الشيخ محمد حصان.. أسرار من حياة "ملك التلوين النغمي" وصاحب "الاستثناء الرئاسي" (حوار)

يستعيد كثيرون خلال شهر رمضان المبارك، الذكريات مع السماع للقرآن الكريم من الشيوخ الذين كان كلًا منهم يمتلك موهبة خاصة، جعلته يأثر قلوب المستمعين للذكر الحكيم ليس في مصر مصر بل في ربوع العالم الإسلامي.

أحد الشيوخ الذي تميز بحنجرته الذهبية، وكان يصدح بصوته المميز عبر إذاعة القرآن الكريم، وفي المحافل القرآنية داخل مصر وخارجها، وكان من أبرز قراء جيله، وعُرف بـ"ملك التلوين النغمي" الشيخ محمد عبدالعزيز حصان. 

"الدستور" أجرت حوارًا مع الابنة الصغرى للشيخ محمد حصان "هناء"، والتي تحدثت عن رحلة والدها مع القرآن الكريم، من الصغر حتى بزوغ نجمه في عالم دولة التلاوة؛ فحرم من نعمة البصر لكنه أنار بصوته ربوع مصر والعالم العربي، وتميزه جعل الرئيس الراحل محمد أنور السادات يُصدر قرارًا استثنائيًا لأجل ظهوره على التلفاز.

وقال ابنة الشيخ محمد حصان، إن والدها جمعته العديد من المواقف مع كبار القراء، منهم الشيخ الحصري والشيخ مصطفى إسماعيل، لافتة إلى أنه القارئ الوحيد الذي استثني بقرار عدم ظهور القراء المكفوفين على التلفزيون.

وتحدثت ابنة عن الشيخ محمد حصان الآب وطقوسه في شهر رمضان ووصيته التي أوصى بها قبل وفاته.. وإلى نص الحوار:

حدثيني عن نشأة الشيخ حصان ومتى حفظ القرآن؟

وُلد والدي الشيخ محمد عبد العزيز حصان في 22أغسطس1928، بقرية الفرستق مركز بسيون محافظة الغربية، وكان لديه شقيقين و4 شقيقات، وولد مبصرًا حتى تعرض إلى حمى شديدة في طفولته فقد على آثارها حاسة البصر، وحاول والده  جاهدًا علاجه، لكن باءت كل المحاولات بالفشل، وكان حينها في عمر ال3سنوات، حيث أشار أحد كبار القرية على والده بأن يجعله يحفظ القرآن، والفعل بدأ في ذلك السن الصغير حفظ القرآن حتى أتم حفظه كاملًا في عُمر 9 سنوات وكان يمتلك طريقة قراءة مميزة ويتمتع بذكاء ليس عاديًا.

كيف بدأ الدخول إلى عالم التلاوة؟

بعد حفظ القرآن في سن صغيرة أراد استكمال الحفظ بالقراءات السبع ومتن الشاطبية والإجازة بالقراءات العشر، والتي كانت تتم على أيدي مشايخ مخصصة لها، لذلك توجه به والده إلى قرية قسطا بمركز كفر الزيات والتي تبعد عن قريته 5 كيلو مرتات ليتعلم على يد الشيخ عرفة الرشيدي، وكان حينها في العاشرة من عمره.

وكان يذهب ويعود يوميًا بصحبة والده وكانت تلك مشقة، حيث يجب تواجد شخص معه دائمًا ليرافقه في السفر، من شدة إعجاب شيخه به فعرض على والده أن يتركه معه ليتعلم ويعود لمنزله اخر كل اسبوع، وفي سن الـ13 بدأ يقرأ القرآن في الحفلات الصغيرة والمناسبات في القرى، وبدأت الناس تعرفه، وعلى سن 18 سنة انتقل من القرية إلى مدينة في كفر الزيات ثم  تزوج بعدها واشتهر في مدينة كفر الزيات ومحيطها.

متى ألتحق الشيخ حصان بالإذاعة؟

بعد أن ذاع صيته في مدينة كفر الزيات، أشار عليه المقربين الإلتحاق بالإذاعة، وبالفعل قدم في الإذاعة وفي الاختبار أعطته اللجنة مهلة 6 أشهر، وتقدم بعد المدة المحددة ونجح في التقييم وألتحق بالإذاعة عام 1964.

ما المواقف التي جمعته بكبار عالم التلاوة؟

كان والدي يحب الشيخ مصطفى إسماعيل جدًا وتأثر به، بجانب الشيخ الحضري وكلاهما من محافظة الغربية، وبدأ يزاملهم في الحفلات والمناسبات، وكانا دائمين الثناء عليه وعلى صوته وتلاوته، حتى أن الشيخ الحصري قاله: "لما بلاقيك في مكان ببقي عاوزة اسمعك بس"  وحكى لي والدي أن الشيخ مصطفى إسماعيل كان ينصحه    ويثني على هدوئه وترتيبه ودقته في القراءة والوقفات، والوقت المحدد، فضلًا عن تلاوته  وجمال صوته.
 

استثني الشيخ حصان من قرار منع ظهور القراء فاقدي البصر بالتليفزيون.. ما القصة؟

والدي كان إمام المسجد الأحمدي، وصدر قرار منع ظهور أي قارئ كفيف في الصلوات المذاعة عبر التلفزيون، وكانت آخر جمعة في شهر رمضان يتم نقلها من مسجد سيدي أحمد البدوي، وحينها طلب التلفزيون أن يقرأ شيخًا آخر لأن والدي كفيف، وحينها تدخل المستشار ماهر الجندي محافظ الغربية لصعوبة تنفيذ ذلك وتم الاتصال برييس التلفزيون، ورغم أن القرار كان رئاسيًا، لكن تم الاستثناء من قبل الرئيس السادات أن يبقى الشيخ حصان في مكانه، وكان القارئ الكفيف الوحيد الذي يظهر في التلفزيون، ويستثني من هذا القرار، وهو ما حدث أيضًا في عهد الرئيس مبارك.

واختيار والدي للظهور على التلفزيون رغم أنه كفيف كان لأن والدي دقيق جدًا والكل يعرف عنه ذلك، ولم يكن يصدر منه أي حركة لا إرادية، فضلا عن الإلتزام بالوقت المحدد للتلاوة دون مساعدة أحد، وقام بشراء ساعة يمكن فتحها حتى يستطيع خلال التلاوة لمس العقارب ومعرفة الوقت، كما أنه كان لديه قدرة فائقة على حساب الوقت والمسافات وهو ما كان يبهر الجميع.
 

لماذا لُقب الشيخ حصان بقارئ النصر والعبور؟

صبيحة يوم النصر فجر السابع من أكتوبر اختير والدي لقراءة قرآن الفجر بالمسجد الحسين، وكان ذلك عقب انباء نجاح القوات المسلحة العبور والانتصار على العدو، وكانت هذه أمنية لوالدي بقراءة القرآن يوم الانتصار، وبالفعل بتوفيق إلهى قرأ والدي في ذلك اليوم وكانت الآيات تحمل بشرى النصر، وتفاعل رواد المسجد مع التلاوة، حتى طلب رئيس الإذاعة  بإتاحة وقت إضافي للشيخ لأن يواصل الشيخ قرائته وذلك بسبب حالة الفرح والثناء التي كان يشهدها المسجد ومصر جميعها في ذلك الوقت ولقُب منذ ذلك الوقت بقارئ النصر وقارئ العبور.

ماذا عن الشيخ حصان الآب والتعامل مع ابنائه؟

كان أب مثالي بل أكثر من ذلك أيضا، فهو متفهم لأقصى درجة، فنحن 10اشقاء  3بنات و7 أولاد، وكان والدي يمنح ثقة للبنت أكثر من الأولاد وكلمة البنت عنده مصدقة، واعطانا الثقة ونشأنا على ذلك، وكان يؤكد علينا دائمًا التمسك تقوى الله، والحفاظ على النعم، الحفاظ على الصلاة والصوم، من صغرنا، وكان يشجعنا على حفظ القرآن  بمكافأت وجوائز للحفظ والقراءة، وكان لدينا حرية في اخياراتنا حتى أنه لن يفرض علينا الحجاب بل كان عليه التوجيه ونحن كنا نتجه للطاعات من انفسنا، وغرس فينا الترابط لذلك أراد أن نسكن جميعا في عقار واحد بعد زواجنا حتى نحافظ على ترابطنا.

لماذا لم يسير أحد من الأبناء على خطى الوالد في عالم التلاوة؟

رغم أن شقيقى رضا حفظ كتاب الله وكان يمتلك صوتًا جميلًا لكنه لم يسلك طريق والدي في عالم التلاوة، كما كان شقيقي عبد المنصف صوته جميل بقراءة القرآن ولكنه توفي في سن صغير في حياة والدي، أما ابنتي رضوى لديها صوت جميل وكان والدي يشجعها وكانت مميزة في الإنشاد بحفلات المدرسة ولكن لم يكمل أحد المسيرة، ولكن سيرة والدي باقية، فقد كان محبوبًا من الجميع في حياته وبعد وفاته، وكان جميع المشايخ والقراء المشاهير يجتمعوا في منزلنا، مثل الشيخ محمود علي البنا، والشيخ راغب غلوش، الشيخ محمد بدر حسين، والشيخ فرج الله الشاذلي، والشيخ محمود إسماعيل هو من قرأ في ذكرى الأربعين لوفاة شقيقى.

ماذا كانت طقوس الشيخ حصان في شهر رمضان؟

لم يكن والدي كثير السفر خارج مصر، فكان يفضل البقاء بيننا، ولكنه كان دائم التواجد في سرادق عابدين الذي كان يتم خلال شهر رمضان ويذاع يوميًا، وكان من بين طقوسه هو إحضار شيخ بالمنزل للقراءة وإتمام ختمة القرآن.
 

ما الوصية التي أوصى بها الشيخ حصان قبل وفاته؟

أوصى والدي أنه عندما يتوفاه الله أن يدفن يوم الجمعة وتصلى جنازته بالمسجد الاحمدي، والذي كان إمامًا له لمدة 27عامًا، خليفة للشيخ البنا والشيخ الحصري، وشاء الله أن يتوفى ليلة الجمعة كما تمنى، ورغم أن بينا وبين مسجد السيد البدوي 20كيلو، لكننا نفذنا الوصية والدي وعقب انتهاء الجنازة والعودة إلى كفر الزيات،  توفت والدتي عصر نفس اليوم،  وكان العزاء واحد لوالدي ووالدتي، وكانت صدمة كبرى لنا، فقد تجمعا في الحياة والموت، فكانت رفيقة عمره، وكان يحبها جدا ويصفها بأنها ملكة ينقصها التاج.

من من القراء الجدد الذي تجدين فيه خليفة للشيخ حصان؟

الكثير من القراء الشباب جيدين ولديهم حضور، ولكن الشيخ  ياسر الشرقاوي مميز، والشيخ عزت راشد، ندعو الله أن يحفظهم جميعا ويبارك في أهل القرآن.