تحركات مصرية لوقف التصعيد وفرض التهدئة
تواصل الجهود المصرية تحركاتها العاجلة لوقف التصعيد وفرض التهدئة، وتجسدت هذه المرحلة في الاتصالات المكثفة والعاجلة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع تصاعد وتيرة الحرب، مع كافة الأطراف سواء الإقليمية والعربية أو الدولية.
وهو ما مهد ليكون الدور المصري رئيسي في محاولات البحث عن صيغ فعالة لوقف إطلاق النار، وقد أسفرت الجهود المصرية والقطرية المشتركة، إلى التوصل لهدنة إنسانية مؤقتة على مدار نحو أسبوع في نوفمبر الماضي، تم بموجبها إيقاف العمليات القتالية بشكل كامل في جميع أجزاء قطاع غزة، وإيقاف تحليق الطائرات الإسرائيلية في أجواء وسط وجنوب قطاع غزة.
جهود مصرية لوقف الطلعات الجوية الإسرائيلية
ووقف الطلعات الجوية الإسرائيلية بشكل جزئي في أجواء شمال القطاع، مع التبادل التدريجي للأسرى من النساء والقصر بين الجانبين، والسماح بدخول 200 شاحنة مساعدات غذائية يومياً و130 ألف لتر سولار وأربعة شاحنات لغاز الطهي يومياً إلى القطاع.
وقد كانت "الشمولية" هي محور التحركات المصرية المختلفة المصاحبة للمفاوضات الخاصة بتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، فمن جانب استعدت مصر على المستوى اللوجستي منذ البداية لعملية تبادل الأسرى وما يصاحبها من تفاعلات، عبر تهيئة الظروف في معبر رفح ومحيطه، وتجهيز ما يلزم من تجهيزات لإتمام هذه العملية بشكل سريع وآمن، وهذا يشمل أيضا الجانب المتعلق بالترتيبات الميدانية والأمنية المصاحبة لهذه العملية، سواء الاتفاق بشكل محدد على آلية نقل واستلام الأسرى الإسرائيليين، وعملية الكشف عليهم وتأمينهم بعد عبورهم للأراضي المصرية، وصولاً إلى كيفية انتقالهم إلى الجانب الإسرائيلي.
وبالمثل كانت الترتيبات المتعلقة بكيفية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وآلية ترحيلهم والإفراج عنهم.
وقد امتدت هذه الترتيبات امتدت لتشمل آلية وقف إطلاق النار في حد ذاتها، وكيفية مراقبة هذه الآلية، والمحاذير الموضوعة على المستوى العسكري أمام طرفي الصراع، وهي الترتيبات التي كان أحكامها والاتفاق بشكل واضح حولها، سبباً في خروج اليوم الأول من أيام الهدنة بشكل يحمل في طياته أقل قدر ممكن من الانتهاكات.
كما حرصت مصر أيضاً على أن يتم تتويج كل ما سبق، عبر سلسلة اتصالات عربية وإقليمية ودولية واسعة، سعت لحشد الدعم والتأييد الغربي والإقليمي لعملية التبادل وللهدنة، وفي نفس الوقت ركزت على محاولة تعديل مواقف بعض الدول الأوروبية، التي كانت خلال الفترة الماضية تتخذ موقفاً "رمادياً" تجاه ما يحدث في غزة. كذلك اتسمت التحركات السياسية والدبلوماسية المصرية، بالحرص على التعاون مع كافة الأطراف، وتجنب أية مزايدات أو محاولة "لاستراق الأضواء"، وكانت هذه التحركات بمثابة تأكيد على المفهوم المصري للعمل العربي المشترك، والتعاون مع الأطراف الدولية، حيث كانت الجهود المصرية مكملة ومتضامنة مع جهود قطر والولايات المتحدة الأمريكية.
من أهم العوامل التي يمكن ملاحظتها في الإدارة المصرية لهذا الملف، رغبة القاهرة في أن تكون الهدنة نقطة ارتكاز لثلاثة عناصر أساسية، الأول هو وقف العمليات العسكرية والمساهمة في حقن الدم الفلسطيني، والثانية هي التأكيد على الإصرار المصري السابق بضرورة إدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات، وهو ما تضمنه بالفعل اتفاق الهدنة، والثالثة هي التوصل لاتفاق أولي يمكن تطبيقه لتبادل الأسرى، بما يساهم بشكل أو بأخر في فتح المجال لوقف العمليات العسكرية بشكل كامل لاحقاً.
كذلك يمكن القول أيضاً أن الإدارة المصرية الفعالة لملف المساعدات، سواء عبر رفض إخراج أي شخص من قطاع غزة إلا بالتزامن مع دخول مساعدات إنسانية وغذائية، أو التأمين السريع والناجز للمرافق الخاصة بتخزين كميات المساعدات الكبيرة التي وصلت إلى مصر، من أجل إرسالها إلى غزة، وهي مهمة صعبة بالنظر إلى أنها تحتاج إلى تجهيزات خاصة وعمليات فرز مستمرة من أجل تحديد المساعدات التي لها أولوية في الدخول إلى قطاع غزة، كانت جميعها عوامل فعالة في السماح بالدخول السريع للمساعدات في أول أيام الهدنة، ولولا هذه الجهود لكان من الصعب بمكان تأمين الكميات الكافية من المساعدات كي تدخل إلى غزة بمجرد بدء تطبيق الهدنة.
ورغم أن العمليات العسكرية عادت بعد انتهاء هذه الهدنة، إلا أن المحاولات المصرية للتوصل إلى هدن إضافية لم تتوقف حتى الآن، وطرحت القاهرة في ديسمبر 2023، رؤية متكاملة للخروج من الأزمة، وحتى أن كل المفاوضات التي تمت بعد ذلك تمت بنا ًء على هذه الرؤية وفي ضوئها، وقد اشتملت هذه الرؤية على عدد من المراحل، كل مرحلة فيها تتضمن هدنة إنسانية، وإدخال المساعدات لكل مناطق قطاع غزة، وتبادل المحتجزين والأسرى، وقد انطلقت مصر بهذه الرؤية إلى مراحل أخرى سوا ًء ما يتعلق بعرضها على أطراف الأزمة، أو الذهاب بها إلى الوسطاء.
جولات من المفاوضات
وقد احتضنت القاهرة العديد من جولات المفاوضات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بمشاركة كل من قطر والولايات المتحدة الأمريكية، واستقبلت القاهرة خلال الأشهر الـ 6 الماضية العديد من رؤساء الدول ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية وممثلى المنظمات الدولية والإقليمية للنقاش حول السبل الكفيلة بالتهدئة المؤقتة والتي تقود إلى وقف إطلاق نار مستدام في غزة، وتنفيذ أيضا التهدئة في الضفة الغربية.
في الوقت الحالي تحاول القاهرة إيجاد نقاط مشتركة بين حركات المقاومة وإسرائيل فيما يتعلق ببنود اتفاق الهدنة المقترح، حيث توجد خلافات كبيرة بين حماس وإسرائيل حول بعض التفاصيل والنقاط في مسار الهدنة على غرار عودة السكان لمناطق الشمال، وأسماء الأسرى والمحتجزين الذي ستشملهم الصفقة، ومسألة المراقبة والأنشطة الجوية على القطاع في ثنايا الهدنة.