المتحدة تعيد أساطير الدراما إلى الواجهة.. «الحشاشين» نموذجًا
نجحت الشركة المتحدة خلال موسم رمضان 2024، في إعادة أساطير الدراما إلي الواجهة من خلال إنتاجاتها الدرامية الضخمة، وفي مقدمتها مسلسل الحشاشين.
عبدالرحيم كمال يتفوق على نفسه
ففي مسلسل الحشاشين، اختار الكاتب السيناريست عبدالرحيم كمال، شخصية تاريخية غامضة، دارت من حولها الأساطير، واختلف عليها المؤرخون، ألا وهي شخصية حسن الصباح، وما تناولته الكتابات والسرديات التاريخية عنه، سواء كانت سرديات عربية أو أجنبية، وهنا يظهر دور السيناريست وبراعته في سد الفجوات التاريخية بالخيال الدرامي.
وبحسب الناقد السينمائي عصام زكريا، فشخصية حسن الصباح مكتوبة بشكل فني جيد جدا، وقد اختار عبدالرحيم كمال تيمة صعود البطل ومن ثم سقوطه المدوي.
لم يركن عبدالرحيم كمال إلى الاستسهال في تناوله شخصية حسن الصباح خلال مسلسل الحشاشين، فلا يعني أنه مؤسس- الصباح- أكثر الفرق الدموية في التاريخ الإسلامي وما اقترفته من جرائم قتل وسفك للدماء وأنه ذا طابع أحادي. فبجانب الغرور والتطلع للسلطوية كانت هناك جوانب مضيئة في شخصيته انعكست في تعامله مع صديقه عمر الخيام، فبرغم علم الصباح بأن صديقه الخيام سكير ويتناول الخمر وله أفكار يراها مارقة بها إلحاد وهرطقة إلا أنه لم يمسه بأذي أو يقتله كما فعل مع ابنه الحسين أو صديقه الآخر نظام الملك الطوسي، وقد كان عمر الخيام بين يديه في قلعته آلموت، وكان يمكنه قتله أو سجنه في قلعته، إلا أنه حفظ له عهد الصداقة ــ بعكس ما فعل مع الطوسي ــ وتركه يرحل عن القلعة، بل ويفارقه للأبد ويتركه وحيدًا معزولا في قلعته وسط الموت والدماء والقتل.
مسلسل الحشاشين مبهر في كل تفاصيله
الكتابة الجيدة وحدها لا تصنع دراما ملحمية كما شاهدناها في مسلسل الحشاشين، بل هي مفردة بين عشرات المفردات والتفاصيل وراء الإبهار الفني الذي ظهر علي الشاشة وتابعها الملايين في مصر والدول العربية. وبحسب الكاتب رشدي الدقن عن مسلسل الحشاشين: إن الدراما الملحمية قادرة على جذب الجمهور بشرط الصناعة الجيدة والإنفاق ببذخ في المعارك والديكور والملابس، والتصوير فى أماكن مناسبة تاريخيًا أو على الأقل صناعة ديكور متقن للأماكن التاريخية. وهو ما قدمته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لأن الحشاشين مسلسل نفذ باحترافية شديدة، وسيبقى نموذجًا لأعمال أخري كثيرة، لأنه فى رأيى السنوات القادمة ستشهد تركيزًا أكبر من الدراما المصرية على التاريخ بجميع أبعاده، وهذا لارتباطها بتشكيل وعي الأجيال الجديدة التى بتستقي معلوماتها من الدراما.
سد فجوات التاريخ دراميًا بالخيال
ويري الكاتب والباحث في الآثار دكتور شريف شعبان: تاريخيًا لا نعرف تفاصيل العلاقة بين حسن الصباح وتابعه برزك أميد، ولا نعرف تفاصيل أواخر أيام الصباح وكيفية انتقال سلطة جماعة الحشاشين لبرزك أميد.
لكن عبدالرحيم كمال نجح في سد هذه الفجوة بشكل درامي عبقري في رسم شخصية الصباح من تصاعد مهول إلى هبوط مروع وشربه من نفس الكأس التي سقى منها العالم كله، وكيف كانت نهايته على يد تابعه وتلميذه كنهاية منطقية.
عظمة الدراما التاريخية أنها يمكن أن تجاوب عن أسئلة التاريخ الحقيقي أغفلها وتفتح بابًا لعملية إسقاط سياسي واجتماعي تصلح لكل العصور.. عبدالرحيم كمال وكريم عبدالعزيز وكل صناع مسلسل الحشاشين قدموا ملحمة درامية تاريخية لا تنسي.
أعظم لحظات أداء المشخصاتي كريم عبدالعزيز في "الحشاشين"
أما عن أبطال مسلسل الحشاشين، وعلى رأسهم الفنان كريم عبدالعزيز، فيقول الناقد الفني محمود عبدالشكور: أعظم لحظات أداء المشخصاتي كريم عبدالعزيز في "الحشاشين"، بل لعلها أعظم لحظاته كممثل عمومصا حتى الآن.
هناك بالطبع شغل المكياج والمؤثرات البصرية، وشغل مدير التصوير حسين عسر الذي جعل حسن الصباح العجوز مثل الشبح الغارق في ظلام قادم مباشرة من لوحات رامبرانت، وهناك قطعات المونتير أحمد حمدي السلسة بين أحجام اللقطات فكأنها لقطة واحدة ممتدة ومؤلمة، وهناك طبعًا المخرج بيتر ميمي الذي اختص الشخصية بلقطات قريبة وقريبة جدًا تكاد تجعلنا نراها من الأعماق، والذي ضبط إيقاع المشهد البطيء، ووظّف كل العناصر لتتلاءم مع الدراما.
ويضيف "عبدالشكور": فين بقى إبداع كريم؟، الإبداع في أصعب حاجة لأي مشخصاتي، وهي تركيز التعبير في نظرة العين، الشخصية جثة هامدة تقريبًا، ونبرة الصوت واحدة وواهنة، لكن الشغل كله على التعبير بالعين، وهي تعبيرات عجيبة تجمع بين الذهول والهزيمة والسؤال والألم العميق، وأحيانًا تبدو فارغة تمامًا، بعد أن فرغ العقل نفسه.
أنا عارف أن كريم مخرج ودرس سينما بس ده مش كفاية، المستوى ده لا يتحقق إلا بأمرين: موهبة عظيمة، وامتلاء كامل بالشخصية، فكأنه هي بتمامها، ويجب أن يعبر عن منطقها بكل قوة، حتى لو كان يرفضها من داخله، وده ببساطة جوهر فن التشخيص.