مميزات مصر التى ننساها ويذكرها الآخرون!!
كتبت منذ فترة مقالًا عن «صناعة الأمل».. كانت فكرته الرئيسية أن دور أى حكومة أن تبث الأمل فى صدور الناس قبل أى شىء آخر.. قفزت نفس الفكرة إلى رأسى وأنا أقرأ تقريرًا عن زيادة الاستثمارات الصناعية التركية فى مصر بصورة ملفتة.. بغض النظر عن عيوب تركيا بالنسبة للشركات هناك فإن ما أعجبنى هو المميزات التى تتميز بها مصر.. التقربر نشره موقع «دويتشه فيله» الألمانى فى ديسمبر الماضى واحتفظت به فى أرشيفى حتى الأمس.. يقول التقرير إن مصر تتحلى بمجموعة من المميزات جعلتها بيئة أفضل للصناعة التركية.. من هذه المميزات أن نسبة التضخم فى مصر أقل من مثيلتها فى تركيا، والتى بلغت سبعين فى المئة هذا العام.. ومنها أيضًا أن أسعار الطاقة فى مصر أرخص منها فى تركيا، وينطبق نفس الأمر على الأيدى العاملة الماهرة فى مصر والتى تتكلف أقل بكثير مما تتكلف العمالة فى تركيا.. يتحدث التقرير أيضًا عن جاذبية موقع مصر للشركات التركية الراغبة فى تصدير إنتاجها فى مصر حيث تتوسط مصر العالم- كما يعرف الجميع- فضلًا عن اتفاقية الكوميسا التى تتيح تصدير البضاعة المنتجة فى مصر لخمس عشرة دولة إفريقية دون رسوم جمركية.. لم يتحدث التقرير عن اتساع حجم السوق المصرية التى تصل لـ١١٥ مليون مواطن، ولكن هذا أمر معلوم بالضرورة ويشكل عنصر جذب لأى مستثمر أجنبى يأتى إلى مصر.. مضى التقرير يشرح أن الاستثمارت التركية زادت من اثنين ونصف مليار دولار إلى ثلاثة مليارات دولار خلال عام واحد، وأنها فى طريقها لمزيد من الزيادة، وأنها استثمارات صناعية تتركز فى صناعة الشاحنات والمنسوجات وتستوعب ما يقرب من سبعين ألف عامل مصرى بشكل مباشر.. إلخ.. الحقيقة أن ما توقفت عنده وأسعدنى ليست جنسية الشركات التى جاءت للاستثمار فى مصر على وجه التحديد ولكن المميزات التى ذكرها التقرير وتتمتع بها مصر.. هذه المميزات يمكن أن تجتذب مئات الشركات من كل دول العالم دون أى مبالغة.. وهذا هو طريق انتهاء الأزمة.. وهذا هو ما يجب أن يشغل أى حكومة وهذا هو ما يجب أن نسألها عنه.. لا شك أن التطور فى هذا الملف تحديدًا هو نتاج جهد الرئيس ومؤسسات الدولة، لكن ماذا عن المستثمرين من باقى جنسيات العالم.. إن دور الحكومة فى هذه الفترة أن تسخر نفسها لاجتذابهم وتذليل العقبات أمامهم وجعل وجودهم حقيقة واقعة، لأنه من خلال هذه الاستثمارات تزيد فرص العمل ويزيد الدخل ويجد المواطن نفسه قادرًا على مجاراة ارتفاع الأسعار.. لذلك يطالب الجميع بمجموعة اقتصادية وزارية لها رؤية مختلفة وخبرة مختلفة.. إجراءات الإصلاح الاقتصادى ورفع الدعم ليست خطأ فى حد ذاتها.. لكن الحقيقة أنها يجب أن يواكبها تمكين اقتصادى للمواطن كى يتحول من عالة على الدولة لصاحب مشروع صغير أو كبير حسب موهبته وقدرته وتعليمه.. تحرير الاقتصاد يعنى أن تعلّم الحكومة المواطن الصيد بدلًا من أن تعطيه سمكة وفق الشعار الذى رفعه الرئيس وطالب الحكومة بتنفيذه.. والفكرة أن علينا أن نسأل: هل نجحت الحكومة فى تنفيذ رؤية الرئيس؟ هل ظهر لدينا مئات الآلاف من رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة بعد إجراءات الإصلاح؟ هذا هو السؤال الذى يجب أن تجيب عنه الحكومة.. أنا أصدق مبررات رفع أسعار الخدمات والسلع لأن كل شىء ترتفع تكلفته.. لكن الفكرة أن يكون للمواطن دخل جيد يمكنه من مجاراة التضخم وارتفاع الأسعار.. هذه هى فكرة الإصلاح الاقتصادى ببساطة.. أن يجد المواطن فرصة عمل بدخل جيد من خلال الاستثمار المباشر.. أو أن يصبح صاحب مشروع صغير ويستغنى عن دعم الدولة له..وبالتالى فهذا ما يجب أن تسعى له أى حكومة، وأن تحدث المواطنين عنه.. وحتى يحدث هذا فإن على المسئولين أن يبثوا فى الناس الأمل، وأن يذكروهم بمميزات مصر التى يندر أن يوجد مثلها، وبما يمكن تحقيقه من خلال هذه المميزات خلال السنوات المقبلة.. مطلوب إشاعة التفاؤل المبنى على رؤية حقيقية ومساعدة المواطن على أن يصطاد السمكة بنفسه ما دامت الحكومة لن تستطيع توفيرها له فى هذه الظروف.. والله أعلى وأعلم.