مستقبل التحالف الوطني.. فرصة لتخطي حاجز المساعدات للاستثمار الاجتماعي الشامل
تعد أنشطة التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي، مؤشرًا إيجابيًا نحو خلق نهج تشاركي يعزز التعاون بين القطاع العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني نحو تضافر مؤثر للجهود بما يحد من ازدواجية المعايير وتداخل المهام.
بيد أن مستقبل تطور أدوار هذا التحالف ما زالت في حاجة إلى هيكل تنظيمي واضح يحدد المهام والمسؤوليات، وخطة معلنة وشاملة للأنشطة الاقتصادية والسياسية على وجه التحديد، وبالأخص ما يتعلق بأدوار منظمات المجتمع المدني في دعم قوى المجتمع بالمحليات.
ونشر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية دراسة تحت عنوان "ماذا بعد التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي؟ "، في إطار سعيه للرد على سؤال "هل يمثل التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي خطوة جادة نحو تطور حوكمة القطاع غير الربحي في مصر ليتخطى حاجز المساعدات الإنسانية إلى الاستثمار الاجتماعي الشامل؟"
وفي سبتمبر 2021 تزامنا إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2022 بوصفه عام المجتمع المدني، ومنذ ذلك الإعلان وعلى مدار عام كامل استطاعت مصر أن تحقق نقلة نوعية في مفهوم العمل الأهلي والتنموي، عبر توحيد جهود منظمات المجتمع المدني المصرية وتشكيل التحالف الوطني للتنمية والعمل الأهلي، لترسيخ قواعد تضمن المشاركة الفعالة للجميع من خلال ميثاق عمل يحقق أهداف تنمية المجتمع المصري جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية في جميع المجالات.
حوكمة القطاع الثالث
حدد كلٌّ من البنك الدولي والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP سبعة مبادئ لحوكمة عمل مؤسسات المجتمع المدني القطاع الثالث تبدأ بوجود رؤية واستراتيجية توضح بدقة أهداف منظمات المجتمع المدني وأدوارها وخطط العمل والمشاريع والأنشطة وفق إطار زمني محدد، وكذلك تحديد أصحاب المصلحة المستهدفين ضمن هذه الاستراتيجية، شريطة أن يتم بناؤها وفق نطاق تشريعي ونهج قانوني محدد، لذا تمثل سيادة القانون المبدأ الثاني من مبادئ حوكمة القطاع غير الربحي، ويقصد به الالتزام بالتشريعات والأحكام المنظمة لتسجيل المؤسسة واعتمادها محليًا أو دوليًا، بالإضافة إلى تطبيق لوائح تنظيم الأنشطة الإدارية والسجلات والتقارير الفنية وغيرها.
أما المبدأ الثالث فيتمثل في الاستجابة، وتعني قدرة منظمات القطاع غير الربحي على توجيه مشروعاتها وأنشطتها نحو تلبية احتياجات المجتمع خلال إطار زمني محدد، وهذا يستدعي المشاركة الفعالة بين جميع الأطراف دون تمييز أو إقصاء مقصود أو تهميش غير مقصود، حيث يعكس هذا المبدأ مدى التزام المؤسسة بالتنسيق والتعاون سواء داخليًا بين أعضاء الفريق أو خارجيًا بالشراكة مع القطاع الخاص أو العام.
الشفافية والإفصاح، والمساءلة والمحاسبة ومكافحة الفساد هي أيضًا من مبادئ حوكمة القطاع غير الربحي. قد تبدو هذه المبادئ كمرادفات تتفق في الهدف لكنها في الحقيقة تختلف في الإجراء والتطبيق، فمبدأ مكافحة الفساد يقتضي وجود لوائح داخلية منظمة للمخالفات وآلية لفرض الجزاءات تتفق والقوانين العامة والخاصة المنظمة للعمل محليًا أو دوليًا حسب نوع المؤسسة، كذلك يستوجب مبدأ المساءلة والمحاسبة تحديد طرق لإدارة الشكاوى، علاوة على إتاحة مقاييس عادلة للأداء المهني والفني والإداري. في السياق ذاته، يستلزم تطبيق مبدأ الشفافية والإفصاح نشر تقارير دورية (شهرية – نصف سنوية – سنوية – وغيرها) للمؤسسة مع إتاحة قنوات للتواصل المباشر مع أصحاب المصلحة.
وأشارت إلى أن الإصلاح الاقتصادي وما خلفه من تداعيات فرض توسع القطاع الحكومي في برامج الحماية الاجتماعية، وإطلاق مبادرات تنموية وطبية واجتماعية متنوعة تحت رعاية السيد الرئيس، ومن أبرز المبادرات التنموية مبادرة “حياة كريمة” التي بدأت في يوليو 2019، وتطورت بشكل ملحوظ في غضون أعوام قليلة وتحولت إلى مشروع قومي، ومن ثم كانت لبنة تعاون منظمات العمل الأهلي على أرض الواقع وذلك بسبب عوامل هامة ناجحة منها وجود رؤية واستراتيجية شاملة، وخطط عمل وفق خريطة زمنية مقسمة لمراحل ثلاث بمعايير محددة كنسب الفقر، ومستوى البنية التحتية بالقرى، وغيرها.
واستطاعت “حياة كريمة” أن تبني قاعدة بيانات ضخمة من المتطوعين بمواصفات تراعي التواجد الجغرافي في التوابع والقرى والمراكز والمحافظات، كذلك تضم تصنيف بحسب التخصص العلمي والمهني، الأمر الذي ساهم في التوظيف الأمثل للمتطوعين في القطاعات الطبية والاجتماعية والتوعوية وغيرها، فاتسعت دوائر التعاون وتقاطعت الأهداف بين مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات العمل الأهلي والجمعيات الخيرية الفاعلة وبين “حياة كريمة”.
وتوالت من بعدها اللقاءات لتبادل أوجه التعاون حتى أعلن التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي عن تدشين ميثاق التحالف في مارس 2022، وضم التحالف 23 جمعية ومؤسسة أهلية وكيانًا خدميًا وتنمويًا، وممثلين عن مشروعات صحية واجتماعية يتم تمويلها بدعم من بعض منظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى عضوية الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي يضم 30 اتحادًا نوعيًا و27 اتحادًا إقليميًا.
ووضع التحالف عبر ميثاقه خطة لتقديم برامج وأنشطة تعزز الحماية الاجتماعية عبر تقديم الدعم النقدي والغذائي والمادي (كالأجهزة المنزلية لتيسيير الزواج أو المنتجات والسلع وبضائع المشروعات الحرفية والمهنية والتجارية الصغيرة ومتناهية الصغر)، إضافة إلى إتاحة فرص الرعاية الصحية عبر القوافل الطبية، وغيرها.
وبالرغم من أن الخطة الرئيسية للتحالف انصبت على توفير الحماية الاجتماعية، إلا أن هناك بعض الأنشطة السياسية التي مارسها التحالف على مدار العام الجاري كالمشاركة في قمة المناخ COP 27، ومؤتمر النقابات المهنية، وتنظيم وتنفيذ جلسات نقاشية للحوار الوطني والمجتمعي مع المواطنين في القرى والمراكز والمحافظات. وتعكس هذه الممارسات شمول أهداف التحالف ليتخطى مفهوم العمل الأهلي بمنظوره الضيق القائم على توفير المساعدات إلى المفهوم الأوسع لدور منظمات المجتمع المدني والتي تُعنى بالتغيير الثقافي والسياسي والاجتماعي، والاقتصادي، عبر التوعية بحقوق الإنسان وإرساء المسؤولية المدنية، وقيم المواطنة والحريات.