مشاركة طائفة "الحريديم" في الخدمة العسكرية.. ورقة إسرائيل الأخيرة
ورقة جديدة يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، مبرهنًا على عدم وجود مبادئ أوثوابت أخلاقية لديه، بل عدم وجود أخلاقًا من الأساس ليس فقط في التعامل مع الفلسطنيين بل في التعامل مع مواطنيه أنفسهم، كما يبرهن في الوقت ذاته على نفاذ أدوات حربه على القطاع والبحث عن وسائل إنقاذ حتى ولو كانت من المحرمات.
تلك هي الورقة التي دفعت وزيرًا إسرائيليًا متشددًا دينيًا مؤخرًا للقول بأنه بعد أحداث 7 أكتوبر، لم يعد هناك مبررًا "أخلاقيًا" لإعفاء اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية، خارقًا بذلك أحد المحرمات القائمة منذ فترة طويلة داخل مجتمع، وهو مشاركة طائفة "الحريديم" في الخدمة العسكرية.
إذ قال وزير الداخلية موشيه أربيل من حزب شاس اليهودي المتطرف أن "الواقع بعد 7 أكتوبر هو أن المجتمع اليهودي المتدين يجب أن يفهم أنه لم يعد من الممكن الاستمرار على هذا النحو" ويقصد به عدم مشاركة هؤلاء في الخدمة العسكرية، وتابع أربيل في بث صوتي "لا توجد إمكانية أخلاقية" لطلاب المعاهد الدينية اليهودية لتجنب التجنيد.
كما قال أحد مؤسسي حركة "إخوان السلاح" الإسرائيلية إيال نافيه أن إسرائيل سوف تنهار ما لم ينضم الحريديم للجيش، وأوضح نافيه في تصريحات تم بثها عبر موقع واللاه العبري أنه "إذا لم ينضم الحريديم إلى الجيش والاقتصاد، فسوف ينهار المجتمع الإسرائيلي بعد 20 عامًا".
قرار من المحكمة العليا بتجميد الدعم للحريديم
وجاءت تصريحات نافيه على خلفية أزمة قانون التجنيد في إسرائيل، والتي كان أخرَ فصولها قرارٌ أصدرته المحكمة العليا بتجميد الدعم لطلاب المدارس الدينية، وأكد على أن الجيش الإسرائيلي في عدوانه على غزة يحتاج إلى 10 آلاف جنديًا فورًا وبشكل طارئ.
من جانب آخر، قال نافيه أن الوضع في الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة "انقلبت" عليها، موضحًا: "لقد انتقلنا من توافق الآراء إلى لا شيء..هذا بسبب سوء الإدارة"،بينما هدد الحاخام الأكبر في إسرائيل يتسحاق يوسف في وقت سابق بمغادرة الحريديم لإسرائيل إذا أجبرتهم الحكومة الإسرائيلية على قبول التجنيد.
من هم
واسم حريديم هو جمع لكلمة "حريدي" وتعني "التقي"، كما قد تكون الحريديم مأخوذة من الفعل حرد بمعنى غضب وبخل واعتزل الناس.
ويعتمد الحريديم في أزيائهم على ارتداء زي يهود شرق أوروبا، وهو المعطف الطويل الأسود والقبعة السوداء، كما يضيفون له الطاليت ويرسلون ذقونهم إلى صدورهم، كما تتدلى على آذانهم خصلات من الشعر المقصوع.
وأحيانا ترتدي نساء الحريديم البرقع الذي يشبه النقاب إلى حدٍّ بعيد، وهم لا يتحدثون العبرية على قدر استطاعتهم "وذلك باعتبارها لغة مقدَّسة"، إلا أنهم يفضلون التحدث باليديشية.
ومن صفات الحريديم الدينية أنهم يتبنون التفاسير الأكثر غلواً في التراث الديني، والتشدد في أداء العبادات والطقوس الدينية، بما يدفعهم إلى الانعزال عن اليهود غير المتقيدين بحذافير التعاليم الدينية، واعتزالهم، لذا يفترض الحريديم أن على غيرهم من اليهود الاحتذاء بهم لأنهم يلتزمون بتعاليم الكتاب المقدس.
لا يشاركون في القوى العاملة في إسرائيل
معظم الذكور في المجتمع الحريدي يبقون في المدارس الدينية حتى سن 40 عامًا، وبالتالي فهم لا يشاركون في القوى العاملة في المجتمع الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يفسّر عيشهم في ظل ظروف سيئة، وفي حالة فقر مع الاعتماد الكبير على دعم الدولة.
وبناء على الأفكار الحريدية يطلب من اليهودي الانسحاب من كل النشاطات العالمية والتفرغ للدراسات الروحية، وبالتالي فإن المشاركة في الجيش أو النشاطات الاقتصادية أو الأدب الحديث أو الرياضة أو الموسيقى أو الأفلام والتلفاز تعتبر خطيئة بالنسبة لهم.
أعدادهم في تزايد مستمر ويمثلون النسبة الأكبر في إسرائيل
تتميَّز عائلات الحريديم بزيادة عددها لأنهم لا يمارسون تحديد النسل، ولذا فأعدادهم تتزايد بالنسبة للعلمانيين الذين يحجمون عن الزواج والإنجاب، إلا أنه وفي الوقت نفسه ليس من السهل الحصول على معلومات دقيقة عن هذه المجموعة تتعلق بأعدادهم لأنه ليس من السهل الوصول إلى تعريف خاص بهم، إضافة إلى عدم وجود مصادر خاصة تعطي إحصائيات دقيقة تتعلق بهم.
إلا أنه يعد متوسط الزيادة السكانية لدى الحريديم بشكل عام هو الأعلى في إسرائيل، وهو ما نتج عنه زيادة سنوية وصلت إلى 6% تقريباً عام 1996، و7.3% عام 2000، وحوالي 6% عام 2001، وحوالي 7% عام 2002، وهي نسب تعتبر مرتفعة مقارنة بالمجتمع الإسرائيلي العلماني.
كما يصل عدد الولادات السنوية لدى الحريديم إلى 35 ألف ولادة بما يشكل 25% من مجموع ولادات إسرائيل، و يتزوج في إسرائيل سنوياَ حوالي 5 آلاف زوج حريدي، و ينجب كل زوج منهم ما بين 7 – 9 ولادات.
وفي الوقت الذي يتجنب فيه الحريديم العمل والخدمة في الجيش تعد الخدمة العسكرية إلزامية بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، وهو الأمر الذي يجعل الائتلاف الحاكم في إسرائيل يسعى للتوصل إلى حل وسط بشأن تجنيد اليهود المتشددين "الحريديم" خاصة أعقاب الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا مؤخرًا والذي يلغي هذا الإعفاء المستمر للحريديم منذ عقود.