مشروع استراتيجى.. مصر تنضم لمُروضى المارد النووى.. ومحطة الضبعة تقترب من دخول الخدمة لإنتاج 4 آلاف و800 ميجا وات
تدشين رسمى بالفيديو كونفرانس لصب الخرسانة الرابعة.. والتزام بأعلى معايير الأمان البيئى
خطوات قليلة تفصل مصر عن الانضمام لنادى الدول النووية التى توظف الطاقة النووية فى الاستخدامات السلمية، مثل الأبحاث العلمية وتوليد الكهرباء، مع الوصول لمرحلة الصبة الرابعة لمحطة الضبعة.
ومن المرتقب أن يجرى التدشين الرسمى للصبة عبر الفيديو كونفرانس، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، جنبًا إلى جنب مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، الذى تشارك بلاده فى المشروع الضخم، ممثلة فى شركة «روساتوم» الحكومية للطاقة الذرية.
وتسهم المحطة النووية السلمية الأولى لإنتاج الكهرباء فى مصر فى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للطاقة نحو تنمية مصادر الطاقة النظيفة، إذ من المقرر أن توفر جزءًا كبيرًا من احتياجات الطاقة المتزايدة فى مصر مع توفير الطاقة النظيفة المستدامة بقدرة ٤٨٠٠ ميجا وات، إذ يتمتع هذا المشروع بأهمية كبيرة فى تحقيق التنمية المستدامة وتحسين ملامح البنية التحتية للطاقة فى البلاد.
ووفق وثيقة خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة للسنة المالية ٢٠٢٣/٢٠٢٤ المقدمة من وزارة التخطيط ووافق عليها البرلمان بغرفتيه «النواب»، و«الشيوخ»، فإن هيئة المحطات النووية تواصل العمل فى المشروع ليرى النور، من خلال استكمال منظومة التأمين الفنى لموقع المحطة النووية بالضبعة، وإنشاء مبنى المعامل ومبنى الإسعاف ونقطة الإطفاء، وبوابات فولاذية، وأسوار داخلية.
كذلك استكمال تصميم وتنفيذ الرصيف البحرى وطريق المعدات الثقيلة، وإنشاء خط كهرباء الضبعة جهد ٢٢٠ ك. ف، واستكمال تنفيذ عقود المحطة النووية مع الجانب الروسى، وأعمال إنشاء المجمع العمرانى السكنى لصالح العاملين بالهيئة، والخبراء الأجانب، إضافة إلى استكمال إنشاء منشآت إعاشة وزارة الداخلية، واستكمال شبكة الاتصالات للمدينة السكنية.
وشهد المشروع عددًا من الإجراءات خلال مراحل التنفيذ الحالية، منها بدء الصبة الخرسانية الأولى بعد الحصول على إذن الإنشاء من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية بتاريخ ٢٩ يونيو ٢٠٢٢، وبدء الصبة الخرسانية الأولى لإنشاء الوحدة النووية الثانية بتاريخ ٣١ أكتوبر ٢٠٢٢، وبدء الصبة الخرسانية الأولى لإنشاء الوحدة النووية الثالثة بتاريخ ٢٩ مارس ٢٠٢٣.
يذكر أن هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء حصلت على إذن الإنشاء للوحدة الرابعة من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية فى ٣٠ أغسطس ٢٠٢٣، واليوم هو موعد بدء الصبة.
وجود فائض إنتاج من الكهرباء يسمح بتلبية الطلب المتزايد على الطاقة فى دول الجوار
تسهم محطة الضبعة فى توليد طاقة بشكل مستمر، إذ تستطيع المفاعلات النووية توليد كميات كبيرة من الكهرباء دون التقيد بملاءمة الظروف الجوية، كما هو الحال فى مزارع الرياح أو الطاقة الشمسية، وكذلك تحقق الاستدامة البيئية، لأنها وسيلة نظيفة لتوليد الكهرباء دون انبعاثات كربونية عالية، وتعمل على تقليل التأثيرات البيئية، مقارنةً ببعض مصادر الطاقة الأخرى التى تعتمد على الوقود الأحفورى.
كما توفر «الضبعة» الطاقة الاستراتيجية المتمثلة فى توفير مصدر طاقة محلى واستقلال طاقى لمصر، مما يقلل من التبعية على واردات الطاقة، إضافة إلى تلبية الاحتياجات المتزايدة المحلية.
وتسهم فى تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء من دول الجوار العربى والإفريقى والأوروبى لمصر، الذى يتمثل فى مشروعات الربط الكهربائى الدولى، إذ أصبحت مصر مركزًا محوريًا للطاقة عالميًا يعمل على ربط قارات العالم ببعضها عبر خطوط لنقل الطاقة الكهربائية، إقليميًا ودوليًا، مما يسهم بشكل كبير فى تسريع تنامى الاقتصاد المصرى بمعدلات قياسية.
دراسات طوال 40 عامًا عن الموقع وإجراءات الأمان سبقت الإنشاء
يعد مشروع محطة الضبعة النووية فى مصر- الواقع على الساحل الشمالى الغربى للبحر الأبيض المتوسط- خطوة استراتيجية لتنويع مصادر الطاقة فى مصر وتحقيق الاستقلال الطاقى، الذى نهضت نحو تحقيقه الدولة المصرية فى ظل قيادة سياسية أولت قضية الطاقة فى مصر أهمية قصوى، إذ عدها الرئيس السيسى قضية أمن قومى، فشرعت الحكومة، ممثلة فى هيئة المحطات النووية المصرية، إحدى الهيئات التابعة لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، فى توقيع عقود مشروع المحطة النووية السلمية الأولى لإنتاج الكهرباء فى مصر عام ٢٠١٩.
يهدف مشروع الضبعة للطاقة النووية إلى بناء أربع وحدات من مفاعلات الماء المضغوط «PWR» من الطراز الروسى «AES- ٢٠٠٦» VVER- ١٢٠٠ بقدرة ١٢٠٠ ميجا وات لكل وحدة، وتُعد مفاعلات الماء المضغوط التى تم اختيارها أكثر أنواع المفاعلات شيوعًا فى جميع أنحاء العالم.
يذكر أنه وقع الاختيار على موقع الضبعة منذ عام ١٩٨٣ كأحد أفضل المواقع بين المواقع المرشحة والواقعة على كل سواحل جمهورية مصر العربية، سواء ساحل البحر الأحمر أم البحر المتوسط أم خليج السويس، وذلك حسب المعلومات الواردة على الموقع الرسمى لهيئة المحطات النووية المصرية.
وعلى مدار أكثر من أربعين عامًا تم خلالها إجراء دراسات فنية مختلفة على موقع الضبعة، واشتملت هذه الدراسات المفصلة على دراسات جيولوجية وجيوفيزيقية وهيدرولوجية وزلزالية وطوبوغرافية وديموغرافية والأرصاد الجوية والجيوتقنية والبنية التحتية، وأثبتت جميعها مدى ملاءمة موقع الضبعة لتشييد المحطة النووية.
تكنولوجيا بناء المفاعل تتطابق مع متطلبات الأمان الدولية
هناك قلق مجتمعى عالمى من إقامة مشروعات الطاقة النووية، ولكن محطة الضبعة النووية فى مصر قضت على هذا القلق من خلال عقد العديد من جلسات الحوار المجتمعى، من أجل رفع الوعى بأهمية استخدامات الطاقة النووية وفوائدها المجتمعية والاقتصادية، وهذا تضمن التعريف بمدى الأمان النووى للضبعة.
وأوضحت هيئة المحطات النووية فى عرضها للمشروع، عبر منصتها الإلكترونية الخاصة بالضبعة، أن عامل الأمان والموثوقية من أهم عوامل المفاضلة الرئيسية لاختيار نوع المفاعل والتكنولوجيا المستخدمة لبناء المحطة النووية فى الضبعة، وأن التكنولوجيا المستخدمة فى بناء المفاعل تتطابق مع متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية «IAEA»، والتى وضعتها بعد حادثة فوكوشيما.
تستخدم هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، بالتعاون مع الشريك الروسى شركة «روساتوم» المسئولة عن إنشاء المحطة النووية بالضبعة، أحدث أنظمة الأمان فى بناء المفاعلات النووية، التى توجد بها أنظمة أمان سلبية وذاتية، وتحتوى المحطة على وعاء احتواء خرسانى مزدوج لمنع تسرب أى مواد مشعة للبيئة المحيطة، كما تمتاز مفاعلات الجيل الثالث المطور بخصائص عدة، أبرزها زيادة العمر الافتراضى الطويل الذى يصل إلى ٨٠ عامًا.
هياكل خرسانية مزدوجة وأنظمة أمان لتخفيف التأثير الضار بالبيئة داخل وخارج المحطة
تعتمد ضمانات الأمان البيئى لمحطة الضبعة النووية على عنصرين أساسيين، هما إجراءات السلامة المتخذة فى محطة الضبعة لضمان أمان التشغيل، وتأثير المحطة على البيئة وكيفية التعامل مع المخاوف المحتملة، وفى هذا أكدت هيئة المحطات النووية أن من خصائص التصميم لمحطة الضبعة النووية التشغيل الآمن والأقل تأثيرًا على البيئة المحيطة.
وأوضحت الهيئة أن من بعض الخصائص تحسين أنظمة الأمان، وزيادة استخدام الأنظمة السلبية التى لا تتطلب تدخل مصدر كهرباء ولا عنصر بشرى، ومنع أى تسرب للمواد المشعة تحت أى ظروف تتعرض لها المحطة مثل الفيضانات والأعاصير وسقوط الطائرات، من خلال الهيكل المزدوج لوعاء الاحتواء الخرسانى، ومصيدة قلب المفاعل التى تحوى الوقود المنصهر فى حالات الحوادث القصوى.
توفير آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة
يخلق مشروع الضبعة النووى فى مصر قيمة مضافة بالنسبة للوظائف التقليدية وفرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وذلك فى سياق ما يحدثه المشروع من طفرة بسوق العمل، إذ يعمل المشروع على تكوين كوادر متخصصة فى العمل النووى مثل الهندسة النووية والفيزياء النووية والأمان النووى، بالإضافة إلى الوظائف المهنية والتقنية للمهندسين والفنيين والمشغلين والمحللين.
وتسهم كل وظيفة واحدة فى تشييد محطة الطاقة النووية فى خلق ١٠ وظائف فى القطاعات ذات الصلة. كما يسهم المشروع فى تشغيل الآلاف من الأيدى العاملة على جميع المستويات المهنية.
جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تنويع مصادر الطاقة والتوسع فى مشروعات الإنتاج
تسعى مصر إلى التحول التدريجى إلى الطاقة النظيفة من خلال تنفيذ استراتيجية الطاقة الجديدة والمتجددة والاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠، فكانت أهداف استراتيجية الطاقة المتجددة هى بلوغ نسبة ٢٠٪ من إجمالى الطاقة المنتجة فى عام ٢٠٢٢، وبلوغ ٤٥٪ بحلول العام ٢٠٣٥، وهذه الأهداف تسهم بشكل كبير فى تحقيق استراتيجية المناخ بحلول ٢٠٥٠، بينما تندرج رؤى الطاقة النووية تحت هاتين الاستراتيجيتين من حيث كونها مصدر طاقة نظيفًا ومستدامًا وصديقًا للبيئة.
بينما تستهدف رؤية مصر ٢٠٣٠ من خلال محور الطاقة أن يكون قطاع الطاقة قادرًا على تلبية كل متطلبات التنمية الوطنية المستدامة من موارد الطاقة وتعظيم الاستفادة من مصادرها المتنوعة التقليدية والمتجدّدة، بما يؤدى إلى المساهمة الفعالة فى دفع الاقتصاد والتنافسية الوطنية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة مع تحقيق ريادة فى مجالات الطاقة المتجدّدة والإدارة الرشيدة والمستدامة للموارد، ويتميّز بالقدرة على الابتكار والتنبؤ والتأقلم مع المتغيّرات المحلية والإقليمية والدولية فى مجال الطاقة، وذلك فى إطار مواكبة تحقيق الأهداف الدولية للتنمية المستدامة.
يأتى مشروع المحطة النووية السلمية الأولى لإنتاج الكهرباء فى مصر كإحدى أذرع الدولة المصرية فى تحقيق أهدافها ورؤيتها الاستراتيجية فى تعزيز الطاقة وتوفير وتلبية احتياجات الطلب المحلى من الطاقة، وكذلك توفير القدرات الكهربائية اللازمة لطرح الفرص الاستثمارية الجذابة لرءوس الأموال الأجنبية والعربية لإقامة المشروعات المتنوعة فى الطاقة والصناعات الخدمية والتقنية والمتطورة باستخدام الطاقة النووية، وكذلك إنتاج طاقة كهربائية نظيفة ومستدامة وصديقة للبيئة.
رئيس هيئة المحطات النووية: الشريك الروسى يسهم فى تكاليف الإنشاء
قال الدكتور أمجد الوكيل، رئيس هيئة المحطات النووية، إن من التحديات التى واجهت إقامة الضبعة كان اختيار الشريك الاستراتيجى الذى يلبى متطلبات الجانب المصرى، حيث كان متطلبًا فى الشريك أن يكون مالكًا ومصنعًا لتكنولوجيا المحطات النووية وخدماتها مثل خدمات دورة الوقود النووى، وكذلك القدرة على توفير التمويل وتطبيق سياسات المشاركة المحلية، وقد توافرت هذه الشروط فى شركة «روساتوم» الروسية على نحو ممتاز.