كبسولة فلسفية| محمد جادالله يكتب: وظيفة الفلسفة
نصل مع هذه الكبسولة إلى مبتغانا الثالث الذي أثرنا تساؤله بنهاية كبسولتنا التي حملت عنوان «الفلسفة.. والحياة» أداتك لتنظيم حياتك، وجاء تساؤلنا، كيف لنا أن نوظف الفلسفة وجعلها الأداة الأولى المسيطرة في حياتنا والمسيرة لأفكارنا؟ إلا أن الإجابة عن هذا التساؤل تجعلنا نتطلع للحديث عن الوضع الذي تعمل من خلاله الفلسفة، أو بعبارة أدق كيف يمكن للفلسفة أن تُعيننا على فهم العالم من حولنا؟.
عزيزي القارئ نجد أن الفلسفة فعالية فكرية خالصة تحاول فهم العالم، وإن ما تتصف الفلسفة به من شمولية وتجريد يجعلها ذات طابع إنساني يتخطى حدود القوميات والأوطان، ويجعلها من أهم وسائل التفاهم والتعاون والتآخي الفكري بين أبناء البشر على كوكبنا الصغير هذا. كما أن الفلسفة بما تتميز به من نزعة إلى النقد، تزعزع اعتقادات الإنسان الراسخة، وتحرر تفكيره من سلطان التقليد والنقل، فلا يعود ينظر إلى الأفكار التقليدية على أنها نهائية ومطلقة تسمو على النقاش وترتفع على الجدل، بل على أنها لم ولن تبلغ درجة اليقين النهائية، ولذلك تستهدف دائمًا المراجعة والتعديل.
ونصل هنا إلى المعنى الحقيقي للنشاط الفلسفي، وهو ما يتمثل في كل العصور في وظيفتين رئيسيتين هما: «الوظيفية التحليلية»، و«الوظيفة التركيبية». فأول مهام الفيلسوف تحليل ما يمكن تسميته بأدواتنا العقلية: فيدرس طبيعة الفكر، وقوانين المنطق والاتساق بين الأفكار، والعلاقات بين أفكارنا والواقع؛ كما يقوم بتحليل طبيعة الحقيقة ومدي صلاحية مختلف المناهج العلم Science والدين Religion والفن Art والحدس Intuition والموقف الطبيعي، ويبدي اهتمامًا كبيرًا بأية وسيلة يستخدمها الناس لاكتساب المعرفة أو تنظيم تجربتهم؛ إذ إن الفيلسوف ربما كان أكثر الناس اهتمامًا بالبحث عن أفضل الطرق للوصول إلى اليقين.
ومن بين الأعمال التي يهتم بها، اختيار المناهج العقلية في جميع الميادين لكي يري ماذا يمكنه أن يتعلم منها، ولكنه أكثر اهتمامًا بتقويم هذه المناهج لذاتها. وهنا تقوم الفلسفة بدور الناقد الأعلى، إذ أنها تقوم باختبار دقيق لما تدعيه مختلف الفروع الأخرى من معرفة أو حقيقة، وذلك على أساس المناهج المستخدمة فيها واتساق النتائج التي توصل إليها؛ والعلاقة بين هذه النتائج وبين الأوجه الأخرى للتجربة البشرية.
وختامًا صديقي القارئ علينا أن نعي أن الفلسفة تعني بالإنسان، وهي لا تهتم بالكون وبجميع ما يتضمنه إلا بقدر علاقته بالإنسان؛ أي أنه موضوع الفلسفة الأول هو وضع الإنسان، المعرفة الفلسفية ليست غاية بقدر ما هي وسيلة، أي أن الغاية من الفلسفة ليست الحصول على معارف فلسفية ثابتة، وإنما هي تحقيق نوع من الحياة الحكيمة السعيدة. وقد تطلق الفلسفة على الاستعداد الفكري الذي يوفر لصحابه القدرة على النظر إلى الأشياء نظرة متعالية، فنحن حينما نفكر يعني نتأمل، والتأمل هو تأريخ وعي بمقدار ما هو تكوين معرفة. وفي عبارة واحدة الفلسفة هي في الأصل تأمل حول التجارب الحقيقية للوعي الإنساني.