مندبة جديدة فى باب المندب!
ضربات جوية وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا، ودول حليفة، مساء أمس الأول الخميس، ضد أهداف فى اليمن، يستخدمها الحوثيون «فى تعريض الملاحة للخطر»، حسب الرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى قال، فى بيان أصدره البيت الأبيض، أمس الجمعة، إن «الضربات الدقيقة» رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة وشركاءها لن يقفوا مكتوفى الأيدى أمام تعريض حرية الملاحة للخطر، وشدّد على أنه لن يتردد فى إعطاء توجيهات لاتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية الأفراد والتدفق الحر للتجارة.
الضربات الجوية هى الأولى، التى تشنها الولايات المتحدة على الأراضى اليمنية، منذ الغارات التسع التى نفذتها بين ٢٣ سبتمبر و١٣ ديسمبر ٢٠١٦. وقيل إنها تهدف إلى إضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن التجارية فى البحر الأحمر، غير أن الجماعة، أكدت بلسان محمد عبدالسلام، متحدثها الرسمى، أنها لن تتراجع عن قرارها بضرب السفن الإسرائيلية، أو تلك المتجهة إلى موانئ إسرائيلية، دعمًا للفلسطينيين الذين يتعرضون لهجمات إسرائيلية. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن الحوثيين كانوا قد استولوا على أسلحة الجيش اليمنى عندما سيطروا على العاصمة صنعاء ومناطق محيطة بها. ويؤكد مسئولون عسكريون فى صفوفهم أنهم استطاعوا تصنيع صواريخ ومدرعات ومسيّرات.
للدخول أو الخروج من البحر الأحمر، تمر السفن من مضيق «باب المندب»، الذى يبلغ عرضه حوالى ٣٢ كم، وتقع إريتريا وجيبوتى على جانبه الإفريقى، واليمن، التى يسيطر عليها الحوثيون، على الجانب الآسيوى، أو شبه الجزيرة العربية. ومنذ ١٩ نوفمبر الماضى، شن الحوثيون ٢٧ عملية استهداف لسفن تجارية مرتبطة بإسرائيل، أو متجهة إلى موانئ إسرائيلية، قرب مضيق باب المندب، عند الطرف الجنوبى للبحر الأحمر. والثلاثاء الماضى، أسقطت القوات الأمريكية والبريطانية، أكثر من ٢٠ مسيّرة وصاروخًا. وتعليقًا على هجوم شنه الحوثيون، الخميس، قالت القيادة المركزية الأمريكية «سنتكوم» إنه الهجوم الـ٢٧ الذى تنفذه الجماعة. وتصادف أن تقوم إيران فى اليوم نفسه، بالاستيلاء على ناقلة نفط، كانت فى طريقها إلى تركيا، ردًا على قيام الولايات المتحدة بمصادرة ناقلة كانت تحمل نفطًا إيرانيًا فى السنة الماضية.
المهم، هو أن الولايات المتحدة وبريطانيا وثمانى دول حليفة، قالت إن الضربات التى استهدفت مواقع على صلة بالحوثيين فى اليمن، تهدف إلى «خفض التصعيد» فى المنطقة، وإعادة الاستقرار إلى البحر الأحمر، وشدّدت على أنها «لن تتردد فى الدفاع عن الأرواح وضمان حرية حركة التجارة فى أحد الممرات المائية الأكثر أهمية فى العالم فى مواجهة التهديدات المتواصلة». فى المقابل، قالت الخارجية الروسية إن ضربات الخميس «مثال آخر على مخالفة الأمريكيين والبريطانيين قرارات مجلس الأمن»، وأظهرت «تجاهلًا تامًا للقانون الدولى» و«تؤدى إلى تصعيد الموقف فى المنطقة».
دعت الصين، أيضًا، إلى منع اتساع رقعة النزاع فى الشرق الأوسط، وقالت ماو نينج، المتحدثة باسم الخارجية الصينية، إن بلادها «تشعر بالقلق من تصعيد التوتر فى البحر الأحمر، وتحض الأطراف المعنية على التهدئة وممارسة ضبط النفس لمنع اتساع رقعة النزاع». وبين الجانبين، أعربت السعودية، جارة اليمن، عن قلقها البالغ إزاء العمليات العسكرية فى البحر الأحمر والغارات الجوية التى تعرضت لها مواقع فى اليمن. ودعت الخارجية السعودية، فى بيان، إلى «ضبط النفس وتجنُّب التصعيد فى ظل ما تشهده المنطقة من أحداث»، وأكدت أهمية المحافظة على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر»، مشددة على «أهمية حرية الملاحة فى البحر الأحمر» بوصفها «مطلبًا دوليًا لمساسها بمصالح العالم أجمع».
.. وتبقى الإشارة إلى أن «المندبة»، بفتح الميم وتسكين النون وفتح الدال، جذرها ندب وجذعها مندب، وهى المناحة، البكاء، أو النواح على الميت. وتقول الأسطورة إن ضخامة عدد ضحايا الهزة الأرضية، التى فصلت قارتى آسيا وإفريقيا، هى سبب إطلاق اسم «باب المندب» على ذلك المضيق، الذى يفصل القارتين، ويصل البحر الأحمر بالمحيط الهندى. ويقال، أيضًا، إن العرب كانوا إذا غزوا مناطق إفريقية، ينقلون سباياهم إلى الجزيرة العربية عبر هذا المضيق، فكانت أمهات السبايا يبكين ويندبن على فقد أولادهن هناك!