بعد رحيله بـ 4 أعوام..
أصدقاء الشاعر الراحل "جاد الباز" يصدرون ديوانه على نفقتهم الخاصة (تفاصيل)
رغم أن الشاعر جاد الباز، قد فارق عالمنا منذ أربعة أعوام، إلا أن أصدقائه ومحبيه من مثقفي المنزلة، قد أصدروا ديوانه المعنون بـ “ديوان الشاعر جاد الباز”، عن دار شعلة الإبداع للطباعة والنشر.
حكاية الشاعر جاد الباز
وبعيدا عن المصالح الشخصية والمتبادلة و"الشللية" في الوسط الثقافي، إلا أن مثقفي الأقاليم ــ أو لنقل المثقفين بعيدا عن مركزية القاهرة ــ استطاعوا أن يصدروا وعلى نفقتهم الشخصية ديوان الشاعر جاد الباز، رغم وفاته في العام 2020، مما ينفي أية شبهة للشللية أو المصلحة.
وبفضل جهود محبي أشعاره وأصدقائه ورفاق رحلته من مثقفي المنزلة، صدر ديوان الشاعر جاد الباز. وأصدقاءه الذين أصروا على جمع وتحقيق أعماله الشعرية، حتى لا يضيع هذا الابداع الراقي لشاعر عظيم توفاه الله على مشارف السبعين، دون أن تجمع أشعاره في ديوان. تقديم الديوان ودراسته للشاعر سمير الأمير.
ولد الشاعر جاد الباز عام 1941 ورحل عن عالمنا في 21 يوليو 2020. وكما جاء في سيرته التي كتبها أصدقاءه بخط يدهم أنه عمل في تجارة التجزئة، تحديدا “دكان” لبيع حبوب البن والأدخنة. نشأ عصاميا واستطاع من عمله الحر أن يبني بيتا ويربي من الأولاد أربعة، بنتين وولدين.
لهذه الأسباب رفض جاد الباز العيش في القاهرة
وفي تصريحات خاصة لـ“الدستور”، قال الشاعر سمير الأمير: جاء الشاعر جاد الباز إلى القاهرة في العام 1967 وظل مقيما فيها إلى ما قبل حرب أكتوبر 1973.
وعن أسباب رفض الشاعر جاد الباز للاستمرار في العيش في القاهرة وعودته للمنزلة تابع “الأمير”: محاولات بعض الشعراء شديدي الحساسية والاعتزاز بأنفسهم للعيش في القاهرة كانت تنتهي بعدم التكيف مع الصخب ومتطلباته، ومن ثم العودة السريعة لمدنهم الصغيرة كما فعل الشاعر جاد الباز ومن لديهم نفس ظروفه.
ويمكننا أن نضيف أيضا أن الشعراء من غير موظفي الحكومة ومن غير الحاصلين على مؤهلات تمكنهم من العمل بالدوائر الثقافية كانوا يفضلون البقاء بجوار مصادر أرزاقهم في الأقاليم كفلاحين أو حرفيين أو أصحاب حوانيت صغيرة مثل الشاعر “عبد الحميد الحبيبي” الذي كان يعمل ترزيا في محل صغير بمدينة المنصورة، ومثل العم “عبد العزيز ملحة” الذي كان يعمل "طرابيشي" حتى داهمه زمن منع ارتداء الطرابيش وألغى المهنة برمتها.
وكذلك انتهت سريعا تجربة الشاعر جاد الباز في العيش في القاهرة وقرر أن يعود لمدينة المنزلة ويواصل عمله في دكانه الصغير الذي يبيع فيه القهوة والدخان، عوضا عن الوقوع في حياة الصعلكة والتردد على تجمعات الأدباء متعشما في شهرة قد لا تجييء، وقد عبر عن ذلك جيدا في قصيدته "عشانك يا بلدي" إذ يقول: وكأنك انتى اللى عايزة الهزيل يتقال/ وكأن فنك بقى عندك تجارة ومال/ ومحسوبية وأرزقية / بيطلعوا فوق كتافك من آخر السلم/ ما تبصليش يا بلد وسيبينى أتكلم.
واختتم “الأمير” مؤكدا علي: ولم يكن الشاعر جاد الباز منعزلا عن الناس والمثقفين في مدينته وفي المدن والقرى من حولها، تماما مثلما لم يكن منعزلا عن كفاح الشعب المصري منذ اندلاع ثورة يوليو التي أيدها بقوة وشارك مع جيله في التفاعل مع نضالها من أجل طرد الإنجليز وتأميم القناة وبناء السد العالي وفرح بالنهضة الصناعية وبالإصلاح الزراعي والتعليم المجاني واستطاع في خضم مشاركته مع الجماهير الحالمة بالوحدة العربية وبالانتصار على العدو الصهيوني أن يستمر في كسب عيشه ويتزوج ويبني بيته الصغير ويعلم أولاده ويزوجهم وقبل هذا وبعده يستمر في كتابة أشعار عظيمة من عيون شعر العامية المصرية، ولم يكدر صفو حياته البسيطة الجميلة إلا انكسار حلمه وحلم جيله بسبب هزيمة 1967 فكان طبيعيا أن يعاني الشاعر من فترات صمت طويلة، نتيجة الإحباط العام الذي عانى منه الجميع، غير أن موهبته الكبيرة - التي شهد لها الشاعر الكبير “عبد الرحمن الأبنودي” حين استمع إلى أشعاره- رفضت أن يستمر هذا الصمت، فراحت تعبر عن نفسها في اللقاءات التي يعقدها أصدقاؤه المثقفون في مدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية، وكانت النتيجة أنه ترك لنا قبل أن يغادرنا مجموعة قصائد بالغة الجمال، جمعها أصدقاؤه ومحبوه، وامتازت بقدرة هائلة على الإلمام بتقنيات وجماليات شعر العامية المصرية .