابة منها لمتغيرات اقتصادية عالمية قد انتهجت نهجًا اقتصاديًا يشايع تلك الاتجاهات للتحول من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاديات السوق والعمل فى ضوء آلياته والانفراط من سياسة التسعير الجبرى، فجاءت القوانين الصادرة لتنظيم التجارة فى حقبة التسعينات مققنة لهذا الاتجاه ومنها قانون تنظيم تجارة القطن فى الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994 والتي أفصحت مذكرته الإيضاحية عن أنه فى ظل اتجاه الدولة الحالي إلى تشجيع حرية التجارة والخضوع لنظام آليات السوق والاعتماد على الأفراد فى تسيير معظم الأنشطة الاقتصادية فى الدولة وتخفيفًا عن كاهلها. ولما كان القطن أحد دعائم الاقتصاد فى مصر فقد حفل باهتمام خاص فأفرد المشرع لتنظيم تجارة القطن فى الداخل تشريعًا مستقلًا روعي فيه طبيعة هذه التجارة وخطورتها وما تتطلبه من ضوابط ونظم متعارف عليها عالميًا متمثلًا فى القانون رقم 210 لسنة 1994. "
ويشير "نصت المادة الأولي من ذلك القانون على أن للتاجر شراء وبيع الأقطان زهرًا وشعرًا ومخلفاتها فى الداخل طبقًا للشروط والمواصفات والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية . والمادة الثانية منه على أنهدون إخلال بحق المُنتِج فى حلج أقطانه مباشرة ، للتاجر حلج ما يحوزه من أقطان بدون حد أقصى، وفى حالة بيع الأقطان الشعر للدولة، يكون ذلك بالأسعار والشروط التي يحددها الوزير المختص. والمادة (14) منه على أن تشكل لجنة عامة لتنظيم تجارة القطن فى الداخل يكون مقرها مدينة الإسكندرية. والمادة 18 من ذات القانون على أن تختص اللجنة العامة بمراقبة تنفيذ القوانين واللوائح الخاصة بالقطن ولها بوجه خاص: (أ)اقتراح اللوائح الداخلية لتنظيم العمليات بالأسواق المحلية ورفعها للجهات المختصة. (ب) التقدم بالاقتراحات والتوصيات المتعلقة بالجوانب المختلفة المرتبطة بالسياسة القطنية ومتابعة تنفيذها."
إبرام الصفقات بيعًا وشراءً للأقطان الزهر والشعر وملحقاتها
ويضيف " تنفيذًا لأحكام هذا القانون صدرت اللائحة التنفيذية للقانون بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994 ونصت فى المادة الثالثة على أن يكون إبرام الصفقات بيعًا وشراءً للأقطان الزهر والشعر وملحقاتها بضاعة حاضرة طبقا لنماذج العقود التي تعدها اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن فى الداخل. وتضمنت المادة الرابعة منه بأن يلتزم التجار نماذج العقود المشار إليها فى المادة السابقة ويتم التعامل على أساسها لكل نوع من أنواع البيوع فى البضاعة الحاضرة ويجب أن يتضمن نماذج العقود على الأخص عدة بيانات والثمن المتفق عليه ومقدار العربون المدفوع وتاريخه وطريق أداء باقي الثمن وميعاده ومكانه.ونصت المادة الثامنة منه على أن يقوم مكتب اللجنة العامة بالمحافظة بإعلان أسعار رتب القطن الزهر السائدة فى المنطقة مع بيان متوسط التصافي وتعلن هذه الأسعار بلوحة الإعلانات بالمكتب يوم السبت من كل أسبوع وللجنة تغييرها يوميًا أو كلما اقتضي الحال وتصدر اللجنة العامة بالإسكندرية نشرة أسبوعية بمتوسط الأسعار السائدة خلال الأسبوع ببورصة مينا البصل بما فيها علاوات الرتب وذلك للإسترشاد بها عند التعامل ".
قانون ينقذ تدهور سلالات القطن المصري من الخلط
يقول الدكتور محمد خفاجى " الرئيس عبد الفتاح السيسى أنقذ تدهور سلالات القطن المصرى بهدف الحفاظ عليها، حيث أصدر قرارًا جمهوريًا بالقانون رقم 4 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1994، بإصدار قانون تنظيم تجارة القطن فى الداخل. حيث نص القانون على إضافة فقرتين جديدتين للمادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 210 لسنة 1994، بهدف الحفاظ عليه ومنع تدهور سلالاته، والحفاظ على مكانته العالمية. فلا تخضع أقطان الإكثار لأحكام القانون المرافق، ويكون تداولها عن طريق وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى دون غيرها. ويصدر سنويًا قرار من وزير الزراعة واستصلاح الأراضى بتحديد تلك الأقطان وشروط وإجراءات تداولها."
ويضيف " ويأتى هذا القرار الجمهورى بقانون سعيًا لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى للحفاظ على المصلحة العامة للبلاد من خلال استثناء أقطان الإكثار من التداول في السوق، حتى لا تتعرض للخلط وبما يهدد الصفات الوراثية والنقاوة لأصناف القطن المصرى وتدهور سلالاته، الأمر الذي يهدد مكانته العالمية، وهو ما حرص عليه القرار الجمهورى المشار إليه "
تأميم تجارة القطن عام 1964 بداية انهياره والخصخصة عام 1990 استغنت الفلاح عنه بعد تدنى سعره
يقول الدكتور محمد خفاجي: أشارت الإحصاءات المتخصصة إلى أن القطن المصري كاد في طريقه للأفول والانقراض، وبات هذا هو العنوان الوصفي لحال المُنتَج الذي طالما انفردت بزراعته مصر وتميزت عن جميع دول العالم واحتلت عرشه لعقود طويلة قبل أن تتدهور خلال السنوات الثلاثين الأخيرة وأصبح حجم زراعة القطن منذ عهد قريب طويل التيلة 89 ألف فدان بعد أن كانت 2 مليون فدان في حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بإنتاجية تصل إلى أقل من 700 ألف قنطار مقارنةً بـ10 ملايين قنطار في الفترة ذاتها قبل 50 عامًا."
ويضيف: "وقد انهارت زراعته منذ الثمانينيات، فبعد أن كان الفلاح المصرى ينتظر بلهفة الجد والمثابرة موسم حصاد القطن لتجهيز العرائس وبناء الدور وفرحة الفتيات والأطفال بجني القطن، حتى أن حالة البهجة التي تنتاب الفلاحين وهم يجمعون القطن دفعت الشعراء لإبداع قصائدهم فأنشدها المطربون واستقرت في وجدان الشعب الذى ظل لسنوات طويلة يفتخر بالقطن طويل التيلة الذي تُصنَع منه أجود المنتجات المصرية ونالت إعجاب العالم، حيث عُرَف عن القطن المصري أنه بجودة عالية وشهرة تاريخية على مستوى العالم منذ عهد محمد علي باشا الذي اهتم بزراعة القطن وأقام عليه عدة صناعات تجهيزية بعد أن استعان بخبير زراعة القطن الأمريكي "جرجي هاوس" والخبير الفرنسي جوميل ، إلا إنه وبفعل السياسات غير المدروسة فى العهود السابقة التى تفتقد للنهج العلمى السليم زالت عن الفلاح تلك البهجة المرتبطة بزراعة وبجنى القطن وأصبح مثقلًا بالديون والهموم، وغاب عن مصر رافدًا من روافد دعم الاقتصاد الوطنى "
ويختتم: "لا ريب أن سبب انهيار زراعة القطن يرجع إلى خطأ السياسات الزراعية والسياسات المتعلقة بالقطن بدايةً من تأميم تجارة القطن عام 1964 وهى نقطة التحول الحقيقى ضد المحصول لتحويله إلى محصول الحكومة بعد أن كانت الدولة تعطى المزارع نصف السعر الحقيقي وكان المزارع قانعًا بزراعته وفق الدورة الزراعية، ومنذ عام 1990 تم تحرير المحصول في إطار الخصخصة بحجة الإصلاح الاقتصادي وتُرك المزارع حرًا دون توجيه واستغنى معظم المزارعين عن القطن بعد أن تدنى سعره للفلاح ، ولم تعد الدولة تدعم القطن كما كان، بل دعمت محاصيل القمح والحبوب على حساب القطن مما أدى إلى انخفاض زراعات القطن ولحقت الخسارة بالمزارعين خلال الأعوام السابقة ولم تعد هناك آلية سليمة لتسويق المحصول،واعتمدت مصانع القطاع الخاص على القطن قصير التيلة المستورد من الخارج، مما اُضطر الفلاح إلى هجره وزراعة الأرز بديلًا للقطن في ظل أزمة ارتفاع أسعاره الأخيرة."