هل صنعت «الهجمة الإيرانية» معادلة جديدة فى المنطقة؟
إطلاق إيران الصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» مع أكثر من ١٠٠ طائرة دون طيار على إسرائيل، فى هجوم غير مسبوق، وضع منطقة الشرق الأوسط كلها على شفا حرب أوسع، لا يبدو أن أحدًا يريدها فعليًا؛ الأمر الذى سعى معظم الجهات الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول العربية، وحتى تنظيم «حزب الله» اللبنانى، إلى تجنبه خلال الأشهر الستة الماضية.
وتعد هذه هى المرة الأولى التى تشن فيها إيران هجومًا مباشرًا على إسرائيل، ما يتجاوز عتبة الصراع السابقة فى الحرب طويلة الأمد بين تل أبيب وطهران، ويخرجها من الظل إلى النور، ويحولها من حرب غير مباشرة إلى مواجهة مباشرة، ما خلق معادلة استراتيجية جديدة.
فى السنوات الماضية، أظهرت إيران جرأة متزايدة، وصعدت أعمالها إلى مستويات جديدة، من بينها اختطاف أو مهاجمة السفن من أجل تصعيد التوترات أو الضغط على القوى الغربية، فيما كانت تحرك وكلاءها حتى لا تتورط بشكل مباشر فى الهجمات.
ففى اليمن، كانت طهران تحرك الحوثيين، وفى العراق، استخدمت وكلاء لمهاجمة إقليم كردستان واستهداف القوات الأمريكية على مدى السنوات الخمس الماضية، كما أنها هاجمت باكستان وسوريا فى يناير الماضى، بدعوى استهداف الإرهابيين، وعملت فى سوريا من خلال ميليشياتها، وفى لبنان أيضًا، من خلال «حزب الله».
تلك المعادلة تغيرت أثناء الرد على اغتيال قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى، عندما شنت طهران هجومًا مباشرًا على قاعدة القوات الجوية الأمريكية فى عين الأسد بالعراق، وهى المرة الأولى التى تستهدف فيها إيران بشكل مباشر الأصول الأمريكية فى المنطقة.
وخلال الأيام الأخيرة، اتخذت إيران خطوة مهمة أخرى، من خلال مهاجمة إسرائيل بشكل مباشر، وتحمل المسئولية عن هذا الهجوم.
ما ميز هذا الهجوم على إسرائيل، هو استعداد إيران للهجوم مباشرة من أراضيها، وهذا يمثل حقبة جديدة، من حيث انفتاح طهران على تنفيذ هذه الهجمات ونسب الفضل إليها.
كما أن هناك قيمة رمزية أخرى للهجوم ذاته، فهذه هى المرة الأولى التى تتعرض فيها إسرائيل لهجوم من قبل دولة ذات سيادة منذ حرب الخليج فى عام ١٩٩١، وذلك عندما استجابت تل أبيب لطلب أمريكى بعدم الانتقام من العراق- الذى كان قد أطلق الصواريخ على تل أبيب- حتى لا يتفكك التحالف الدولى وقتها، وحصلت مقابل ذلك على تعويضات ضخمة مقابل الحد الأدنى من الأضرار التى سببتها الصواريخ، سواء من الولايات المتحدة أو من ألمانيا.
ووقتها، طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل أن تجلس هادئة، وأن تتولى هى وقواتها أمر منصات إطلاق الصواريخ، لكن هذه المرة، طلبت واشنطن ببساطة من تل أبيب الجلوس بهدوء لكن دون أن تتولى هى الرد على طهران، بل على العكس أعلنت عن أنها لن تشارك فى أى هجوم عسكرى على إيران، مما يعقد الوضع بالنسبة لإسرائيل، فيما يتعلق بالرد على الهجمة.
استراتيجية إيران السابقة تمثلت فى إنشاء وتسليح وتدريب وتمويل وكلاء فى جميع أنحاء الشرق الأوسط لتطويق إسرائيل، ليكون هؤلاء بمثابة رادع ضد الهجمات المحتملة على برنامجها النووى، أما الهجوم الإيرانى على إسرائيل بـ٣٥٠ طائرة مسيرة وصاروخًا، فقد وضع معيارًا للانتقام، فى نوع جديد من المعادلة، ومرحلة مختلفة من التوترات بين إسرائيل وإيران.
ويعنى ذلك أن المنطقة وصلت إلى مرحلة جديدة من التصعيد، الذى بدأ فى ٧ أكتوبر الماضى، وليس من الواضح ما إذا كان هذا الوضع سيؤدى للتهدئة أو إلى تصعيد أكبر، فقد رفضت حركة «حماس» الفلسطينية مؤخرًا اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ولا يبدو أيضًا أن «حزب الله» مستعد للانسحاب من الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
ويبدو، كذلك، أن «حماس» أصبحت تشعر بـ«التمكين»، إلى جانب وكلاء إيران الآخرين، ومن غير المرجح أن يتغير وجود إيران فى سوريا، الذى فى الواقع يزداد رسوخًا.
والآن، أصبح الشرق الأوسط بصدد معيار جديد، يشير ضمنًا إلى أن إيران ستكون الآن مستعدة لتنفيذ هجمات واسعة النطاق فى المستقبل، ويعنى أيضًا أنه إذا هاجمت إيران إسرائيل فى المستقبل بعدد قليل من الطائرات دون طيار وصواريخ فسيُنظر إلى ذلك على أنه «هجوم أصغر»، كما ستعيد إيران كتابة القواعد، للإفلات من العقاب على الهجمات، التى بمرور الوقت قد تصبح اعتيادية، مثل هجمات «حزب الله»، وهو وضع لا يمكن السكوت عليه بالنسبة لإسرائيل.
ويبدو أن الأهم الآن بالنسبة لإسرائيل هو محاولة إخراج إيران مجددًا من المعادلة، حتى تستعيد قوة الردع، إذ مثل الهجوم الإيرانى تحديًا لاستراتيجية الردع الإسرائيلية طويلة الأمد، والتى تم استخدامها بفاعلية فى العقود الأخيرة.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن التهديد من إيران، الذى بدأ منذ عقود، قد أصبح أكثر خطورة الآن، وقد يكون الآن أقل خطورة مما سيكون عليه فى المستقبل القريب، لذا ربما تستفيد تل أبيب من الوضع الحالى لإحداث أضرار جسيمة بالنظام الإيرانى.
ويرى السياسيون فى إسرائيل أن الحوثيين فى اليمن، والميليشيات الموالية لإيران فى العراق، و«حزب الله» فى لبنان، و«حماس» من الجانب الفلسطينى، لا يشكلون تهديدًا وجوديًا لإسرائيل عندما يكونون منفصلين، وربما لا يشكلون تهديدًا وهم معًا أيضًا، لكن عند إضافة إيران، التى تغذيهم جميعًا، فإن التهديد يصبح أكثر واقعية، وهو أمر قد يدفع تل أبيب إلى محاولة التعامل معه بشكل ما قريبًا.