ما ملامح كتابة القصة عند المصريين القدماء؟.. شكوى"الفلاح الفصيح" نموذجًا
عرفت الحضارة المصرية، فنون الكتابة والأدب والفن منذ فجر التاريخ، وما وصل إلينا من قصص من عهد الدولة الوسطى تشير إلى أن هذا الفن شهد نضجًا كبيرًا في مصر القديمة، وبلغ ذروته في عهد الدولة الوسطى.
ونستعرض في السطور التالية ملامح فن القصة عند المصريين القدماء، وفقًا لموسوعة مصر القديمة لعالم الآثار سليم حسن.
أشهر 3 قصص عُرفت في مصر القديمة
وتتبع الكاتب والعالم الأثري سليم حسن، تاريخ القصة في الأدب المصري موضحًا أنه وصلت إلينا إشارات “متون الأهرام” تدلنا على أنه كانت هناك أساطير وأقاصيص عن الآلهة يرجع عهدها إلى ما قبل التاريخ، مشيرًا إلى أن القصص التي وصلت إلينا من عهد الدولة الوسطى قصص ناضجة.
ويرجع سليم حسن الفضل إلى الأدب التعليمي الذي وصل إلى ذروته عقب انقضاء عهد الدولة القديمة، فقد أثَّر تأثيرًا عظيمًا في خلق القصة القصيرة، وأشار الكاتب إلى أن ذلك يوجد في القصص الثلاث الأولى، وهي قصة “الغريق” وقد حُكِيت بطريقة سهلة ولغة عذبة، وقصة “سنوهيت” وقد خلق الكاتب لحوادثها جوًّا وقعت فيه، ونقل القارئ إليه، ولغتها عالية دخلت فيها بعض الصناعة اللفظية.
وأيضًا قصة “الفلاح الفصيح” وهي في مجموعها قطعة من الأدب الراقي المتكلف في كثير من نواحيه، وتشبه في صناعتها مقامات الحريري، وقد ابتدأها كاتبها بوصف البيئة التي وقعت فيها.
قصة الفلاح الفصيح نموذجًا
تعود قصة الفلاح الفصيح إلى عهد الملك “خيتي” أحد ملوك هيراكليوبوليس- أهناس المدينة، في نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد، وبطل هذه القصة أحد سكان “حقل الملح” وهو “وادي النطرون” الآن، وقد أطلق عليه في العهد المسيحي “صحراء النطرون”.
ويروي سليم حسن القصة، التي اشتهرت في مصر القديمة: أنه كان هذا الفلاح يسكن في مجاهل هذه البقعة، وكان يسافر من حين لآخَر إلى مصر ليبيع محصول أرضه محمَّلًا على حمير له، ولما وصل في مرة إلى مصر اعترضه أحد الموظفين المسمَّى “تحوت نخت” واغتصب منه حميره وما عليها بحيلة دنيئة، فذهب الفلاح على إثر ذلك إلى عاصمة المقاطعة ليشكو أمره إلى “رنزي” رئيس “تحوت نخت” المغتصِب.
فجمع “رنزي” مجلس الأشراف ليفصل في هذه القضية، غير أن أعضاءه لم يعلنوا حكمهم لأسباب لم تُذكَر في القصة، فصاغ الفلاح شكايته لرنزي في أسلوب فصيح بهره وأعجب به، فرأى أن الأمر جدير بأن يُعرَض على جلالة مولاه الملك؛ نظرًا لذلك الأسلوب الأخَّاذ، وتلك البلاغة النادرة التي لم يعهد لها مثيلًا من قبلُ، ولقد أمر جلالة الملك ألَّا يبتَّ في أمر ذلك الفلاح الفصيح حتى يكرِّر الشكوى؛ فيكون ذلك مصدرَ خطبٍ بليغة أخرى يغتني بها الأدب.
وفي الشكوى الثالثة للفلاح الفصيح قال:
«يأيها المدير العظيم للبيت، يا سيدي، إنك “رع” رب السماء، في صحبة حاشيتك، إن قوام بني الإنسان منك لأنك كالفيضان، وأنت “حعبي” (إله النيل) الذي يجعل المراعي خضراء، ويمد الأراضي القاحلة، اكبَحْ جماح السارق، دافِعْ عن الفقير، ولا تكونن فيضانًا ضد الشاكي، واحذر من قرب الآخِرة. ارغب في أن تعيش طويلًا على حسب المثل: “إن إقامة العدل هو نفس الأنف” وقع العقاب على مَن يستحق العقاب، ولن يكون هناك شيء يماثل استقامتك، هل الميزان يتحول؟ وهل يميل لسانه إلى جهة؟ هل يُظهِر “تحوت” تساهلًا؟