رضوى محمد صقر تكتب: فساد الأخلاق بين التبرير والتحذير
نتعرض في حياتنا اليومية إلى الكثير من المواقف التي تجعلنا ننتقد بعض السلوكيات والتصرفات باعتبارها دليلًا على ما آلت إليه حياتنا من فساد الأخلاق وسوء الأذواق، ثم نجد من يرنو متحسرًا إلى أيام أزمنة مضت تميزت بالتربية الحسنة والأذواق الرفيعة والعلم الغزير، ثم يبدأ الحديث عن المبررات التي أدت بنا إلى تلك الحال الأليمة، بين من ينتحل الأعذار، ومن يلوم على الأُسر، أو يتهم أنظمة التعليم، أو يُحذر من مغبة التكنولوجيا الحديثة.
ولا أُخفيكم سرًا، فقد فاجأني منشور على فيسبوك، أو كما يُطلقون عليه (بوست)، من المفترض أنه طريف أو من باب الاستعانة ببعض المشاهد البارزة في الأفلام والدراما، حيث كُتبت عبارة مفادها أن الأم إذا علمت أن إحدى المعلمات أو أحد المعلمين تعرض/ت لطفلها بالضرب، فإن رد فعلها سيكون على غرار ما قالته إحدى الفنانات في أحد المشاهد حيث تقول "إنتي عارفة ده ابن مين؟".
هنا أتساءل: هل الأساس هو التربية والتقويم أم الحسب والنسب؟ بالطبع أنا لا أروج لمبدأ الضرب أو التعدي على الأطفال سواء بالألفاظ أو بالعنف البدني، ولكن الأساس أن يكون البديل عن طريق جزاءات معنوية أو خصم درجات أو القيام بأنشطة إضافية أو ما إلى ذلك من أمور يختص بتحديدها التربويون والمختصون في علم النفس التربوي، ولا علاقة لنَسَب الطفل أبدًا بمنعه أو تعرضه للعقاب.
في موقف آخر، حيث كانت هناك مُشادة كلامية بين بعض الأشخاص في إحدى وسائل المواصلات العامة، وجدتُ من يُبرر سوء تصرف أحدهم بأن "الناس مضغوطة"، وكان سؤالي له "منذ متى أصبح شعور الفرد بالضغط النفسي أو المادي مُبررًا لسوء تصرفه؟"، أين الحديث عن ضبط النفس والالتزام بأبسط القواعد الأخلاقية الأساسية في أصعب المواقف خاصة عند التعامل مع كبار السن، أو المرضى، أو الأطفال؟ أين الحث على انتحال الأعذار والمُبررات كي لا نتشابك أو نتناوش مستخدمين ألفاظًا غير مقبولة؟
هل انتقلنا من التحذير من فساد الأخلاق إلى تبريره؟ هل عجزنا عن إيجاد الحلول؛ فقررنا الانتقال إلى مرحلة القبول بالوضع الراهن، بل وتبريره كي نحمي أنفسنا من تأنيب الضمير؟ وكي نقنع أنفسنا بأنه لا جدوى من البحث عن حلول، وأننا لن نستطيع أن نغير شيئًا؟
إذا كان الأمر كذلك، فلا داعي عزيزي القارئ، وعزيزتي القارئة للشكوى من الاكتئاب أو الشعور بالاغتراب؛ وعلينا جميعًا أن نبحث عن كل ما يبرر سوء تصرفنا فيتحول كل موقف نعيشه إلى عراك وتراشق بالألفاظ كي نستطيع التعبير عن كل ما نعانيه في حياتنا الشخصية، وليتوقف علماء النفس والاجتماع عن البحث عن أمور تجعل حياة البشر أرقى مما هي عليه، بل ولنتوقف عن تربية أبنائنا ولا نشكو بعد ذلك من سوء أخلاقهم، فقد أصبح الأمر مُبررًا ولا غضاضة في تقبلهَ!